تشرفت مصر بالسيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء، بعد أن استجاب لها الله تعالى وأسكنها بلدًا طيبًا وعوضها حبًا ومودة وأهلًا محبين مستبشرين بمقدمها، ولا يزال المولد الذى يعقده المصريون سنويًا من أول رجب حتى ليلة 14منه، خير دليل على تسابق أهلها بعقيلة بنى هاشم أول من شرف مصر منهم. فكانت أول الغيث وبعدها وفد بقية أهل البيت، ولا يزال دعاؤها: «نصرتمونا نصركم الله.. وآويتمونا آواكم الله.. وأعنتمونا أعانكم الله.. وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا»، محفورًا فى أذهان المصريين منذ ذلك الحين، وبالتالى لم يتخلفوا عاما عن الاحتفال بذكراها واستذكار مواقفها النبيلة وصبرها على المصائب، ونرصد فى هذا الملف سيرة السيدة زينب وكيف كانت رحلتها حتى وصلت أرض مصر، كما تحدثنا فى حوار خاص مع الدكتور محمد عبدالقادر نصار نائب الطريقة النقشبندية عن سر حب المصريين وخصوصيتها لديهم.
حقيقة قدوم السيدة زينب إلى مصر ووفاتها بها
لا شك فى أن الكثير من المصادر التاريخية أثبتت أن السيدة زينب الكبرى بعد أن سيرت للشام ثم للمدينة، ثارت فتنة بينها وبين عمرو بن سعيد والى المدينة حينذاك من قبل يزيد بن معاوية، وأصدر أمرًأ بنقلها من المدينة فنقلت منها إلى مصر، ودخلتها على مسلمة بن مخلد والى مصر فى ذلك الوقت، فى أول شعبان سنة ٦١ هجريا، وأقامت بها مدة ١١ شهرا ونحو ١٠ أيام أى توفيت مساء الأحد ١٤ رجب عام ٦٢ هجرية، بموضع كان يقال له الحمراء القصوى، حيث بساتين الزهري، وهو وفقًا لرسائل المقريزى هو المنطقة الواقع بها الضريح الزينبى الآن، إذن فهذا المشهد معروف من قبل القرن الثاني.
وجاء فى كتاب "مراقد أهل البيت" للشيخ محمد زكى إبراهيم، أن زينب الكبرى بنت السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا الرسول صل الله عليه وسلم، وأبوها الإمام على بن أبى طالب، وولدت بعد مولد سيدنا الحسين بسنتين وكلاهما ولد فى شهر شعبان، فهى ولدت فى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة فعاصرت إشراق النبوة، وسماها الرسول زينب إحياء لاسم ابنته زينب.
معنى زينب هى الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة، واشتهرت سيدتنا بجمال الخلقة والخلق، والإقدام والبلاغة والكرم وحسن المشورة والعلاقة بالله، فكان يرجع إليها أبوها وأخواتها فى الرأى لأخذ مشورتها لبعد نظرها وقوة إدراكها، كما تزوجت من ابن عمهاعبدالله بن جعفر بن أبى طالب وأنجبت منه جعفر وعلى وعون الأكبر وأم كلثوم وأم عبدالله.
وكان لها من اسمها نصيب، فلقد كانت من أشد عباد الله ابتلًاء وصبرًا واحتسابًا، ولم تكد تتفتح عيناها على الحياة فى رحاب جدها وحنان والدها وشفقة أمها، وما أن أتمت الخامسة حتى قبض جدها المصطفى فحرمت من عطفه وحنانه وشفقته وبعدها بستة أشهر فقدت أمها الزهراء فألقيت عليها مسئولية البيت وفرض عليها أن تؤدى دور الأم لأخويها وترعى شئون أبيها وفوق ذلك انشغال والدها عنها بهموم الخلافة التى ما تركته يومًا.
وليت الأمر ظل على هذه الحال بعد فقد أمها وانشغال أبيها وأخويها فجاء النبأ الحزين يقتحم عالم وحدتها وصمتها فها هو أبوها الإمام على خارج ليؤم المسلمين فى صلاة فجر يوم من أيام شهر رمضان فإذا بيد شقى من الخوارج تندفع إليه بالسيف المسموم فتقتله غدرًا.
وتلاحقت الأحداث والناس فى اختلاف حول إمامة أخيها الحسن بعد استشهاد أبيه ما بين مؤيد ومعارض ومتهم لأبيها وأخويها ذورًا بالتحريض أو بالتقصير إيذاء مقتل سيدنا عثمان رضى الله عنه، فتضع زوجة أخيها السم له فى طعامه بتقتله مسمومًا وهو الوديعة المؤثر الصلح والسلام فقد تنازل عن الخلافة.
وذكر النبوى جبر سراج فى كتابه "السيدة زينب فى قلوب المحبين" أن مأساتها المروعة اكتملت فى كربلاء فى العاشر من محرم عام ٦١ هجريًا بعد توالى البلايا خلال مشاركتها فى الأحداث الكبرى، حيث شاركت أخاها الإمام الحسين فى جهاده ضد غدر يزيد بن معاوية له، فكانت رضى الله عنها تثير حمية الأبطال وتشجع الضعفاء وتخدم المقاتلين.
وكانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت، فبعد مقتل الحسين ساقوها مع السبايا ووقفت على ساحة المعركة تقول: "يا محمداه.. يا محمداه.. هذا الحسين فى العراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء.. يا محمداه هذه بناتك سبايا.. وذريتك قتلى تسفى عليها الرياح"، وكان لها مواقف جريئة مع ابن زياد ومع يزيد، وحمى بها الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبى والتسري، وكذلك على الأصغر زين العابدين من القتل والذى حفظ به الله ذرية سيدنا الحسين وانتشرت فيما بعد، ولقبت سيدتنا بلقب "بطلة كربلاء: زينب".
المشهد الزينبي.. من منزل إلى مسجد كبير
ومن المهم أن يعرف المصريون تاريخ المسجد الزينبى الذي يحتفلون حوله كل عام وكيف كان قبل وبعد مقام السيدة زينب، فكان بحسب ما ذكره الشيخ محمد زكى الدين إبراهيم فى كتابه "مراقد آل البيت" أول ما كان بيتًا لأمير مصر "مسلمة بن مخلد" قائمًا على الخليج المصرى عند قنطرة على الخليج كانت تسمى "قنطرة السباع" لأنها كانت مزينة من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر.
ولما ردم الجزء الذى عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتسع الشارع، حتى ظهر مسجد السيدة بجلاله الحالى بعد أن توالت التجديدات عليه، فقد تم تجديد الحرم الزينبى فى القرن السادس الهجرى فى عهد الملك سيف الدين أبو بكر، ثم فى سنة ٩٥١ هجريًا جدده الأمير على باشا الوزير، وفى عام ١١٧٠ هجريًا جدده الأميرعبدالرحمن كتخدا، ثم أنشئت بعد ذلك مقصورة النحاس الأصفر على القبر، ثم وقف التجديد.
وجاء محمد على فأتم عمارة المسجد ثم عباس الأول قام بوضع توسعة المسجد وتجديده ثم قام سعيد بتنفيذ التصميم ثم قام الخديوى توفيق بإصلاح القبر والمنارة وتجديد الجدران والقبلة، ثم قامت الحكومة المصرية بتوسعة أولية عام ١٩٤٠ م، ثم التوسعة الثانية عام ١٩٦٩ م، وأنشأت محرابًا جديدًا وميضأة منفصلة، وما زالت التجديدات مستمرة حتى الآن، حيث تقوم وزارة الأوقاف بتجديده حاليًا.
قصة الزينبات العلويات الثلاثة
كان من عادة أهل البيت تكرار أسماء وبنات جدهم، وبحسب المؤرخ حسن محمد قاسم فى كتابه "السيدة زينب.. تاريخ ومناقب"، ففى أبناء البيت الواحد تجد على الأكبر أخا لعلى الأصغر الملقب بـ زين العابدين، ونجد الحسن المثنى والمثلث والحسن السبط، وكذلك زيدًا وعونًا الأصغر والأكبر، وكذلك زينب الصغرى والوسطى والكبرى وفاطمة الصغرى والكبرى والوسطى، وكان ذوات الاسم الواحد يتوفين ويدفن فى أماكن متفرقة من بلاد المسلمين، وذلك بسبب تشتيت الدولة الأموية والعباسية لهن، ومن هنا حصل اللبس الكبير الذى وقع فيه المؤرخون فى تحديد مشاهد أهل البيت.
وكما جاء فى كتاب "السيدة زينب.. تاريخ ومناقب"،على سبيل المثال وقع جدل بأن صاحبة المقام المعروف بمصر ليست هى "زينب الكبرى"، وتأكيدًا لذلك اهتم المؤرخين بالبحث فى سيرة كل الزينبيات، بداية من "زينب الوسطى" أخت زينب الكبرى، والتى كانت تُنادى وتكنى باسم خالتها "أم كلثوم".
كما سميت باسم خالتها "زينب"، والمولودة فى السنة التاسعة من الهجرة، ولم تلبث أن توفيت زينب الوسطى والمعروفة بـ"أم كلثوم" هى وابنها زيد فى وقت واحد، وصلى عليها عبدالله بن عمر، ودفنت مع ابنها زيد بالبقيع بالمدينة، أما زينب الصغرى فهى صاحبة القبر المعروف باسم "زينب بنت علي" فى قرية "راوية" بدمشق.
الزينبات الأخريات من أهل البيت
زينب بنت يحيى المتوج بالأنوار ضريحها بقرافة الإمام الشافعى بجوار ضريح عمر بن الفارض، والسيدة زينب الحنفية وضريحها بقرافة باب النصر ويحسبه الناس خطأ أنه مزار للسيدة زينب الكبرى، والسيدة زينب بنت عبدالله المحض وهى المشهورة بـ"فاطمة النبوية" بالعباسية، والسيدة زينب بنت حسن بن إبراهيم المثلث ومدفونة مع جدها إبراهيم عند باب المشهد السكيني.
والسيدة زينب الإدريسة قبرها معروف بالقرافة النفيسية، والسيدة زينب الكلثمية قبرها بقرافة الإمام الليث، والسيدة زينب بنت هاشم قبرها فى الزقاق الضيق،والسيدة زينب بنت موسى الكاظم ذكرها العبيدلى النسابة وقال إنها هاجرت إلى مصر مع زوج أختها القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقد اندثر قبرها.