السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

حديث عن الحداثة.. قيم الحداثة تنطلق من ثلاث منظومات: التعددية والغيرية والتعايش المشترك

طارق حجي
طارق حجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لو طُلِبَ منى أن أذكر بإيجاز قيمَ الحداثةِ أو قيم المعاصرة والتى كتبتُ عنها العديدَ من الكتبِ والمقالاتِ وتحدثتُ عنها فى محاضراتى وحواراتى التليفزيونية فسأقول ما يلى:
تنطلق قيمُ الحداثةِ من ثلاث منظوماتٍ: التعددية والغيرية والتعايش المشترك. فكما أن الطبيعةَ وعوالم الكائنات والنباتات تقول إن التعددَ هو أبرزُ معالمِها، فإن نفسَ الشيء يُقال على البشرِ وأشكالِهم ومعتقداتِهم وأفكارِهم وأذواقِهم. وهذا التعدد ينفى حق أى طرفٍ فى تمييزِ نفسِه أو تقليلِ حقوقِ «الآخر». ومن رحمِ «قيمةً التعددية» تنبثق «قيمةُ الغيرية» أو «قبول الآخر». وهو ما ينفى حق أى طرفٍ فى إقصاءِ «الآخر». ومن هاتين القيمتين/المنظومتين تتجلى قيمةٌ ثالثة هى «التعايش» أو «التعايش المشترك». وبديهى أن القيمةَ الثالثة هى ثمرةٌ حتمية وطبيعية للقيمتين الأخريين. وجلى أن هناك علاقة تكاملية بين القيمِ الثلاث. ومن هذا «المثلث القيمي» تخرج منظوماتٌ عديدة من قيمِ الحداثةِ فى مقدمتها «حقوق المرأة» ككائنٍ إنسانى على قدمِ المساواةِ المطلقة بالرجلِ. وهذه قيمة وجدت وستظل تجد رفضًا كليًا أو جزئيًا من الذهنيةِ الذكورية والتى حكمت تاريخَ الإنسانيةِ من بدايته، وأن اختلفت درجة هذا الرفض من مجتمعٍ لآخر. فكلما كان المجتمعُ أكثر مدنية، كان هذا الرفضُ أقل نسبيًا. ومن أهم القيمِ التى تنبع من «المثلثِ القيمي» المذكور، «حقوق الإنسان» و«حرية الاعتقاد» و«التعليم العصرى». وهنا أيضًا يتكرر الرفضُ من أطرافٍ ثيوقراطية وغيرها. فمعارضو مساواة المرأة المطلقة بالرجلِ يصعب تصور قبولهم الواسعِ للمفهومِ العصرى لحقوقِ الإنسان ولحريةِ الاعتقاد. أما «التعليم العصري» فمعركته كبيرة مع نفسِ الأطراف! لأنه يقوم على أسسٍ من حرية الفكر وحرية الاختيار لا يقبلها كثيرون لاسيما فى مجتمعاتِ ما يُعرف بالعالمِ الثالث والمجتمعات التى لم تتأصل فيها «مدنيةُ الدولة»، كما أن تعريفَ «التفكير العلمي» الحديث سيكون أيضًا غيرَ مقبولٍ من عدةِ أطرافٍ. 
وإذا كانت رحلةُ المجتمعاتِ الغربية صوب قيمِ الحداثةِ قد استغرقت قرونًا، فمن البديهى أن نستبعد هذا السيناريو بالنسبةِ لمجتمعات عالمنا المعاصر والتى تسمى بمجتمعاتِ العالم الثالث. فكثير من أبناءِ وبناتِ هذه المجتمعات يتوقون/ يتطلعون لرؤيةِ واقعهم يقفز خلال عقود (وليس خلال قرون) للحداثةِ.


فما هو السيناريو البديل والذى من شأنِه اختصار رحلة مجتمعاتِ العالمِ الثالثِ من واقعها الآنى من قرونٍ لعقودٍ؟
خريطة العالم اليوم تقدم الإجابةَ!
فإذا صبغنا الدولَ الأكثر تقدمًا على خريطة عالمنا بلون ما، فسنكتشف بسرعةٍ أننا أمام مجموعتين من «الدول المتقدمة».
مجموعة تضم دولًا مثل دول غرب أوروبا، وهى التى تحققت فيها الحداثةُ عبر قرون. ومجموعة تضم دولًا مثل سنغافورة وتايوان وماليزيا وكوريا الجنوبية وهى التى حققت الحداثة خلال عقودٍ وليس خلال قرون.
وجلى أن آليةَ تحقيقِ الحداثةِ فى المجموعةِ الأولى كانت من خلالِ التطور المجتمعى البطيء والتدريجي. أما آلية تحقيقِ الحداثةِ فى المجموعةِ الثانية فكانت من خلالِ دور قسرى لعبته القيادةُ السياسية، وهو الدور الذى تكرر وبنفس الكيفية تقريبًا فى دول جنوب شرق آسيا التى ذكرتُها فى الفقرة السابقة.
ولكن، لابد من إجراءِ دراسةٍ مقارنة بين نوعين من المجتمعاتِ: مجتمعات جنوب شرق آسيا التى تحققت فى كلٍ منها الحداثةُ خلال أقل من ثلاثةِ عقود، ومجتمعات مثل تركيا وتونس بدأت فيها عمليةُ التحول القسرى للحداثةِ، ثم حدثت انتكاسةٌ (انتكاسة نسبية فى تركيا وانتكاسة أكبر فى تونس).

معلومات عن الكاتب 
الدكتور طارق حجى.. مفكر ليبرالى، يعلى فى كتاباته من شأن العقل، ويرسخ لقيم الاستنارة، كما يحرص فى كتاباته على إظهار قيم الحداثة، والتسامح وحقوق المرأة فى الشرق الأوسط.. ألقى العديد من المحاضرات فى الكثير من الجامعات، من بينها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة سيدني، وجامعة أكسفورد وغيرها من الجامعات فى العالم. له أكثر من 35 كتابا.. يتناول، هنا، على القضية التى تشغل باله دائمًا ألا وهى الحداثة.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

https://www.ledialogue.fr/