- خاض حربا ضروسا مع شركات توظيف الأموال وواجه الإخوان مع فرج فودة
- كان متعدد المناصب والمواهب وخدم الكنيسة والوطن دون انتظار التكريم
وسط هدوء مهيب ودون ضجيج رحل واحد من فرسان الصحافة المصرية بعدما أفنى حياته بين أوراق المطبوعات مزدحمة العناوين والكلمات على مدى 74 عامًا يسير فى درب صاحبة الجلالة، يضع أسس صحافة الاقتصاد، وواحد ممن نثر بذور الملف القبطى على صفحات الجرائد والصحف المصرية، عرف بأنه المشاكس ووصف بالمناضل، عاش فى حياته الأولى نزعة ثورية، وعبر مراحل حياتية ومهنية من محرر ليصبح واحدًا من المراجع، إنه الكاتب الكبير ماجد عطية الذى وافته المنية عن عمر يناهز 95 عامًا.
على ألحان حزينة ودعت أسرة الراحل جثمان شيخ من رجال الإعلام من داخل كنيسة مارجرجس هليوبوليس التى عاش فى خدمتها لسنوات طويلة ولم تعطل المهنة مسيرة خدمة الوطن والكنيسة، فكان رجل الاتزان وتحقيق المعادلة العصيبة، ترعرع بين قامات المهنة وأصبح واحدًا منهم، ورغم مكانته المهنية غاب الكثيرين عن المشاركة فى مصاب الرحيل.
ووسط مسيرة ممتدة عاشها الفقيد بين عصور مختلفة ومرت على الصحافة المصرية تغيرات وتقلبات هائلة، قبل ثورة 1952 مرورًا بالثورة والحقبة الناصرية والساداتية وعهد مبارك وظل حتى أيامنا يكتب مقالا ما بين الحين والآخر.
طالب الكاتب والباحث سليمان شفيق، بتكريم الراحل خلال احتفالية الكنيسة بمرور 50 عاما على الصحافة القبطية باعتباره واحدا من مؤسسيها وباعتباره خادما للوطن والكنيسة، وجّدد الدعوة بصورة أخرى الدكتور رامى عطا، الأستاذ بأكاديمية الشروق، إذ طالب نقابة الصحفيين بضرورة تكريم الكاتب الصحفى الكبير ماجد عطية، لكن الموت سبق خطوات التكريم.
مسيرة ماجد عطية
ترجع مواليد فقيد الصحافة ماجد عطية إلى 3 سبتمبر عام 1928، بدأ عمله الصحفى من جورنال الكتلة سنة 1949، حيث عين من قبل مكرم باشا عبيد صحفيا براتب 15 جنيها وهو لم يتجاوز عمره الـ21 عامًا، ليبدأ سجلا حافلا من العطاء والعمل الصحفى والنضال، وسطر اسمه بين الرعيل الأول فى صحافة الاقتصاد كما كان من مؤسسى الملف القبطى بالصحف المصرية.
تنوعت أعماله وعرج بين المؤسسات والصحف فى الملفات المختلفة واحتل الاقتصاد والأقباط صدارة الأمور حيث عمل فى مجلة «المصور» الأسبوعية، ورأس تحرير جريدة «وطنى»، عند عودتها للصدور فى أكتوبر 1984 إلى يناير 1985، كما رأس تحرير مجلة «دراسات اشتراكية»، وكانت تصدر عن دار الهلال، وشارك كما ساهم فى تأسيس جريدة «العالم اليوم» اليومية الاقتصادية، وأسس جريدة «الراية المصرية» الأسبوعية سنة 1999، وله مقالات منشورة فى جريدة «الأهالى» التى تصدر عن حزب التجمع، وفى غيرها من صحف، وهو يواصل كتابة مقال أسبوعى مميز صباح الأحد فى جريدة «وطنى» يعكس متابعته الدقيقة للأحداث وتحليلاته الثاقبة.
معدن نفيس
أبرز «عطية» تكوينه الوطني الفريدچ مثل الحجر الكريم كلما سقط عليه الضوء عكس لونا مختلفا، كان صحفيا وفديا ومحررا فى الكتلة مع مكرم عبيد، والتى كان أحد أبرز محرريها نظير جيد - البابا شنودة الثالث – بابا الكنيسة فيما بعد، فضلًا عن كونه مناضلا واشتراكيا لديه رؤية وفكرة يدافع عنها مهما كانت العقبات.
عاش فقيد الصحافة رحلة طويلة خدم فيها بإخلاص وطنه مصر وشعبه القبطى ومهنته الصحفية؛ لا يعرف التلون كان مناديا بحقوق الأقباط ومعارضا شرسا للإخوان ومنتقدا لاذعا للسياسات الاقتصادية.
عاش الأزمات على كل شكل ولون، فى عام 1954 فصل من جريدة الجمهورية مع 104 من الكتاب والصحفيين، وفى مقدمتهم طه حسين، ومحمد مندور، وبيرم التونسي، ولويس عوض؛ حاول ماجد عطية الالتحاق بمجلة الجيل تحت رئاسة موسى صبرى، ولكنه لم يكمل 3 شهور وتركها عائدا مرة أخرى لصحيفة الجمهورية والتى فصل منها للمرة الثانية.
كما تعرض للاعتقال فى مارس 1959 بتهمة التحفظ على شيوعى، حيث كان يزوره صديقه فيليب جلاب الذى كان شيوعيا، وتم اعتقاله 5 سنوات؛ وهو واحد من القيادات الاشتراكية حيث ترأس تحرير مجلة الدراسات الاشتراكية فى السبعينيات، وحينما خرج من المعتقل عام 1964 التحق بمؤسسة دار الهلال ويبقى فيها حتى إحالته للمعاش عام 1988 وهو فى منصب نائب رئيس التحرير لمجلة المصور؛ وجدد له بعد المعاش سنة وراء سنة حتى عام 2000.
وتظل تحتفظ صفحات المصور حملته الشهيرة على شركات توظيف الاموال والتى كان لها أكبر الأثر على نهاية هذه الظاهرة المخربة للاقتصاد الوطنى؛ وناهض بقوة ما يعكف عليه نواب الإخوان وحلفاؤهم بمجلس الشعب من حزب العمل يدافعون بشدة عن شركات توظيف الأموال، وظل ماجد عطية يشن حملته فى المصور لكشف خبايا تلك الشركات ومن وراءها، وكان هذا من عوامل تقاربه مع الراحل فرج فودة الذى شن حملة موازية.
من أعلام الصحافة الاقتصادية
واحد من أعلام الصحافة الاقتصادية ولعل ما شهدته دار الهلال فى وجوده كان دليلا قاطعًا، كان يتعامل من منظور القيم أولًا وحاول دوما العمل على منهجية سلاح القلم وسياج الوطنية ونبراس النزاهة والمهنية، وعرف بأنه رجل حقوق لا يوارب تلك الخصال أبدا، ووسط انشغاله فى دوامة المهنة القاسية لم يقصر فى خدمة الكنيسة التى كانت جزءا منه.
وكان من بين أواخر كتابات الراحل رأس السنة «الهجرية» يعانق «القبطية» فى توافق فلكى نادر، وأنه فى يوم حدث تعانق احتفالات عيد رأس السنة الهجرية والقبطية، وقال إن هذا توافقا لا يشعر بمعناه إلا المصريون فقط، معددا المواقف الواحدة والروح المصرية الخالصة.
ويقول الكاتب أحمد صبحى منصور، فى كتابة «جهادنا ضد الوهابية» إنه التقى الكاتب الصحفى ماجد عطية فى مكتب الراحل فرج فودة، وأن الراحل كان ماركسيا وتعرض للسجن والتشريد فى عصر عبد الناصر وتقابل مع الرئيس بعد انتهاء العقوبة.
وأوضح، أنه رغم تبنى «عطية» الماركسية كان مخلصا للعقيدة القبطية ولكنه ليس طائفيا متعصبا، بل عهدته شهما يساعد الناس بغض النظر عن الدين، هو من نفس النوعية القبطية النبيلة التى عرفتها مصر وبمثل هؤلاء تحلو الحياة.