جرت العادة داخل الأوساط الصوفية، على إحياء ذكرى مشايخ الطرق الراحلين، وتعتبر الطريقة المحمدية الشاذلية على رأس الطرق التي تهتم بهذه العادة، وكان آخرها إحياء ذكرى ميلاد ووفاة الشيخ محمود أبو عليان، مجدد التصوف في زمنه، والمتوفي في الخميس الثاني من شهر رجب، عام 1326 هجرية، من قبل مدرسة الإمام الرائد لمؤسسها ومديرها الدكتور محمد زغلة، نائب الطريقة المحمدية الشاذلية بإمبابة
كان قد سجل الإمام الرائد محمد زكي الدين إبراهيم، المتوفي عام 1998 م، مؤسس الطريقة المحمدية الشاذلية وجمعية العشيرة المحمدية، في كتابه "الدليل إلى الطريقة المحمدية" سيرة وتاريخ جده لوالدته الشيخ محمود أبو عليان.
لماذا رفض الباشاوية حلم الكثيرين في عصره ؟!
ومما سجله الإمام الرائد، ان جده الشيخ رفض لقب الباشاوية الذي أعطاه إياه الخديوي توفيق، وذلك بعدما أراد الخديوي ضم جماهير الصوفية إليه في مواجهة الحركة العربية حيث أنعم على بعض مشاهير الصوفية في الدولة بالأطيان والضياع، ولكنه تورع وترفع، ورد العطية، مما دفع الخديوي باستبدال عطيته بلقب الباشوية لكنه رفضها أيضا.
يصفه محبيه ومريديه بالاستاذ الفخر، الرفيع القدر، والحبر البحر، نسيب الأبوين وأصيل الدين، نبوي النسبين، محمدي الطريقتين، قطب أقطاب عصره، ومحدد متصوفة دهره، القائم لله بأمره، والهادي إليه بفضله، والداعي إلى انتهاج سبله، طليعة فليق المحققين والمخصوص بعلم اليقين، العالم العارف الفاني، السني التمسك، خادم شريعة الكريم المنان.
مكان وتاريخ مولده:
وقالت مدرسة الإمام الرائد في بيان لها عن الأمسية التي أحيت خلالها ذكرى الشيخ أبوعليان، أنه ولد في يوم الخميس التاسع من شهر رجب سنة 1256 هجريا ببلدة الزوايدية إحدى قرى عرب البصيلي، التابعة لمركز إدفو محافظة أسوان بمصر، في بيت من بيوت المجد والعزة من أبوين معرفين كان جدهما ممن حكم الصعيد الأعلى، شاهدت امه كراماته الإلهية منذ طفولته ويتحدث عنها أهل الصعيد حتى الآن، وعلى الرغم من العز الذي ولد فيه إلا أنه نشأ محبا للتقشف والزهد.
نسبه الشريف وأسرته:
وبحسب كتاب "البيت المحمدي" للإمام الرائد، فإن الشيخ ابي عليان من الإشراف الحسينيين، فهو الشيخ محمود بن عليان بن زيد بن علي بن نصار بن نصر بن يونس بن عطاي بن علي الأبيض بن جابر بن محمد البلشوني بن عواض بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن زيد بن موسى الفرعي بن يعقوب بن أحمد بن محمد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.
ما ذكر عن كراماته:
كما قال الشيخ محمد زكي إبراهيم في كتابه المطبوع عام ١٩٨٥، أن جده حفظ القرآن الكريم وحده بلا معلم، وكان يشتغل ويستظهر ويتلو قائما وقاعدا ومضجعا، ثم قصد الخلوة التي بناها بنجع البياض حيث انبع الله عين ماء لازالت موجودة ويتبرك الناس بمائها حتى الآن، وتلقى العهد على يد أستاذه الشيخ علي الصعيدي.
وتوضح السيرة أن الشيخ أبو عليان، ظل ملتزما بخلوته وفقا لما أمره به استاذه وذلك بعدما عرض له هاتف في إحدى الليالي قائلا له "يا محمود قاز المخلصون" ولاقي في خلوته الكثير من الأهوال والصعاب بسبب ما وقع بينه وبين ساكني الجبل من أهل العالم الثاني ومن وحوش البادية وزواحفها حتى جاءه البشير مناديل "ألا أيها المقتدى بالمدثر، قم فادع الله وأنذر".
انتقاله للقاهرة وإقامته بها:
ثم سافر الشيخ أبو عليان إلى القاهرة "بأمر من الله"، بحسب تعبير حفيده الشيخ زكي إبراهيم، تاركا كل ما كان يملك من المال والعقار وكروم الحناء ومعاصر الزيوت وغيرها، واجتمع بأئمة العلماء في مصر الذين تلقى عنهم ودرس معهم علوم الشريعة والحقيقة حتى صار من فحولها،وشارك الشيخ العدوي والشيخ عليش جهادهما الوطني في الثورة العربية.
كما اجتمع أيضا بالشيخ أحمد بن رضوان شيخ السادة الشاذلية العفيفي، وتلقى كل منهما طريقته تبركا فتلقى الشيخ أحمد بن رضوان الطريق الناصري عن الشيخ أبي عليان وتلقى الشيخ أبي عليان الطريق العفيفي مرتين الأولى من الشيخ أحمد بن رضوان والثانية من الشيخ محمد ابن أحمد العفيفي.
وقال الكتاب إن الشيخ أبو عليان كان كريما جد الكرم، منزله ملجأ بالمعنى الصحيح للجائع والصادر والعرسان والمسكين والمحتاج من رجال وأطفال ونساء، وكان طعامه وشرابه شفاء المريض اليائس ودواء السقيم البائس يقصد إليه الناس من البلدان النائية والنواحي المترامية، وكان يقدم العدس ثريدا لزواره في ليلة الخميس معه الفول النابت، فما طعمه مريض إلا شفي.
منزله ومسجده:
لما استقر بالشيخ المقام في القاهرة نزل في ناحية البصيلية القديمة، بحي بولاق مصر، خلف إدارة المياه والمعهد الإيطالي، بالفحامين وهي غير الفحامين المعروفة بالغورية، ولكنه غادر هذه الناحية إلى البصيلية الجدية التي كانت التي كانت تحد من ناحية الشرق بمبنى شركة دخان وساجير، ومن الغرب بإدارة الكهرباء والنور، ومن الجهة البحرية بحي وقف كنيسة القلاية والعدوية، ومن الغرب بشارع فؤاد (26 يوليو الآن)، وبني منزله ومسجده القديم، حتى تم نزع ملكية المنزل للمنافع العامة، ولكن ما زال المسجد يقام به الشعائر لليوم في وقف المرحوم على بك الترجمان، ورحلت عائلة الشيخ منذ 11 نوفمبر 1932 إلى ننزلها بجوار ضريحه الموجود في شارع السلطان أحمد بقايتباي بالقاهرة.
وفاته ومكان قبره:
قبل وفاته امر الشيخ الإمام الرائد محمد زكي الدين إبراهيم، ببناء مكان قبره في المكان الذي تخيره بنفسه، واوصى بأن يكون البناء شرعيا متواضعا لا زخرف عليه ولا رياء ولا شيء مما يتولع به أرباب المظاهر، وجاء هذا المكان في مسجد العشيرة المحمدية بشارع السلطان احمد بقايتباي بالقاهرة، وزار مدفنه مرة واحدة قبيل مماته وهو لم يتم بعد، حتى حضرته الوفاة بعد إتمام الحضرة في ليلة الخميس الموافق 9 من رجب 1326هجريا، وكان يوم وشهر وفاته موافقا ليوم وشهر ميلاده، بعد سبعين سنة قضاها في خدمة ربه وخدمة الناس.
خلواته ومشاهده وسر ارتباط العقاد به:
ومن الجدير بالذكر، بحسب بيان مدرسة الإمام الرائد بوجود مزارات كثيرة، أهمها مزاره العظيم ببلدته بأسوان، والمعروف باسم "الشيخ محمد"، وفى بعض الجهات التي سميت تبركا باسمه "ابو عليان أو البصيلي"، وله موالد سنوية كثيرة، وحول قوة ارتباط الكاتب الموسوعي والمعروف عباس العقاد بالشيخ أبو عليان ومشهده بأسوان، وصيته بأن يُدفن بجواره تيمنًا بالشيخ وقد كان هذا المكان في الأصل خلوة من ضمن خلوات الشيخ العديدة.