مع اشتعال الإضرابات التي تشهدها بريطانيا، سلطت صحيفة «الجارديان» الضوء على الخطة التي ينتهجها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، للتعامل مع أكبر موجة من الإضراب في بريطانيا لجيل كامل.
ويشير ريشي سوناك إلى رغبته في منح الممرضين المضربين زيادات كبيرة في الأجور لكنه قال إنه ليس بوسعه القيام بذلك لأنه لا يرغب بتأجيج «الحلقة المفرغة» من التضخم أو زيادة الضرائب.
يأتي ذلك في الوقت الذي يرزح فيه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تحت ضغط متزايد لإنهاء موجة الإضرابات التي ينفذها القطاع العام.
خطة سوناك
ورأت «الجارديان» أن خطة سوناك يبدو أنها تنطوي على انتظار أن ينقلب الرأي العام ضد الإضرابات، لتسريع هذه العملية، حيث وصف الوزراء النقابات العمالية على أنها مناضلة تخدم مصالحها، مما تسبب في إلحاق الأذى بالمواطنين الذين يعتمدون على الخدمات التي يتم تعطيلها، إلا أن تلك الخطة لم تحقق أهدافها.
سوناك كان قد سئل: «متى ستدفع رواتب عادلة للممرضين؟»؛ أثناء حديثه أمام جمهور من العاملين في القطاع الصحي، خلال زيارة قام بها إلى دارلينغتون. فأجب قائلا: «أود ذلك، فما من شيء سيمنحني سعادة أكبر من تحريك عصا سحرية ورفع أجوركم كلكم بشكل كبير».
ولكنه اعتبر بأنها «ليس أمراً سهلاً» موازنة عديد من المصالح المتضاربة في التمويل الحكومي، كما حذر من زيادة التضخم بهدف خفض الفواتير.
من جانبه، انتقد زعيم حزب العمال المعارض، كير ستارمر، رد الفعل الذي صدر عن سوناك حيال الإضرابات، معتبرا إياه «مثيرا للشفقة».
وشارك نحو ٥٠٠ ألف عامل في إضرابات الأربعاء الأكبر منذ عام ٢٠١١ عندما نظمت نقابات القطاع العام حينها يوم إضراب وطني بشأن المعاشات التقاعدية.
الحكومة والمطالب المشروعة
إضراب الأربعاء لم يكن مريحا للملايين، ولكن في الوقت الحالي تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من اللوم، عندما تعامل الوزراء مع المطالب المشروعة باستهانة شديدة.
كان إضراب المعلمين صعبًا بشكل خاص على الآباء الذين اضطروا إلى اتخاذ ترتيبات لرعاية الأطفال أو التغيب عن العمل بالنسبة للكثيرين، فقد أثار ذكريات مرهقة عن التعليم المنزلي أثناء وباء كورونا.
هذا لا يعني أن المعلمين أخطأوا في مغادرة الفصول احتجاجًا على عدم كفاية الأجور، ولا أن الآباء جميعًا ألقوا باللوم عليهم في قرار يرى معظمهم أنه اتخذ كملاذ أخير. كما هو الحال مع الممرضات وسائقي سيارات الإسعاف المضربين.
وهناك اعتراف عام بأن الأشخاص الذين يقدمون الخدمات الأساسية يفعلون ذلك من خلال المهنة وليس من أجل الثراء. إنهم يريدون أجورًا وظروف عمل مناسبة تسمح لهم بأداء عملهم بأمان.
تدهور تلك الخدمات على مدى سنوات من التخفيضات في الميزانية واضح لأولئك الذين يعتمدون عليها.
ولا يرغب الآباء في تعليم أطفالهم في المدارس التي تعاني من نقص التمويل أو أن تتم معالجتهم من قبل ممرضات محبطات في الأجنحة المكتظة.
وترى «الجارديان» أن الجميع يشعر بنفس الضغط طويل الأمد على دخولهم ، فأقلية صغيرة تتمتع بثروة كافية لتحميها من الضغوط التي تثقل كاهل الناس العاديين، ويصادف أن يتم تمثيل تلك الشريحة الاجتماعية المحظوظة بشكل غير متناسب في حكومة سوناك.
وقد يفسر هذا بعض سوء التقدير السياسي حول الاضطرابات الصناعية، على الرغم من أن الافتقار إلى الكفاءة الاستراتيجية يلعب دوره أيضًا.
ولدى سوناك حجة ضد الإضرابات، والتي يبدو أنه يعتقد أنها مماثلة للموقف التفاوضي، وترى الحكومة أن الزيادات في الأجور فوق التضخم لا يمكن تحملها وأنها ستؤدي إلى زيادة التضخم.
هذا وصف متحيز للغاية ومغرض للاقتصاد الأساسي، فقد ظلت رواتب المعلمين تتراجع بالقيمة الحقيقية لسنوات، مما أدى إلى الارتفاع الحالي في التضخم، وبالتالي فإن رواتبهم بالكاد يمكن أن تكون السبب.
والممرضات لسن مسئولات عن غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا وما تلاه من ضائقة على إمدادات الطاقة، كما أنهم لم يتفاوضوا بشأن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي رفعت تكاليف الاستيراد، وشددت سوق العمل وعثرت على سلاسل التوريد- الدوافع الفعلية للتضخم، ومن ثم فهؤلاء المضربين ليس لهم أي ذنب في تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية.
اختبار عسير
وتشير الصحيفة أنه في الواقع ، تتخذ الحكومة خيارًا سياسيًا بعدم دفع ما يكفي من المال لعمال القطاع العام، لأن الأولوية المالية لرئيس الوزراء هي صندوق حرب انتخابي للتخفيضات الضريبية في وقت لاحق في البرلمان.
قد ينجح ذلك كتكتيك للحملة، لكنه يعتمد على تحمل الناخبين لفوضى طويلة الأمد، وفقدان العاملين في القطاع العام الرغبة في النضال من أجل الحصول على أجر لائق. هذه ليست مقامرة سياسية فحسب، بل هي أيضًا تنازل عن حكومة مسؤولة.
وأوضحت أن سوناك لا يتمتع بشعبية كافية، كما أنه لا يتمتع بالسلطة الأخلاقية ليراهن كثيرًا على المواجهة مع الأشخاص الذين تعتبر مؤهلاتهم في الخدمة العامة أفضل بكثير من مؤهلاته، وبالتالي فهو يحتاج إلى خطة جديدة.
ويبدو أن الإضرابات الواسعة في بريطانيا، تشكل اختبارا عسيرا لسوناك الذي تولى السلطة بالكاد، وسط أزمات معقدة تحيط به من كل جانب.