الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قراءة جديدة فى ملفات الأمن القومى المصرى 10

السرى والمعلن فى ملفات «القاهرة ــ حماس»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تسليم أعضاء حماس، الذى سيكون بادرة تستطيع الدولة فى مصر إقناع الرأى العام المصرى من خلالها أن حماس تغيرت، وأنها ستنبذ العداء والكراهية ضد مصر 
اتهام وزير الداخلية المصرى فى بيان رسمى للحركة بتورطها فى اغتيال النائب العام المصرى السابق المستشار الشهيد هشام بركات

تظل القضية الفلسطنية هى المفصل الرئيسى فى قضايا الأمن القومى العربى، لا يمكن أن تجد رئيسًا أو ملكًا أو قائدًا عربيًا إلا وتحدث عنها، موليا إياها اهتمامًا خاصًا، فالشعوب العربية مسلمين ومسيحيين تتعلق قلوبها بالقدس حاضنة الأقصى وكنيسة القيامة، هذا من الناحية النفسية، أما من الناحية الثانية، ففلسطين تمثل معركة دائمة لكل الحكام العرب، منها يأخذون كثيرًا من شرعيتهم. وأعتقد أن الإخوان الإرهابيين لعبوا كثيرًا بهذه الورقة، كانوا يأخذون منها حجة لجمع الأنصار، ولا ينسى أحد هتافهم الشهير «على القدس رايحين شهداء بالملايين»... لكن هذا الشعار وككل شعاراتهم بار وخاب بعد أن وصلوا إلى السلطة، ففى عهدهم ولأول مرة تم توصيف ما تقوم به حركات المقاومة بأنه أعمال عدائية ضد إسرائيل، وذلك فى اتفاقية رسمية وقعت عليها حركة حماس، لقد باعوا القضية من أجل أن يثبتوا أقدامهم فى السلطة، لكن الشعب المصرى كشف لعبتهم، وثار عليهم، فهذا الشعب لا يخدعه أحد أبدًا. 
لقد وضعت مصر القضية الفلسطينية فى قلب اهتماماتها مبكرًا جدًا، ويمكن فى هذا السياق أن نرصد جوانب مما جرى. 
فقد حظيت القضية الفلسطينية باهتمام كبير من الدولة المصرية منذ عهد الملك فاروق الذى حرص على دعم فلسطين فى مواجهة العصابات الصهيونية، فأرسل جيشًا إلى فلسطين للدفاع عنها، والقضاء على تلك العصابات فى عام ١٩٤٨، وكانت الهزيمة أحد أسباب تفجير ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. 
وعندما تولى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الحكم، وضع القضية الفلسطينية فى مقدمة اهتماماته، فعقد مؤتمر الخرطوم الذى رفع فيه اللاءات الثلاث «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل». 
وفى عام ١٩٦٤ اقترحت مصر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بهدف توحيد الصف الفلسطينى، وشاركت فى القمة العربية الثانية التى اعتمدت قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني، وفى عام ١٩٦٩، أشرف عبدالناصر على توقيع اتفاقية «القاهرة» تدعيمًا للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية إلى أن توفى عام ١٩٧٠. 
وعندما تولى الرئيس أنور السادات الحكم خاضت مصر حرب أكتوبر، التى توجت بالنصر، فرفع شعار «النصر والسلام»، وبذل أيضًا جهودًا عديدة بشأن القضية الفلسطينية، فكان أول من اقترح فكرة إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة، عندما ادعت رئيسة وزراء اسرائيل «جولدا مائير» بعدم وجود شعب فلسطينى، وخلال مؤتمر القمة العربى الذى عقد عام ١٩٧٣، فى الجزائر ساعدت مصر منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تمكنت من الحصول على اعتراف كامل من الدول العربية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطيني.
وفى أكتوبر عام ١٩٧٥ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك فى جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر وقتها، وكان آخر جهود السادات هو ما بادر به بدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين للاعتراف المتبادل. وعندما تولى الرئيس الأسبق مبارك الحكم، استكمل نفس النهج، وكانت البداية بسحب السفير المصرى من إسرائيل بعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، وفى عام ١٩٨٩ طرح مبارك خُطته للسلام حيث تضمنت ضرورة حل للقضية الفلسطينية طبقًا لقرار مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف الاستيطان الإسرائيلي، وفى سبتمبر عام ١٩٩٣ شارك الرئيس مبارك فى توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين فى الحكم الذاتي، وفى ٢٠٠٣ أيدت مصر وثيقة «جنيف» بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع فى المنطقة. وفى عام ٢٠١٠ عندما تجدد القصف الإسرائيلى على قطاع غزة رفض الرئيس مبارك فتح معبر رفح مؤكدًا أنه لن يسمح بتحقيق المصالحة على حساب البلاد، واستمر عطاء مصر حتى مجىء الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وعد الشعب الفلسطينى بالوقوف بجانبه، بعدما تعرضت غزة مؤخرًا لحرب إسرائيلية شاملة، وعرض مبادرة لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بعد تساقط العديد من الضحايا. 
إلا أن العلاقات توترت إلى حد كبير بعد وصول حماس إلى الحكم، والتى صاحبتها عمليات تهريب سلاح ومتفجرات تم صنعها فى غزة عن طريق الأنفاق التى أقامتها «حماس»، وطبقًا لإحصاءات موثقة، فقد وصل عدد الأنفاق من ١٣٠٠ إلى ١٧٠٠ نفق أقامتها الحركة على الحدود بين غزة ومصر. 
كانت السلطات المصرية على علم، لكنها تغض الطرف، عندما كانت تلك الأنفاق تستغل ليمر من خلالها دواء وغذاء وملبس لأهل فلسطين فى غزة وتسهل الأمور عليهم فى ظل الحصار المفروض من جانب إسرائيل. 
لقد ظلت حماس ولسنوات طويلة سببًا فى تأزم الموقف مع مصر، ووصلت ذروة هذا التأزم، عندما انحازت الحركة بشكل كامل إلى جماعة الإخوان الإرهابية، ولم تحترم رغبة الشعب المصرى فى الإطاحة بالرئيس الجاسوس. لكن القاهرة تعاملت بمنطق براجماتى بحت، فرغم موقف حماس إلا أنه تم التنسيق معها، فالضرورات الأمنية كانت تقتضى التنسيق الأمنى وضبط الحدود إبان العمليات العسكرية المصرية ضد العناصر الإرهابية فى سيناء، بالإضافة إلى ما يتعلق بمعبر رفح وملفات الوساطة، وتثبيت الهدنة مع إسرائيل، وهو ما ترجم رسميًا من جانب القاهرة فى إلغاء الحكم القضائى باعتبار حماس منظمة إرهابية فى يونيو ٢٠١٥، عندما تنازل صاحب الدعوى عن دعواه على أمل أن تسير حماس فى مسار فك الارتباط بجماعة الإخوان الإرهابية. إلا أن هذا المسار واجه عقبتين رئيسيتين. 
الأولى تمثلت فى حادث اختفاء أربعة شبان من كوادر الحركة داخل الأراضى المصرية فى منتصف أغسطس ٢٠١٥، وتحميل حماس مسئولية الحادث للسطات المصرية. 
والثانية والأخطر كانت فى اتهام وزير الداخلية المصرى فى بيان رسمى للحركة بتورطها فى اغتيال النائب العام المصرى السابق المستشار الشهيد هشام بركات. 
أدى هذا الاتهام إلى تعجيل المحادثات المباشرة بين الطرفين، والتى كانت فى طور الإعداد والتمهيد لها على كافة المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية، قبل قلب الطاولة من جانب وزارة الداخلية بشهرين، وهو ما دفع المكتب السياسى لحماس ومسئولى ملف قطاع غزة فى المخابرات العامة المصرية إلى تنشيط قنوات الاتصال بينهم لينتج عنها اجتماع بعد أقل من أسبوع من اتهامات الداخلية المصرية. 
التعجيل بهذا اللقاء كانت له بخلاف دقة الموقف عوامل أخرى متعلقة بالدفع الذى مارسته السعودية لتسيير العلاقة بين القاهرة وحماس، والتى تقربت من الرياض مؤخرًا، ورغبت أن تمارس الأخيرة دور وسيط أعلى فى إعادة العلاقات مع القاهرة، نزولًا على رغبة المملكة فى لعب دور أكبر واكتساب نفوذ فيما يخص قطاع غزة وملفاته، بدءًا من الوساطة مع الجانب الإسرائيلى، والمصالحة بين الفصائل وحتى تجريف النفوذ الإيرانى هناك. 
وهنا يأتى الحديث عما يخص الأمن القومى المصرى، وما يخص قرارات الإدارة المصرية التى حرصت على تأكيد السيادة والدور. 
لقد واجهت رغبة السعودية عقبات كثيرة، لقد اعتبر البعض الانقلاب المفاجئ للقاهرة ضد حماس، والمتمثل فى اتهامها بالتورط فى اغتيال النائب العام ردًا مزدوجًا على المملكة والحركة، فقد شهدت العلاقات بين مصر والمملكة توترًا مكتومًا، شرحناه فى الحلقات السابقة، كان هذا التوتر فى جوهره قائمًا على التباين بين دور مصر والمملكة كشريكين فى سياسة إقليمية واحدة، وما بين دور التابع للسياسات السعودية بدافع الامتنان لمساعداتها الاقتصادية لمصر، وهو الأمر الذى تجلى فى عدة ملفات أهمها حرب اليمن والأزمة السورية، وأخيرًا محاولة الرياض إدارة أمور قطاع غزة من القاهرة وفق رؤيتها، وليس عبر رؤية مشتركة للطرفين، وهو ما دفع القاهرة للتصعيد ضد حماس كرسالة مزدوجة للحركة والمملكة بأن الأمور لن تسير وفقًا لما يتمنونه بشكل كامل. 
فى هذا السياق جاء وفد حماس إلى القاهرة، جاء على أرضية تثبيت وضع ما قبل ٢٠١١ فيما يخص الملفات العالقة بين الطرفين، أو ما تختص القاهرة فيه بالوساطة بين الحركة وإسرائيل، سواء كان ذلك عبر إدارة المخابرات المصرية حصرًا لهذه الملفات، والمحادثات دون تدخل حالى من بقية الأجهزة المصرية، أو التلاقى بين الطرفين على إعادة مستوى العلاقات لمربع ما قبل ٢٠١١، وهو ما رغبت فيه حماس كانطلاق يؤسس عليه نحو إصلاح ما فسد بينها وبين الدولة المصرية، التى تعتبر أن شهر العسل الإخوانى كان أمرًا طارئًا، ولا يعول على ما تم اتخاذه من قرارات ووعود من الجانب المصرى تجاه الحركة وتجاه قطاع غزة بشكل عام فى هذه الفترة. 
التصريحات المعلنة كان فيها كلام كثير، فقد تحدث من حضروا المباحثات من رجال حماس، وهؤلاء رأوا أن ثمرة المحادثات الأخيرة كانت مرضية للحركة بشكل مبدئى، كون أن الضرورة المتمثلة فى رفع الحصار ومعبر رفح واستئناف التعاون الأمنى ورفع صفة الإرهاب عن حماس، حكمت طاولة المحادثات، ومن ناحية أخرى اقتنعت الحركة أن التعويل على قوى إقليمية أخرى فى إدارة الملفات العالقة مع الجانب المصرى لن يكفى لأن يتنازل هذا الجانب عن الحد الذى رسمه لأرضية التعاطى مع حماس وغزة ككل خلال المرحلة المقبلة. ومن ناحية أخرى فإن هناك قناعة تكونت لدى المكتب السياسى لحماس بأن النقطة السابقة الخاصة بتعويلهم على قوة إقليمية أخرى هو ما دفع إلى مزيد من التعقيد إلى الحد الذى وصل إلى حد اتهام الحركة فى اغتيال النائب العام المصرى، كذلك ما يتضمنه من تدوير زوايا ما حدث خلال سنة حكم الإخوان، وهو أن تكون مصر مجرد منفذ لإدارة قوى إقليمية مثل تركيا وقطر، وأن أولويات الجانب المصرى المتمثلة فى التنسيق الأمنى فيما يخص الحدود وسيناء لا يعارضها الجانب الحمساوى نظير تسهيلات وتطمينات متعلقة بملف المعبر والمختطفين الأربعة، والوساطة مع الجانب الإسرائيلى والتهدئة. 
على الجانب الآخر كان الموقف المصرى أقل إفصاحًا عن مضامين الجولة الأخيرة من المباحثات مع حماس ومضامينها، وهذا ليس بالغريب بالطبع فى إطار التناقض الذى حدث قبل وأثناء المحادثات، فبموازاة اتهام حماس بالضلوع فى اغتيال النائب العام المصرى إلى بدء تحريك دعاوى قضائية ضدها، وضد أسماء من قادتها، جاء اجتماع وفد الحركة بمسئولين فى المخابرات العامة المصرية، وهو الأمر الذى يشى بأن توحيد موقف عام تجاه الحركة من جانب مؤسسات الدولة المصرية السيادية لم يكن بالأمر السهل خلال الفترة الماضية، وإن مالت المخابرات العامة مؤخرًا إلى التعاطى بنحو أكثر عملية مع الحركة فى ظل سيادة الحملة الدعائية ضد الحركة. 
ما حدث فعليًا أن المخابرات العامة المصرية أدارت المباحثات من موقع اليد العليا، وذلك بناء على هرولة حماس فى استجابتها السريعة لدعوة المخابرات العامة، والتى تلقفتها كطوق نجاة بعد التصعيد الأخير باتهام الداخلية بتورط عناصر منها فى اغتيال النائب العام السابق، وضلوع عناصر محسوبة عليها فى عمليات تخريبية فى الداخل المصرى. 
هذا ما تم إعلانه، لكن هناك خلف الكواليس ما جرى، وقد اطلعت عليه من مصادر وثيقة الصلة بما جرى. فما حدث بالفعل أن مصر لم تنتظر تعقيدات الموقف السياسى التى كانت آخذة فى التصعيد، أرادت أن تعزز موقفها من القضية الفلسطينية، ولا يستطيع أحد أن يزايد على موقف مصر منها وفيها... لكن الظروف الأخيرة جعلت الإدارة المصرية تتجه بقوة إلى القضية، وهنا ظهرت قضية حماس. 
جاءت وفود من حماس إلى القاهرة، وكان هناك تعتيم تام على ما يحدث، فقد حرصت الأجهزة التى تتفاوض مع وفد حماس أن تنتهى أولًا من الاتفاق على نقاط محددة، ورغم أن الأمر لم يعلن بشكل رسمى حتى الآن، فكل ما أعلن كان كلامًا عامًا فقط، إلا أن هناك معلومات محددة يمكن أن نسوقها فى هذا الإطار. 
على مائدة المفاوضات وضع الجانب المصرى أمام رجال حماس ملف قضية اغتيال النائب العام، قالوا لهم إن لدينا كل الأدلة التى تدين بعض رجال حماس فى الحادث، وكان الطلب الأول والوحيد من وفد حماس أن تقوم الحركة بتسليم مصر بعض أعضائها المتورطين فى أحداث الإرهاب فى سيناء سواء من يمولون أو من يدربون أو من ينفذون العمليات بأنفسهم، اعترض وفد حماس على تسليم الأعضاء، وأصر الجانب المصرى، وكانت البدائل المطروحة هى. 
أولًا: تسليم أعضاء حماس، الذى سيكون بادرة تستطيع الدولة فى مصر إقناع الرأى العام المصرى من خلالها أن حماس تغيرت، وأنها ستنبذ العداء والكراهية ضد مصر. 
ثانيًا: عدم تسليم أعضاء حماس، وساعتها تذهب مصر إلى مجلس الأمن، ولديها كل الأدلة التى تدين حماس، وتدخلها فى خانة الإرهاب، وساعتها لن يكون صعبًا إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية فى العالم. وفى الحالتين لا تتخلى مصر عن القضية الفلسطينية. 
هناك من رأى أن التقارب بين مصر وحماس كان بتوصية من السعودية، لكن المعلومات المؤكدة التى لدىَّ، تشير إلى أن هذا لم يكن صحيحًا على الإطلاق، بل جاء فى مساحة الخلاف والتناقض التى سيطرت على العلاقات بين مصر والسعودية فى الفترة الماضية، وهو التناقض الذى زال وبشكل كبير بعد زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة فى إبريل الماضى، وهى الزيارة التى كان من شأنها ترتيب كثير من الملفات التى تتعلق بالأمن القومى العربى ككل والأمن القومي المصرى بشكل خاص.