تشهد فرنسا يوما جديدا من الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد الذي اقترحه الرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك على خلفية بدء النقاش البرلماني حول نص المشروع المثير للجدل.
ويأتي ذلك بعد مظاهرات وإضرابات واسعة شهدتها البلاد في 19 يناير الجاري. وتصاعدت حدة التوتر سياسيا واجتماعيا أمس الإثنين لا سيما مع تحذير النقابات من حدوث مزيد من الاضطرابات، التي حمّلت ماكرون ووزراءه مسؤوليتها والتي من شأنها شل وسائل النقل العام والمدارس خدمات أخرى.
يذكر أنه في اليوم الأول من المظاهرات والإضرابات والذي اطلع عليه الخميس الأسود قد تجمع ما بين مليون ومليوني شخص للتعبير عن معارضتهم للإصلاح. وتأمل النقابات التي نادرا ما تكون متحدة بهذا الشكل، أن يكون التحرك الجديد بالزخم نفسه، وهو أمل أكدته استطلاعات الرأي التي أظهرت الرفض الشعبي المتزايد للمشروع.
وأفاد مصدر في الشرطة أن قوات الأمن ترصد اليوم الثلاثاء حشودا مماثلة في 240 مظاهرة في كل أنحاء البلاد، بالإضافة إلى توقف المواصلات والمدارس وغيرها من الخدمات.
ومع تحذير النقابات من حدوث مزيد من الاضطرابات، تمثل الإضرابات اختبارا رئيسيا لماكرون فيما يسعى لتطبيق سياسة استعراضية لفترة ولايته الثانية في المنصب.
وحمّل جان كلود ميلونشون مؤسس ورئيس حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، الرئيس ماكرون ووزراءه مسؤولية الاضطرابات التي من شأنها شل وسائل النقل العام وخدمات أخرى
بل وطالب باستفتاء شعبي لسحب الثقة من الحكومة والرئيس
دارمانان، وهو حليف مقرب لماكرون، صرح السبت بأن الأحزاب السياسية اليسارية "تبحث فقط عن بث الفوضى في البلاد".
مصداقية ماكرون
يتضمن مشروع إصلاح نظام التقاعد خصوصا رفع السن القانونية للتقاعد من 62 إلى 64 عاما وتسريع تمديد فترة المساهمة.
من جانبه قال ماكرون إن الإصلاح "ضروري عندما نقارن أنفسنا ببقية أوروبا". ويؤكد أن هذا التغيير ضروري لضمان التمويل المستقبلي لنظام المعاشات التقاعدية والذي يتوقع أن يقع في عجز في السنوات القليلة المقبلة.
ويشير المعارضون إلى أن النظام متوازن حاليا، قائلين إن رئيس المجلس الاستشاري للمعاشات أخطر البرلمان أخيرا بأن "الإنفاق على المعاشات التقاعدية ليس خارج نطاق السيطرة".
أما بالنسبة إلى ماكرون الذي أبلغ الفرنسيين مرارا أنهم "في حاجة إلى أن يعملوا أكثر"، فإن الفشل في إقرار هذا الإصلاح من شأنه أن يقوض مصداقيته للفترة المتبقية من ولاته الثانية والأخيرة، وفق محللين.
ولمحت الحكومة برئاسة إليزابيث بورن إلى وجود هوامش للاستثناءات بشأن بعض الإجراءات فيما بدأت لجان برلمانية درس مشروع القانون الإثنين. وأشارت بورن إلى أنه يمكن تحسين الشروط للأشخاص الذين بدأوا العمل في سن مبكرة جدا أو للأمهات اللواتي توقفن عن العمل لرعاية الأطفال والأشخاص الذين استثمروا في مزيد من التعليم.
لكن بورن أكدت نهاية الأسبوع أن رفع السن التقاعدية إلى 64 عاما "غير قابل للتفاوض وقد اتخذت الحكومة قرارها ولا رجعة فيه لمصلحة البلاد".
وزادت تركيز البرامج التلفزيونية الصحية على استشارة خبراء وأطباء ليعلنوا بأن كثرة العمل تزيد من عمر الإنسان وتجعله أكثر نشاطا وحيوية وصحة.
وأظهر استطلاع جديد للرأي أجرته مجموعة "أوبينيون واي" ونشرته صحيفة "لكزيكو" الاقتصادية اليومية، أن 61 % من الفرنسيين يؤيدون الحركة الاحتجاجية، بزيادة ثلاث نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أجري في 12 يناير.
وأعلن الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل لوران بيرجي، أن رئيسة الوزراء إليزابيث بورن «لا يمكنها أن تبقى صامتة أمام هذه التعبئة الضخمة وسوف تتراجع لا محالة اذا أرادت الحفاظ على منصبها في السلطة».
و أشار مصدر في أجهزة الاستخبارات الفرنسية أمس إلى توقع مشاركة أكثر من 1.2 مليون شخص على الصعيد الوطني «بينهم 200 ألف في باريس مع 240 تجمعاً أو مسيرة مرتقبة».
معركة برلمانية
تسرب الشلل اليوم في بعض مدن فرنسا الكبرى حيث توقفت غالبية خدمات المترو والسكك الحديدية في باريس وضواحيها عن العمل إلى حد كبير ، فيما تعطل التنقل بين المدن مع تشغيل قطار من كل ثلاثة قطارات "تي جي في" عالية السرعة، وفق الشركة الوطنية للسكك الحديد في فرنسا.
وقد أجبر الإضراب بعض الموظفين وطلبة المدارس والجامعات على البقاء في منازلهم ومتابعة اعمالهم ودراستها عن بعد عبر الإنترنت.
المفارقة أنه اليوم يشارك حوالى نصف الأساتذة في الحضانات والمدارس الابتدائية في الإضرابات، وفق نقابة المعلمين.
ويشمل الإضراب مرة أخرى وبشكل كبير وسائل النقل وقطاع التعليم. فيما أعلنت شركة "الخطوط الجوية الفرنسية" إلغاء رحلات قصيرة ومتوسطة عدون أن تتأثر الرحلات البعيدة.
ويواجه ماكرون وحلفاؤه أيضا صعوبات في البرلمان كما في الشارع حيث لا يتمتع حزب الرئيس الحاكم بأغلبية برلمانية مريحة قادرة على اعتماد قراراتها بسهولة.
ويأمل ماكرون في الحصول على دعم اليمين لتبني مشروعه الإصلاحي.
وقدمت المعارضة اليسارية أكثر من سبعة آلاف تعديل حتى الآن لمشروع القانون في محاولة لإبطاء مساره عبر البرلمان.
لكن لدى الرئيس خيار فرض مشروع القانون من دون تصويت بموجب سلطات دستورية خاصة، وفق البند 49 من الدستور الفرنسي وقد تم تمرير عدة قرارات اصلاحية اقتصادية هامة عبره حينما حاولت المعارضة عرقلة إصلاحات برنامج ماكرون. ولو فرض الرئيس قانوني بالقوة ما يعني المخاطرة بالتسبب في تصويت بحجب الثقة عن حكومته، وربما التوجه إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة قد تسقط الحكومة وتأتي بالمعارضة اليمينية المتشددة كما حدث ذلك في السيناريو الإيطالي فهل تأتي عدوة ماكرون اللدودة مارين لوبن الى السلطة؟