فنان فى الظلام.. هذا ما يمكن إطلاقه على محمود عفيفي، المصور الذى جمع بين الحداثة والتراث، حيث نبت وسط الحرفيين، يتنفس التراث المصرى فى وكالة الغورى وسط كوكبة من نجوم صنعت الفن بألوانه من الصدف ونقوش النحاس والخزف، إلا أنه ظل مجهولا للكثيرين، رغم أنه ترأس جمعية فنانى الغورى.
محمود عفيفى قصة فنان صانع للأضواء وهو بعيد عنها.. أعماله فى القاهرة وإيطاليا وبعض الدول الأوروبية خلقت له عالما فنيا خاصا به يلحق بحضارة الفنون التشكيلية المميزة.
ذكر الفنان عز الدين نجيب الذى ربطته صداقة مع عفيفي، وتولى بعده منصبه، أنه وجد بعض لوحاته وسط مخلفات النجارة والكراسى المحطمة، كانت موجودة فى مرسمه وبعد وفاته لم يستلمها أحد من أسرته لضيق المنزل، وقد طلبوا من إدارة الوكالة الاحتفاظ بها لحين توفير مكان مناسب ولم تجد الإدارة مكانا تلقى فيه اللوحات الفنية سوى دورة المياه التى بها بواقى الأخشاب والكراسى لحين نقلها إلى غرفة صغيرة وسط مراسم الفنانين، وبعدها استلمت الأسرة اللوحات.
مأساة بكل المقاييس وصفها الفنان عز الدين نجيب عاشها الكثير من الفنانين، بعد مسيرة من استخدام الألوان الراقية وتجهيز المرسم والأدوات وزيارة المتاحف والاهتمام بقرأة الكتب والمشاركة فى المعارض والسفر بحثاً عن تجربة جديدة وينتهى به الأمر كئيبا وحيدا!
ولد الفنان محمود محمد عفيفى فى ٧ يونيو ١٩٢٠ فى القاهرة فى حى السيدة زينب، ذلك الحى الملىء بحكاوى الشارع المصرى الأصيل الذى يتناغم مع وكالة الغورى الذى عمل به أكثر من عشرين عاماً وسط الحرفيين الذى تأثر بهم. تخرج الفنان عام ١٩٤٠ من مدرسة الفنون التطبيقية العليا بقسم الزخرفة ثم عمل فى وكالة الغورى حتى أصبح مديراً لأقسام الحرف لمدة عشرين عاماً ورأس جمعية فنانى الغورى بعد وفاة مؤسسها المثال الراحل عبد الحميد حمدى وحصل أيضًا على دبلوم معهد التربية (قسم رسم) جامعة عين شمس ١٩٤٣.
وبعدها انضم لجماعة حامد سعيد ١٩٤٦ الذى تتلمذ على يده، ثم سافر الفنان محمود عفيفى إلى أسبانيا مع الفنانين عبد القادر مختار وأحمد شعير وكمال النحاس وأحمد فضل المولى وعلى عزام لمدة شهرين لدراسة الفنون العربية الأسبانية وتطورها وأشهر معالمها وطرق رعاية وتشجيع الفنون التشكيلية المعاصرة فى أسبانيا، والتحق ببعثة لدراسة الفنون الجميلة والمتاحف والآثار فى إيطاليا وحصل هناك على ليسانس فى الرسم من أكاديمية الفنون بروما عام ١٩٥٥
ودرس أيضاً بكلية الألسن جامعة عين شمس وتخرج عام ١٩٦٠. وعمل الفنان طيلة حياته بوزارة الثقافة حتى أحيل إلى المعاش عام ١٩٨٠ ، بعدها أصبح وحيدا وابتعد عنه من كانوا حوله، وأصيب بالاكتئاب بعد تجاهل أولياء أمور الحركة الفنيـة لأعماله، ومرض بعدها ٤ سنوات حزينا على وظيفته التى أعطاها عمره كله، وتوفى فى فصل الشتاء القاسى فى ٣١/يناير ١٩٨٤.
كان الفنان الراحل يتخذ من وجود الحرفيين كإلهام ومصدر إبداعه كما استلهم من الزجاج المعشق خطوطه السميكة ،فهو كان مميزا بخطوطه التجريدية ذات الطابع الخاص وأفكاره فى المناظر الطبيعية وتحليل عناصرها والتراث بطبقاته المتعددة التى وظفها بشكل مختلف نتيجة سفره لأوروبا وتأثره بالغرب، فهو تميز بطريقته فى رسم الطبيعة والزهور والطيور متأثرا بعض الشيء بالطابع الهندي، وعنصر التكرار المتأثر بقسم الزخرفة الذى من أساس دراسته ونجد فى اللوحات أنه استخدم الظل والضوء بشكل طفيف بشكل معاصر يختلف عن التصوير الزيتى التقليدى ليصل بتجربته المختلفة عن الطبيعة والتراث بسهولة إلى المتلقي.
ومما يدعو للدهشة أنه لم يقيم معرضا خاصاً واحداً طوال فترة حياته،وأقيم معرض لأعماله بعد رحيله بقاعة بيكاسو بالزمالك مايو ١٩٩٩. وكان معرضاً خاصًا يضم عددًا كبير من لوحاته وبعدها أقيم معرض بقاعة أبعاد متحف الفن المصرى الحديث أبريل ٢٠٠٥ . ومعرض بقاعتى ( إخناتون ٢، ٣ ) بمجمع الفنون بالزمالك يونيو ٢٠٠٥ . ومعرض (سفر خان) بمجمع الفنون بالزمالك أيضًا فى نفس العام . وآخر معرض خاص له بعدها بثلاث سنوات بقاعة المسار بالزمالك أكتوبر ٢٠٠٩.
فقد كان يشارك فقط فى المعارض الجماعية داخل وخارج البلاد مثل المعرض الدولى بينالي الثانى للرياضة البدنية فى الفنون الجميلة فى مدريد - أسبانيا وشاركت فيه ٣١ دولة يمثلها (٤١٨ فناناً ) واشترك من مصر عدد من الفنانين المصورين ، الحفارين ، النحاتين عام ١٩٦٩، والبينالى الثالث الدورة التالية عام ١٩٧١.
ونجد لوحاته العظيمة فى متحف الفن الحديث وبيعت لوحة هرقل، التى قدرت للبيع ما بين ٨٠٠٠ جنيه أسترلينى إلى ١٢٠٠٠ جنيه أسترلينى، وبيعت فى المزاد بـ ١٣.٨٦٠ جنيه أسترليني، وقعت ومؤرخة منذ عام ١٩٨٤ يبلغ مقاسها ٧٩.٥ فى ١١٩ سم. ٣١¼ فى ٤٧ بوصة. من دار سوثبى للمزاد العالمية، فى لندن، كان عنوان المزاد فن القرن العشرين "الشرق الأوسط".