هل يلعب فلاديمير بوتين الشطرنج مع الشيطان؟
التقارب مع مجموعة المرتزقة.. لعبة خطيرة تضع الحكومة فى موقف حساس تجاه الجيش والقضاء
انضمت ميليشيا فاجنر التابعة للجيش الروسى فى سوريا إلى قواتها فى مالى واستولت على المشهد الأوكرانى، حيث أعلنت الانتصار فى مدينة سوليدار الذى يمكن لروسيا الزهو به منذ بداية الصراع.
فى الأسابيع الأخيرة فى الصراع الأوكرانى، استسلمت الحكومة الروسية، للمطالب القومية، بما فى ذلك مطالب دونباس، القريبة من موسكو وتخوض حربًا شاملة، مع مجموعة فاجنر كشريك وتعد هذه الميليشيات جزءًا ثابتًا من الاستراتيجية العسكرية الروسية.
دروزينا وميليشيا
إن مشاركة الجماعات شبه العسكرية كمساعدين للسلطة ليست جديدة فى روسيا، لأنها تعود جذورها إلى تاريخ الإمبراطورية وتشير كلمتان إلى مجموعاتها الملتزمة بالحفاظ على المجتمع.. مصطلح الدروزينا متكرر وموجود جدًا فى الحياة الاجتماعية الروسية؛ ففى العصور الوسطى، عندما عين حارسًا مسلحًا لأمير حرب فى القرن التاسع عشر، لم يتغير معناه، لأنه لا يزال حتى اليوم يعين ميليشيا فى خدمة السلطة. وما نترجمه بالفرنسية «ميليس» وفى «الميليشيا» الروسية لها معنى غامض وخاصة خلال الحقبة السوفيتية حيث كان المصطلح مرادفًا للشرطة.
فى الغرب، نعرف مجموعة فاجنر بسبب مشاركتها على الجبهة السورية ووجودها فى أفريقيا جنوب الصحراء، لكن آخرين يلعبون دورًا رائدًا ويوسعون تداعياتهم فى جميع أنحاء أوروبا، مع الحفاظ على قربهم من القوة الروسية.
ذئاب الليل، نادى روسى لراكبى الدراجات النارية، اكتسب أ همية سياسية فى عام ٢٠١٣. ولد كنادٍ غير رسمى فى عام ١٩٨٩، خلال البيريسترويكا، وأصبح أول نادٍ لراكبى الدراجات النارية فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابق ولديه سبعة مواقع رئيسية فى روسيا وكذلك فى الأراضى التى يتحدث فيها الروسية العديد مثل بيلاروسيا وأوكرانيا ولاتفيا.. إنهم بالفعل قريبون جدًا من السلطة ويدعون القومية النقية والقاسية.
فى عام ٢٠١٤، شاركوا فى ضم شبه جزيرة القرم من خلال اقتحام مقر القوات البحرية الأوكرانية فى سيفاستوبول وفى وقت مبكر من عام ٢٠١٨، تم حظرها فى دول البلطيق وجورجيا وأوكرانيا وبولندا، ولكن تم إنشاء فصول الولاء المحلية من قبل مؤيدى القضية القومية.
وتكشف الشبكة أن لديها العديد من الشركات التابعة فى ألمانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا ولاتفيا وبلغاريا ومقدونيا وصربيا والبوسنة، وتؤدى هذه الشركات دورها على أكمل وجه لدرجة دمجها فى العديد من السيناريوهات ويتم ومراقبة أنشطتها فى العديد من البلاد.
وتأسست الحركة الإمبراطورية الروسية (MIR) فى سان بطرسبرج فى عام ٢٠٠٢. وبعد ست سنوات، نشأ فرعها شبه العسكرى، المسمى الفصيل الإمبراطورى الروسى، والذى يقوده دينيس فاليولوفيتش جارييف منذ عام ٢٠١٤ على الأقل؛ فهو يلعب على الشعور بالانتماء الدينى ودعا الشباب الأرثوذكسى إلى تكريس أنفسهم للدفاع عن روسيا الجديدة. وتحتفظ المجموعة بمركزين للتدريب فى سان بطرسبرج، أحدهما يعرف باسم معسكر بارتيزان، الواقع جنوب جزيرة هايناسنما وهى تنظم التدريب على حرب العصابات الحضرية، والتدريب على إطلاق النار، والهجوم التكتيكى، والتدريب على الارتفاعات العالية والبقاء، وعلم النفس العسكرى. وبعد اندلاع حرب دونباس فى أبريل ٢٠١٤، أرسلت الحركة الامبراطورية الروسية جنودًا فى يوليو لمساعدة الجماعات الموالية لروسيا. كما عمل بعض أعضاء الفصيل الإمبراطورى العسكرى أيضًا كمرتزقة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فى ٦ أبريل ٢٠٢٠، أضافت وزارة الخارجية الأمريكية الحركة الإمبراطورية الروسية وثلاثة من قادتها، ستانيسلاف أناتوليفيتش فوروبييف، ودينيس فاليولوفيتش جارييف، ونيكولاى نيكولايفيتش تروشالوف، إلى قائمة الإرهابيين. وتم تصنيف الجماعة رسميًا كمجموعة إرهابية فى كندا فى ٣ فبراير ٢٠٢١. وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، توفر تلك الحركة تدريبًا شبه عسكرى للمتطرفين فى جميع أنحاء أوروبا وتدير مركزين للتدريب فى تلك الدول.
اللعب الغامض والمخاطر
بالنسبة للمدافعين الشرسين عن سيادة القانون، فإن التحالف بين الحكومة وجماعة فاجنر مقلق. حصلت مجموعة فاجنر على إطلاق سراح السجناء العاديين للانضمام إلى المجموعة والقتال فى أوكرانيا ومقابل ذلك إلغاء الأحكام على هؤلاء المسجونين.. بالطبع، هذا عمل له عواقب وخيمة على السلطة، خاصة إذا أشرنا إلى ما حدث فى العراق، حيث كان أعضاء داعش فى قاعدة السجناء العاديين الذين لم يكن لديهم ما يخسرونه والذين شاركوا فى أسوأ الانتهاكات على الأرض.
إن قرب الحكومة ومجموعة فاجنر معروف جيدًا وبدون موافقة السلطة التنفيذية تلعب هذه القوة لعبة خطيرة تضعها فى موقف حساس تجاه الجيش وكذلك القضاء. وهذه الطريقة ليست حالة منعزلة فى تاريخ روسيا، لأن ستالين لجأ لنفس الطريقة لمحاربة النازيين ووعد بعض المحكوم عليهم باعتبار أنهم مافيا روسية، بالعفو عنهم، بشرط أن يرتدوا زى الجيش الروسى. وأدى هذا إلى اندلاع حرب السوكا التى كان لها تأثير تقسيم تلك المجموعات، وتشتهر هذه الحرب الداخلية بأنها غيرت التنظيمات الإجرامية القديمة وانتهت بانتصار السوكا وأتباعها.
مع إصلاح السجون بعد وفاة ستالين، خاصة فى عهد ليونيد بريجنيف، أرادت المنظمة الجديدة كسر التقاليد وسعت إلى التورط مع الحكومة.. لذلك من الممكن التساؤل عن الخطر الذى تشكله هذه الجماعات القومية، ونحن نتعامل مع الميليشيات الروسية مع الجماعات المسيسة التى ترتكب انتهاكات على أرض العمليات وتكتسب صفوفها كمقاتلين ومدافعين عن الأمة بين السكان.
أنصار الحرب الشاملة
منذ بداية الحرب، ولكن أكثر من ذلك منذ انسحاب القوات الروسية من خيركوف، انتقدت بعض الجماعات القومية عمل موسكو غير الفعال فبالنسبة لإيجور جيركين، العقيد الاحتياطى السابق فى جهاز الأمن الفيدرالى FSB والقومى اليمينى لا يوجد خيار سوى حمل السلاح والذهاب وتسوية الأمور نهائيا فى أوكرانيا‘ بالنسبة لهؤلاء القوميين، كانت التعبئة متأخرة وغير كافية.
ويتضمن الموقف الحالى لروسيا تجاه البلد المجاور عنصرا إمبراطوريا وعنصرا عرقيا، وفقا للمعنى الذى تعطيه مختلف الجهات الفاعلة القومية لغزو أوكرانيا: يؤكد الإمبرياليون على قوة الدولة الروسية وتوسعها الإقليمى، بينما يركز القوميون العرقيون على الدفاع عن الروس (أو الأوكرانيين الناطقين بالروسية) كمجتمع عرقى أو ثقافى.
يستدعى ذلك تعبئة شعبية مماثلة لتلك التى حدثت خلال حملة نابليون الروسية (التى دعيت فى «الحرب الوطنية الروسية عام ١٨١٢») وفى وقت «الحرب الوطنية العظمى» (١٩٤١-١٩٤٥)، وفقًا للمصطلحات السوفيتية الرسمية ثم الروسية.
أما بالنسبة للعضو فى نادى إيزبورسك، ألكسندر دوجين، المتيم بـ«الإمبراطورية الأوروبية الآسيوية» التى يعتبرها «قطبًا للمقاومة» من أجل السيطرة الأطلسية على الولايات المتحدة، وجد نفسه فى قلب الأخبار منذ شهرين عندما لقيت ابنته داريا مصرعها فى انفجار وقع فى ١٩ سبتمبر معلنا نهاية العملية الخاصة وبداية حرب «حقيقية». ويختتم تصريحاته الأخيرة بالتأكيد: «كل شيء يجب أن يخضع للحرب مع الغرب». هذا الغرب الذى حسب قوله، سيستخدم أوكرانيا كأداة لتدمير روسيا. بالفعل إن التركيب الأخير للبطاريات المضادة للصواريخ على أسطح بعض الوزارات يدعم هذا الخطاب.
من ناحية أخرى، بالنسبة للقوميين العرقيين الذين ينتقدون نظام بوتين، فإن العدو فى المقام الأول: الأوكرانيون وهويتهم، ويُفهم على أنهم ينكرون روسيا. فيما يصر ألكسندر سيفاستيانوف، وهو من قدامى المحاربين فى النزعة القومية المعارضة، على أن الحرب فى أوكرانيا هى معارضة حقيقية للمشروع الأوكرانى الذى يرفع العصيان ضد كل ما هو روسى وفيما تمثل هذه الحرب لروسيا «تحدى القرن» خاصة أن كل المحاولات تسعى لملء الشعب والسلطة فى أوكرانيا «بالكراهية العميقة» للروس، لذا فإن المهمة الأكثر إلحاحًا هى تنحية أوكرانيا وجعلها جزءا من روسيا.
على الرغم من هذه الاختلافات فى التفسير، تلتقى نهايات كلا الجانبين: يجب أن تتحد الجبهة والمؤخرة من أجل الفوز بأى ثمن، حتى لو كان ذلك يعنى إبادة أوكرانيا، إذا لزم الأمر باستخدام الترسانة النووية. قال إيجور خولموجوروف، الصحفى القومى فى تسارجراد وروسيا اليوم: «إذا كان الخيار بين انتصار أوكرانى وحرب نووية عالمية، فإن الحرب النووية هى الأفضل».
وفقًا للناشط ألكسندر خراموف، الذى ينتمى إلى الحركة العرقية القومية، إذا فازت أوكرانيا المدعومة من الغرب فى هذه الحرب، فسوف يتم تفكيك روسيا إلى «عدد كبير من الدول الصغيرة»، وإبادة الشعب الروسى.
الاستنتاج
منذ يناير، وإدراكًا للتكلفة الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة للحرب، سعى القادة الروس إلى تقليصها قدر الإمكان.. ومع ذلك، فقد تغير السياق بشكل كبير مقارنة بعام ٢٠١٤.. اليوم، تعمل روسيا علانية كدولة تسهم فى إعادة تشكيل النظام العالمى.. يمكن النظر فى ضوء ذلك فى إجراء استفتاءات الضم لروسيا فى نهاية سبتمبر ٢٠٢٢، وتعبئة وتشديد الإجراءات على الأرض. منذ ذلك الحين، يبدو من المفهوم أن الكرملين فشل فى توجيه الحماس المتزايد لإثارة الحرب من اليمين المتطرف الروسي؛ فهل يمكنه فعل ذلك والوصول لتلك الأهداف اليمينية دون أن يعرض نفسه للخطر؟ ولكن مهما كانت نتيجة الحرب الأوكرانية، فقد يصبح الضغط القومى تهديدًا خطيرًا للاستقرار الداخلى لروسيا على المدى القصير.
معلومات عن الكاتب
ليا رازو ديلا فولتا.. حاصلة على درجة الدكتوراه فى علوم وتقنيات اللغة والقانون العام. لها العديد من الكتب عن المافيا فى العالم. وعضو مركز الأبحاث بجامعة كوت دازور (CERDACFF) والمؤسس المشارك لمؤسسة Think Tank Status Quo Media المتخصصة فى الجغرافيا السياسية وعلم الجريمة.. تتناول، من وجهة نظرها، تداعيات مشاركة مجموعة فاجنر فى الحرب الأوكرانية الروسية.