ضباط الجيش الوطنى قادوا هجومًا مسلحًا ضد المجموعات الإرهابية فى الشرق ونجحوا فى طردهم من المنطقة
بصعوبة ولكن بإصرار، تعمل قوات الدفاع والأمن فى مالى بشكل جيد، وعلى الرغم من الحدود المتحركة والمخيفة لرمال الصحراء، فهم حريصون على احترام قسمهم ومنح الشعب المالى كرامته.
على الجانب الآخر، خرج للنور نوع جديد من الماليين؛ إنهم يغمرون الشبكات الاجتماعية ويدعون دعم الجيش، ويمكنهم تناول الغداء مع الإله الطيب دون أى إحراج مع الشيطان كما يدعون ويلقبون بـ«الوطنيون ٢.٠» أو «باتريوت ٢.٠». وفى الوسط، نجد رجالًا يدعون معرفة الله ووصاياه وكادوا أن ينجحوا فى اختراع نوع جديد من الإسلام يضمنون فيه الجنة أو الجنة التى يحددون قواعدها وليس القواعد التى حددها الله.. إنهم يعدون الانتحاريين بالجنة.
وتم إنشاء الجيش الوطنى لمالى رسميًا بعد رحيل آخر جندى فرنسى من مالى فى ٥ سبتمبر ١٩٦١ وعرف الجيش المالى أيام المجد فى أفريقيا حيث شارك فى العديد من عمليات حفظ السلام فى أفريقيا وبقية العالم، ولا سيما فى جمهورية الكونغو الديمقراطية (١٩٦٠-١٩٦٤ ومنذ عام ١٩٩٠ نيابة عن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار فى جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وفى ليبيريا عام ١٩٩٠، وفى سيراليون عام ١٩٩٧، وأنجولا (١٩٩٣-١٩٩٨)، وهايتى (٢٠٠٤)، وفى عام ٢٠٠٠ فى جمهورية أفريقيا الوسطى، إلخ.
على الصعيد المحلى له خبرة واسعة فى مكافحة التمردات المختلفة فى شمال البلاد. شهدت الفترة من ١٩٦٢ إلى ١٩٦٤ أول تمرد للطوارق، وعُرِف باسم «تمرد الرفاق»، وقد تم قمعه بعنف وفى عام ١٩٨٥، كما واجهت مالى فى فترة من الفترات تمردًا كبيرًا تم إخماده وفى مايو ١٩٩٠، هاجم الطوارق شمال النيجر بمدينة تشينتابارادين.
بدأ تمرد الطوارق العظيم بالهجوم على سجن ميناكا، وأعقب ذلك حروب ومناورات للجيش مما أدى إلى نزوح جماعى للسكان. وفى مارس ١٩٩١، أطيح بنظام الديكتاتور موسى تراورى فى أعقاب القمع العنيف لمظاهرات الطلاب، وبدأ بعدها الانحدار التدريجى للجيش المالى.
الضربة الأخيرة ستوجه فى عام ٢٠١٢، عندما تم تقسيم البلاد إلى قسمين على يد حشد من الإسلاميين والانفصاليين.
الجيش المالى اليوم
الانخراط فى معركة غير متكافئة، يمكننا من القول دون أن نخطئ أن مهمة الجيش أصبحت معقدة حيث تواجه خصومًا بلا حدود ولا شكل محدد لذا من الصعب تحديد العدو. الدفاع عن بلد شاسع بحجم فرنسا مرتين ونصف، و٧٤٠٠ كيلومتر من الحدود لتأمينها مسألة كبيرة! علاوة على ذلك، فإن رحيل جنود عملية برخان الذين قاتلوا لما يقرب من ١٠ سنوات وإعادة تشكيل قوات الأمم المتحدة قد صُوِّر على أنه «نهاية» مالى متناسين قوة الشعب المالى ورغبته فى استرداد كرامته؛ فالشعب والجيش مستعد للانتحار الجماعى فى مواجهة الإرهاب أو المستعمر الجديد.
من الواضح أن الوضع الأمنى غير المستقر قد تحسن إلى حد ما منذ رحيل برخان واستيلاء قوات الأمن والدفاع المسلحة على الأجواء وأصبحنا نرى حقبة جديدة لجيش من المبادرات والهجمات والهجوم القوى، وقد تم تعزيز عمليات النقل الجوى بشكل كبير من خلال شراء عشرات الطائرات المقاتلة والمروحيات وطائرات النقل. خاصة أن معظم مشتريات السلطات الجديدة من الأسلحة تأتى من روسيا.. بصرف النظر عن الطائرات بدون طيار من نوع «بايراكتر TB٢» التى تم شراؤها من تركيا.. معظم الأسلحة وكل شيء يأتى حاليا من روسيا.
هل اقتربت نهاية فرنسا- أفريقيا؟
إن غالبية سكان مالى مقتنعون بأنهم فى مواجهة مع فرنسا المستعمر القديم؛ فالمهمة ليست سهلة ودبلوماسيتها على المحك، وخلال المؤتمر الذى عقد فى برازافيل، فى الفترة من ٣٠ يناير إلى ٨ فبراير ١٩٤٤، أعلن الجنرال ديجول: «إن العمل الحضارى الذى حققته فرنسا فى المستعمرات يستبعد أى فكرة عن الحكم الذاتى».
ومن هنا، فإن الأفارقة ليس لديهم أى شىء أو مشاكل ضد أى شعب معين، إن ما يسمى بالمشاعر «المعادية للفرنسيين» التى تتصورها السلطات الفرنسية ليست سوى تعبير عن عن ضجر الشعب من السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا وطريقة التعاطى الفرنسية مع مشاكلهم وأزماتهم. وهو الأمر الذى لا علاقة له على الإطلاق بالشعب الفرنسى.. للأسف الحقائق موجودة على الأرض ولكنهم يعاندون فلقد قال شيراك للصحافة فى ياوندى، الكاميرون فى عام ٢٠٠١ «لقد استنزفنا أفريقيا لمدة أربعة قرون ونصف، ولقد استحوذنا على موادها الخام. ثم قيل أن الأفارقة ليسوا مهرة فى أى شيء. باسم الدين، دمرنا ثقافتهم والآن - لأنه يتعين علينا القيام بالأشياء بأناقة واهتمام أكبر- فإننا نستنزف عقولهم من خلال المنح الدراسية. ثم نرى أن أفريقيا التعيسة ليست فى حالة رائعة، وأنها لا تولد النخب؛ بعد أن أصبحنا أثرياء على حسابهم».
خطأ فرنسا فى مالى هو أنها أبرمت اتفاقية مع الشيطان فى شمال البلاد. وكدليل على ذلك، قال جان إيف لودريان وزير الدفاع آنذاك، فى ٥ فبراير ٢٠١٣: «إن مدينة كيدال شمال مالى تخضع لسيطرة القوات الفرنسية، بدعم من القوات الأفريقية والتشادية بشكل خاص. ودخل نحو ١٨٠٠ جندى تشادى كيدال، المعقل السابق للجماعات الإسلامية فى شمال مالى لتأمين المدينة التى يسيطر الفرنسيون على مطارها».
وفى نفس اليوم كان متمردو الطوارق فى الحركة الوطنية لتحرير منطقة أزواد قد قاموا بالتنسيق والتعاون بنسبة ١٠٠٪ فى شمال مالى مع القوات الفرنسية ضد الإرهابيين الإسلاميين واعترف لودريان: «صحيح أنه فى كيدال، كانت لدينا علاقات مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد» الذين هم أصل الفوضى فى مالى! حقيقة إن الأمر الذى شوش عقول الماليين الذين اعتبروا عملية «سيرفال» مهمة منقذة للحياة لذلك، يرى أحمد سيكو تورى، أن «الارتباك هو العدو الأول للثورة». إن حلقات مؤسفة من هذا النوع هى التى دفعت السلطات الجديدة إلى النظر فى آفاق أخرى؛ فهل هو اليأس؟ هل هى عداوة لفرنسا؟ بالفعل السؤال يستحق أن يطرح حول كل هذه الملفات والعناصر.
الوطنيون ٢.٠ (باترويت ٢.٠)
منذ عام ٢٠١٢، بداية الحرب، شهدنا انتشارًا غير مسبوق للخبراء والمتخصصين فى كل شيء وفى كل مجال. وكما يقول أمبرتو إيكو: «أعطت الشبكات الاجتماعية الحق فى التحدث إلى جحافل من الحمقى الذين تحدثوا من قبل فقط فى الحانة ولم يلحقوا أذى بالمجتمع وتم إسكاتهم على الفور؛ اليوم لديهم نفس الحق فى التحدث مثل الفائز بجائزة نوبل».
لم يضيع الإرهابيون أى وقت. لقد أقاموا فى مختلف مناطقنا السلمية خلافات تنبت الرعب وانعدام الثقة والخوف من الآخرين. هؤلاء اللصوص، الذين هم فى الواقع مجرد بقايا أثرية مأخوذة من توابيت قديمة، يحترمون قانونًا واحدًا فقط، هو قانونهم: الظلامية والهمجية وتذوق دماء الأبرياء. من خلال حجب وجوهنا عن رؤية الواقع ودفن أنفسنا فى وسائل راحتنا الأنانية، جعلنا أنفسنا شركاء فى عمل شيطانى لهدم حضارتنا.
إسلاميون مجانين
فى خضم الزحام الذى لا يوصف والمياه العكرة التى يجب تنظيفها وإلا سيأخذنا الطوفان بعيدًا، يتمتع الصيادون فى المياه العكرة بفرصة مثالية لتحقيق غرضهم الشرير.
الإمام السلفى الراديكالى ديكو
الإمام السلفى الراديكالى ديكو، عقل الإسلاموية الإخوانية- السلفية المالية ومصدر الفوضى الظلامية.. يشارك هذا الرجل الدينى وأتباعه فى جميع الانقلابات فى مالى تقريبًا (من موسى تراورى إلى باه نداو فى عام ٢٠٢١). وهم ينتهكون كل قيم الإسلام المتسامح، وهم من أتباع نظرية «أنا أو الفوضى». كما استطاع الإمام ديكو- أحد نتائج السلفية الراديكالية من خلال مظاهرة شعبية عزل الرئيس إبراهيم بابكر كيتا من السلطة بطريقة شبه مأساوية. ومنذ هذه الفترة اختبأ كل من نظم تلك الثورة وساهم فيها خلف أسوار سوء الإدارة واتخاذ القرارات الخاطئة غير المدروسة التى زادت الوضع سوءا. هل سيدفعون القيادات العسكرية الموجودة فى السلطة لنفس المصير؟ الدعم المتزايد الذى يتلقونه من هذه الشخصية قد يزيد الوضع تعقيدا خاصة إذا نجح ديكو ورجاله فى تجاوز تأثيرهم منطقة الروبيكوند، فمن المحتمل أن تكون خطوة كبيرة فى الهبوط البطيء إلى العالم السفلى لبلدنا. فهل هذا ما تحتاجه البلاد اليوم؟ ليس لى أن أعطى إجابة بدلًا من أشقائى المواطنين الذين هم فى أفضل وضع لتحديد أولوياتهم بموضوعية فى الوقت الحالى.
من المؤكد أن الإمام ديكو لن يمانع فى السير فى أروقة منطقة كولوبا. على أى حال، فإن الأفعال التى يتم ارتكابها يمكن أن تشهد على المحتوى، ومع وجود شخصية إسلامية، ماذا سيحدث لعلمانية مالى المقدسة؟ طوال الوقت الذى كان يحلم فيه بأن يكون رئيسًا للجمهورية دون أن يمر بالعملية الانتخابية، سيكون ديكو آخر من أخمد نظامًا ولن يكون قادرًا على الانحدار لالتقاط السلطة.
على أى حال، فإن رغبة الغالبية العظمى من الماليين هى رؤية العلمانية تعود لمكانها وتتألق على حساب مؤيدى القوة والشريعة.
معلومات عن الكاتب
الدكتوردريسا كانامباى.. باحث وأستاذ فى الصحافة وعلوم الاتصال فى مالى وخبير بارز فى مجال العلوم الإنسانية وقام بدور مهم ورئيسى فى المفاوضات الصعبة بين المجتمعات والقبائل والقوى الحالية.. يشرح لنا خريطة متكاملة للأوضاع فى مالى.