الجمعة 15 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ميشال صبان تكتب: المرأة فى الوجدان

ميشال صبان
ميشال صبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اليهودية والمسيحية والإسلام.. أديان لها مسئوليتها حول مكانة النساء


تغطية رؤوس النساء أمام الرجال كانت القاعدة فى أوروبا حتى القرن العشرين واستمر هذا الالتزام حتى وقت قريب عند دخول امرأة كنيسة فى جنوب أوروبا
 

النساء والأديان، الموضوع هائل ومليء بالعواطف فى كثير من الأحيان، لا شك أن فكرة المسئولية الخاصة للأديان عن «مكانة المرأة» منتشرة ومتشعبة إلى حد واسع وكبير.

كانت تساهم بشكل كبير فى هيمنة الذكور على «الجنس الثاني»، وذلك باستخدام تعبير سيمون دو بوفوار، منذ أكثر من نصف قرن.
لا يمكن إنكار الدور الذى تلعبه التقاليد الدينية فى عدم المساواة بين الجنسين. إن علامة الثقافة الأبوية حقيقية فى اليهودية والمسيحية والإسلام.
كما نجد ذلك فى تفسير النصوص التأسيسية الكبرى، فى عدم الثقة بالنساء وأيضا فى احتكار الذكور للسلطة الدينية والوصول إلى المقدسات، ومع ذلك، استطاعت المرأة الوصول إلى حقوق التعبير عن الرأى والعمل، سواء فى سياق دينى أو بسبب ثقافتهن الدينية.
الراهبات الموسيقيات فى العصور الوسطى، والراهبات التبشيريات، ورئيسات التجمعات الكاثوليكية فى القرن التاسع عشر بسلطات حقيقية، شاركت النساء من البروتستانت عام ١٩٠٠ فى الكفاح من أجل تحرير النساء، فلقد كان هناك عالمات الدين يتمعن النظر فى الكتاب المقدس: «فى العديد من المواقف، على مر القرون، والتى تبرر الرؤية النقدية لـ«تعاسة المرأة»، حتى لو لم يكن هناك نقص فى المفارقات - فى العالم الكاثوليكى على سبيل المثال؛ أما النساء اللاتى يسمون أنفسهن مناصرات المرأة ومسلمات، فإنهن يقمن بقلب أوضاع التمثيلات المعتادة ويشهدن على علاقة مليئة بالمفاجآت بين النساء والأديان.
وفى أوروبا فى الستينيات والسبعينيات، والتى تميزت بالموجة الثانية من الحركة النسائية، ازدهر النقد الشديد «للتراث اليهودى المسيحي». وفى أعوام ١٩٩٠-٢٠٠٠، عادت مسألة القيود المفروضة على النساء بموجب أمر دينى إلى الظهور فى فرنسا وأوروبا وتحديدا حول الحجاب الإسلامي؛ لا شك أن عدم المساواة بين الجنسين حقيقة تاريخية مثبتة فى جميع المجتمعات ومن بين مجموعة الأسباب لهذه الثوابت العالمية نجد من الواضح أن الأديان لها تأثيرها فى ذلك.

هل يجب إذن أن ننظر إلى العلاقة بين المرأة والأديان من زاوية الصمت فقط؟
سنرى أولًا كيف أن التقاليد الدينية العظيمة التى ميزت تاريخ أوروبا لقرون كانت جزءًا من نظام أبوى بدأ يهتز حقًا فى القرن العشرين؛ وهنا يعد هذا سؤالا عن المسيحية واليهودية والإسلام، وهى ما يسمى بأديان الكتب السماوية.. وهذه فرصة للعودة السريعة إلى الأزمنة البعيدة، قبل القرنين الماضيين. ثم نغير التركيز بالذهاب لرؤية جانب الممارسات والممثلين لكافة الأطياف وخاصة ممثلات المجال الدينى. حيث نرى أن النساء، فى السياق الدينى، كن يمتلكن، بدرجات متفاوتة ووفقًا لمختلف العصور والطوائف الدينية، إمكانيات كبيرة للتعبير والعمل.
حقيقة يعتبر التمييز والتسلسل الهرمى بين الجنسين حاضرا للغاية فى هذه التقاليد الدينية التى صمدت أمام اختبار الزمن لأكثر من عشرين قرنًا، وتم نقل هذه الرسالة من النصوص العظيمة، الكتاب المقدس والقرآن، والتى كانت موضوع تفسيرات متعددة وساهمت فى تغذية خيال المجتمعات؛ من بين الشخصيات المتعاقبة التى تسكن الكنائس والمتاحف فى أوروبا ومناطق أخرى من العالم، نجد هناك أيضًا العديد من النساء.
تشير القصة الأولى لسفر التكوين (فى بداية الكتاب المقدس)، التى تستحضر خلق إله واحد للعالم، وهو نص يمكن قراءته مثل قصيدة عظيمة، بوضوح إلى ازدواجية الجنس البشري: «خلق الله البشر كشبهه. خلقهم من الذكور والإناث». هذه الازدواجية، بدون تسلسل هرمى واضح فى النص، ويؤكدها اليوم علماء الدين المتخصصين فى التفسير. لكنها القصة الثانية التى احتفظ بها التقليد اليهودى ثم المسيحى، القصة التى تصور خلق الرجل الأول، آدم، ثم المرأة الأولى، حواء، كمساعدة ورفيقة لهذا الرجل وكان التفسير الذى تم تقديمه على مدى قرون هو تبعية المرأة للرجل؛ وهناك عنصر آخر فى هذه القصة يستحق توضيحه والتأكيد عليه ألا وهو: الوجود، فى التقليد المتعاقب، لزوجين رجل وامرأة.. أصل الإنسانية. هذا التفسير لا يوجد دائمًا فى القصص الأسطورية الأخرى عن خلق العالم؛ وأيضا نذكر فى اليونان القديمة، تستحضر أسطورة باندورا وصول أول امرأة فى عالم من الرجال الذين كانوا يعيشون حتى ذلك الحين فيما بينهم. ويقول المصدر الأول للشريعة اليهودية (التلمود) «ما من رجل بغير امرأة».
يمكن أن يفسر هذا التأكيد للزوجين فى التقاليد العبرية ثم المسيحية، قوة القاعدة بين الجنسين فى العلاقات بين البشر ورفض المثلية الجنسية التى كانت لفترة طويلة القاعدة فى المجتمعات الغابرة. 
كتب الرسول بولس فى رسالته إلى أهل غلاطية فى العهد الجديد، «لم يعد هناك يهودى أو يونانى، عبد أو حر، رجل أو امرأة»، هذه المجموعة من النصوص التى أسست التقليد المسيحى. ولا يبدو أن الاختلاف بين الجنسين، بحسب هذا النص، يتعارض مع فكرة المساواة بين البشر أمام الله.
لكن هذه الأنطولوجيا (علم الوجود)، تتناقض مع الواقع التاريخى، ويجب أن نتذكر أن ديانات الكتاب ظهرت وتطورت فى منطقة جغرافية تمتد من شرق البحر المتوسط إلى الخليج العربى الفارسى وتحديدا فى المجتمعات الذكورية أو الأبوية، بالمعنى الدقيق للكلمة. فى البداية كانت مجتمعات بدوية شبيهة بالحرب، حيث كانت ثروة زعماء العشائر تقاس بعدد زوجاتهم وحيواناتهم.
الإسلام الذى ظهر فى شبه الجزيرة العربية فى القرن السابع من العصر المسيحى، مع الرسول محمد، الذى قام فى بداياته بتحسين وضع النساء، حتى لو بقين تحت وصاية الذكر. يضاف إلى اللامساواة بين الرجل والمرأة، خاصة فى التقليد المسيحى، قضية «الخطأ الأصلى» المنسوب إلى المرأة الأولى فى القصص المتعاقبة.
تشترك الديانات الثلاث فى الكتاب منذ فترة طويلة فى رؤية المرأة المغرية والخطيرة، ومن ثم تحديد الكثير من الالتزامات، والنواهى المحددة التى تثقل كاهلها، وإقصاء الجنس الثانى من أماكن السلطة الدينية وفى الأيام الأولى للمسيحية، أصر آباء الكنيسة (وهو تعبير يترجم جيدًا الطابع الأبوى، بالمعنى الحرفى لهذا التقليد) على مسئولية حواء التى، بعصيانها الله، كانت تؤدى إلى سقوط الإنسان (بمعنى الجنس البشري) وبداية الحالة الإنسانية الصعبة. يمكن للمرء أن يضيف أن هذه هى أيضًا بداية القصة. إن هذا التمثيل لخطأ المرأة الأولى، الذى تم نقله عبر القرون من خلال التقاليد الشفوية والمكتوبة والأيقونات الدينية للعالم المسيحى، قد غذى شكوكا حقيقية فيما يتعلق بالنساء وحياتهن الجنسية وحتى الجنس بشكل عام.
كان للمسيحية، أو على الأقل التقليد الم


سيحى كما تم تناقله لقرون، نظرة سلبية للجنس لفترة طويلة جدًا، مما أدى إلى تقدير الامتناع عن ممارسة الجنس ونتج عن ذلك عزوبة «رجال ونساء الله» ولا مثيل لها فى اليهودية والإسلام، واللتين على العكس من ذلك تقدران الجنس البشرى ولكن يوجد عدم الثقة بالنساء أيضًا فى التقاليد اليهودية والإسلامية، وساهم ذلك فى الوصول إلى هذا الشك المحيط بالجنس الأنثوى واللجوء لالتزامات مثل ارتداء الحجاب ومحظورات محددة أخرى، مثل استحالة الوصول إلى إدارة المقدسات.
حجاب المرأة الذى ورد فى الكتاب المقدس والقرآن يجب أن يخفى رأس وجسد المرأة وخاصة المتزوجات لحمايتهن من أنظار الرجال غير أزواجهن.. هذا الحجاب الذى من المفترض أن يحميهن له تأثير فى الفصل بينهن، حتى لو تم استبعادهن فى المجتمعات التى يكون فيها ميثاق الشرف والدين شديد الصرامة. فى الواقع، أى سوء سلوك (حقيقى أو مفترض) من قبل المرأة ينعكس على المجموعة التى تنتمى إليها مع العواقب الوخيمة لجرائم الشرف التى لا تزال قائمة فى عالم بداية القرن الحادى والعشرين. ومع ذلك، من الصعب للغاية فصل ما هو دينى بحت فى ممارسات مثل جرائم الشرف أو ارتداء الحجاب. لا شك أن المكون الدينى له مكانة بين عناصر أخرى لتفسير هذه التقاليد الراسخة بعمق فى العادات الاجتماعية. يمكننا أن نتذكر أن حقيقة تغطية رؤوسهن للعامة بالنسبة للنساء كانت هى القاعدة فى أوروبا حتى القرن العشرين وصحيح أن الالتزام استمر حتى وقت قريب عندما كان الأمر يتعلق بدخول امرأة كنيسة فى بلد فى جنوب أوروبا. ولا يزال هذا الالتزام نفسه قائمًا حتى اليوم بالنسبة لوصول المرأة إلى المساجد.
إن إقصاء النساء من إدارة المقدسات يكشف عن التسلسل الهرمى بين الجنسين فى المجال الدينى. 
نتحدث عن الله باعتباره «الأب» فى التقليد المسيحى. فالرجال هم المسئولون على مر القرون عن الطقوس والاحتفالات وإمامة الصلوات والخطب وإدارة الأسرار المقدسة والتعامل مع الأشياء المقدسة. كما نتذكر كهنة معبد القدس وحاخامات اليهود فى الشتات، ورجال الدين الكاثوليك أو الأرثوذكس، والقساوسة البروتستانت حتى سنوات ١٩٥٠-١٩٦٠، وكذلك الأئمة وعلماء الشريعة فى الإسلام.



معلومات عن الكاتب

ميشال صبان.. رئيس الصندوق الأخضر R20 Green Fund للنساء.. تطرح رؤيتها لمكانة المرأة فى الأديان السماوية الثلاثة.. عبر التاريخ الطويل.