يتصدر كتاب "دماء على كرسي الخلافة" للكاتب الصحفي علي مقلد واجهة منفذ جريدة الجمهورية ودار التحرير بمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، حيث وضعت الدار صورا للمؤلف وكتابه في مكان بارز أمام الجمهور نظرا لأهمية الكتاب وموضوعه الذي يناقش قضية مهمة في التاريخ الإسلامي ، لا تزال تلقي بظلالها على حياتنا المعاصرة وهي قضية الخلافة الإسلامية.
وانطلقت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ54، في الخامس والعشرين من يناير الجاري وتستمر حتى 6 فبراير المقبل، وتحل المملكة الأردنية ضيف شرف المعرض، واسم الشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين شخصية العام، ورائد أدب الأطفال الكاتب كامل كيلاني شخصية معرض الطفل.
ويشارك في معرض القاهرة للكتاب هذا العام 1047 ناشرًا مصريا وعربيا وأجنبيا، من 53 دولة، من بينها دولٌ جديدة مثل الأرجنتين وكولومبيا والدومينيكان، بالإضافة إلى قرابة 500 فعالية ثقافية تضم لقاءات مع مبدعين وكتاب ومفكرين وفنانين ورموز وقامات مصرية عربية وعالمية.
تحمل الدورة الحالية لمعرض الكتاب شعار «على اسم مصر- معًا: نقرأ.. نفكر.. نبدع»، وتستمر فعالياتها خلال الفترة من 25 يناير الجارى إلى 6 فبراير المقبل، بمركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة الجديدة
كتاب "دماء على كرسي الخلافة" يرصد صراع المسلمين الأوائل على السلطة ، ومدى تأثير التاريخ القديم على الحاضر والمستقبل ، حيث يعمد البعض إلى اجتزاء وقائع تاريخية من سياقها ومحاولة فرضها قسرا على واقع مختلف وزمن مغاير ، ويوضح مقلد أن كرسي "الخلافة " يمثل جوهر الصراع بين الفرق والجماعات الإسلامية ، ليس في الوقت الراهن فقط بل حدث ذلك طيلة نحو ثلاثة عشر قرنًا من الزمان ، فمنذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في يوم الجمعة الموافق 18 من ذي الحجة سنة 35 هـ، وحتى إطلاق مصطفى كمال أتاتورك رصاصة النهاية على الخلافة العثمانية في السابع والعشرين من شهر رجب لسنة 1342 هـ ، سُفكت دماء كثيرة، وقُطّعت رقاب، ورملت نساء، وانتهكت الحرمات والأعراض وخربت مساجد وبيوت ومدن كانت آمنة مطمئنة ، ولم تسلم حتى الكعبة قدس الأقداس عن عموم المسلمين من الأذى، كل هذا ليجلس أحد أمراء الحرب على عرش السلطة ويضع على رأسه تاج الخلافة، ويوضح مقلد أن الفترة التي تلت مقتل الإمام علي وحتى سقوط الخلافة العثمانية لم تكن الأمة الإسلامية تحت خليفة واحد إلا في فترات قليلة جدا ، بل كان دائما هناك أكثر من خليفة طامع في الحكم وبينه وبين آخرين صراعات طاحنة ودامية ، ثم تحولت الخلافة إلى شكل صوري وانقسمت إلى دويلات متناحرة وبدأت تتلاشى رويدا رويدا حتى جاءت نهايتها .
الكتاب يتضمن قراءة تاريخية في المعارك التي اندلعت منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان وحتى ولاية الخليفة المأمون السلطة بعد مقتل أخيه الأمين ، يؤكد المؤلف من بداية الكتاب حتى خاتمته ، أن انتشار الإرهاب في العالم الإسلامي سببه الأساسي هو محاولة هذه الجماعات في القفز على السلطة ، فلا يوجد لدى أي جماعة من جماعات الإسلام السياسي قضية محورية ، سوى الوصول إلى السلطة تحت مزاعم إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة ، مشددا على أن "الخلافة" قضية سياسية فرعية لكنها للأسف نقلت عند بعض المذاهب الفقهية إلى قضية إيمانية داخلة في أصول العقائد ، واستغل الإرهابيون ذلك لكي يلبسوا الأمر على المسلمين ، ويصلوا إلى غايتهم الخبيثة .
ويوضح المؤلف أن أية حرب حالية أو مستقبلية على الجماعات الإسلامية المتطرفة ، في أية بقعة من الأرض لن تجدي نفعا كبيرا في حال نجاحها ، ما لم يتم تفكيك البنية الفكرية المؤسسة لتنظيمات الإرهاب المتأسلم ، فالملاحقات الأمنية مجرد مسكنات لأعراض مرض مستوطن في جسد التاريخ الإسلامي ، ينشط هذا المرض اللعين كلما وجد بيئة خصبة وظروف مواتية ، كما أن الحديث عن دوافع سياسية واقتصادية أو اجتماعية ، أو ما يشاع عن وجود عمليات تآمر خارجية أو داخلية، وراء انتشار الإرهاب ، فهو حديث مراوغ ، يخرجنا من أصل المشكلة إلى فروعها وجزئياتها ، خاصة أن صفوف الإرهابيين تكتظ بشباب متعلم في أعرق الجامعات العالمية ، ورجال أعمال أغنياء ، ومن جنسيات وأعراق مختلفة ، وعدد كبير منهم نشأ في ظروف وبيئات سياسية واجتماعية تكاد تكون مثالية ، لكنهم انخرطوا في جيوش الإرهاب ، وهم على أتم استعداد لبذل كل غال ونفيس وارتكاب كل الحماقات من أجل فكرتهم ، ويلفت المؤلف النظر إلى أن المشكلة أعمق من كل التحليلات التي ترجع الإرهاب للفقر والجهل والتخلف .
ويؤكد مقلد ، أن الغالبية العظمى من المسلمين ترفض الإرهاب وتمقته وتدينه وتراه وحشا كاسرا شوه صورة دينهم ، لكن شعار "إقامة خلافة على منهاج النبوة" ظل حلما يداعب مخيلاتهم ويسكرهم من النشوة ، كلما دعاهم داع لهذا الحلم ، فقد خلقت الآلة الدعائية للمؤسسات والجماعات الدينية الرسمية وغير الرسمية ، صورة زائفة عن الخلافة ، وكيف كان العدل ، وكيف كان الأمن يسود العالم ، حتى "أن الراعي يسير من اليمن إلى الشام ،لا يخاف سوى الله ، والذئب على غنمه"، وكيف كان خليفة المسلمين عادل ، مرهوب الجانب ، مجاهد يغزو الأرض ، ينظر إلى السماء ويقول للغيم أمطري حيث شئتي سيأتينني خراجك ، فهو يحكم نصف العالم ، ويخيف نصفه الآخر ، وكيف كان الآخرون يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكيف كان نداء وإسلاماااه يرج الأرض تحت أقدام الأعداء .. مثل هذه الدعاية جعلت المسلمين يعيشون وهما ، بأن خلاصهم في زمن الهزيمة والتردي والانحطاط السياسي وتكالب الأمم عليهم وعلى ثرواتهم يكمن في إقامة الخلافة وتوحيد رايتهم تحت راية خليفة واحد بدعوى أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ويشيرون إلى نظام الخلافة وكأنه الخلاص .
ويلفت مقلد ، النظر إلى أن الكتاب قراءة محايدة في أمهات الكتب الإسلامية ونقل أمين لما جاء فيها حول معارك المسلمين الأوائل على السلطة، ومشددا على أن ذلك ليس من قبيل نبش الماضي بقدر ما هو توضيح للناس أن الصراع على الخلافة كان صراعا سياسيا وليس دينيا وغالبية "خلفاء المسلمين " الذين جاءوا بعد الخلافة الراشدة - إلا القليل - ما هم إلا أمراء حرب كان هدفهم الأساسي السلطة ، ويأمل المؤلف أن تكون محاولته بداية لتفكيك أفكار أخرى ، يتخذها الإرهابيون ، وجماعات الإسلام السياسي تكأة لتجنيد الأنصار، وخلق بيئات حاضنة للعنف والتطرف لافتا إلى أن إلغاء نظام الخلافة لم يؤثر في الدين نفسه ، فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يقيمون دينهم بلا نقص ، فالشهادتين تملآن السماء والأرض ، والصلاة قائمة ، والزكاة مدفوعة ، والصيام باق ، والحج عامر ، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي ردا على دعاة الخلافة:
مضت الخلافة والإمام فهل مضى .. ما كان بين الله والعباد
والله ما نسى الشهادة حاضر .. في المسلمين ولا تردد شادي
والصوم باق والصلاة مقامة ...والحج ينشط في عناق الحادي