رأت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية، المتخصصة في الشئون الآسيوية، أن التفكير في امتلاك أسلحة نووية أصبح، مؤخرا، يكتسب أهمية أكبر بالنسبة للأمن القومي للعديد من الدول في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأشارت إلى أن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، اقترح علانية، في خطوة مفاجئة إلى حد ما، إمكانية تطوير سيول لأسلحتها النووية في مواجهة التهديدات النووية المتزايدة من كوريا الشمالية، وذلك في إحاطة رسمية من وزارتي الخارجية والدفاع في كوريا الجنوبية في 11 يناير الجاري، إذ أشار إلى أن بلاده يمكن أن تسعى وراء قنبلتها النووية الخاصة إذا فشلت الولايات المتحدة في نشر أسلحة نووية من أجل التصدي للتهديد النووي لكوريا الشمالية، قائلا إن هذا "لن يستغرق وقتا طويلا" بالنظر إلى "البراعة التكنولوجية" للجنوب.
وأضافت أنه بحسب تقارير أخرى، فإن رئيس كوريا الجنوبية قال إنه "من الممكن أن تزداد المشكلة سوءًا وأن بلدنا سيقدم أسلحة نووية تكتيكية أو يصنعها بمفرده. إذا كان هذا هو الحال، فيمكننا امتلاك أسلحتنا النووية بسرعة كبيرة، بالنظر إلى قدراتنا العلمية والتكنولوجية"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن مكتب الرئاسة الكورية أوضح سريعا أن كوريا الجنوبية "ليس لديها خطط" لتطوير أسلحة نووية.
وذكرت الدورية الأمريكية أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، سلط الضوء على التوضيح الكوري، وأضاف أن كلًا من واشنطن وسول بصدد إجراء "تحسينات في قدرات الردع الموسعة".
ورأت "ذا ديبلومات" أنه من المحتمل أن يكون تصريح الرئيس الكوري الجنوبي يهدف إلى الحصول على إعادة تأكيد جديدة من الولايات المتحدة على التزامها بزيادة جهودها في تعزيز قدرات الردع الموسعة.
وأضافت أن هذه التعليقات تُظهر الشكوك المتزايدة بين حلفاء الولايات المتحدة بشأن مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية؛ مشيرة إلى أن اليابان كانت لديها أيضا مخاوف من هذا القبيل تدل على أن طوكيو ليست سعيدة تماما بالتزامها غير النووي.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن هذه التعليقات أيضا تدل على فشل الهيكل العالمي لعدم انتشار الأسلحة النووية في كبح برامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي، إذ أنه من الواضح أن النظام العالمي لعدم الانتشار النووي فشل في وضع قيود دائمة على برنامج الأسلحة النووية لبيونج يانج.
وأوضحت أن كوريا الشمالية بالفعل دولة تمتلك أسلحة نووية، مما يعزز قدراتها من حيث حجم الترسانة وأنظمة الإيصال، كما أنها أجرت بالفعل ست تجارب نووية، وهناك مخاوف من تجربة نووية سابعة تلوح في الأفق لتجربة نسخ مصغرة من الرؤوس الحربية النووية التي يمكن تركيبها على صواريخ كروز، بالإضافة إلى أن عام 2022 شهد أكثر من 90 تجربة لكوريا الشمالية لصواريخ كروز وصواريخ باليستية، محطمة بذلك الأرقام القياسية السابقة، ما يشير إلى أن الترسانة النووية لكوريا الشمالية تبدو أنها تنمو بشكل مطرد، مع تطوير عدد من الصواريخ الجديدة، بما في ذلك الصواريخ ذات المدى العابر للقارات، مثل (Hwasong-14) و(Hwasong-17).
ورأت "ذا ديبلومات" أنه بالنظر إلى الحالة العامة لبرنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، فإنه من الواضح أن الطريق إلى نزع السلاح النووي لبيونج يانج وصل إلى طريق مسدود؛ إذ من غير المرجح أن تسفر دعوة واشنطن لتفكيك كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه، عن نتائج.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى اقتراح بعض المسؤولين الأمريكيين بالفعل الحد من التسلح مع كوريا الشمالية - مما يعني الاعتراف بوضع كوريا الشمالية كسلاح نووي بشكل ما - على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية قد تراجعت عن هذه التعليقات لاحقً، مضيفة أنه من المحتمل أن تكون هذه التعليقات قد زادت من المخاوف في سيول من أن الولايات المتحدة كانت تعد الأسس لتغيير سياستها تجاه كوريا الشمالية.
وأوضحت أن هذا الواقع الجديد يمكن أن يكون دافعا لكوريا الجنوبية نحو استكشاف إمكانية تطوير أسلحتها النووية؛ فوفقا لبعض التقارير، يحرص العديد من المسؤولين الكوريين الجنوبيين على نشر الولايات المتحدة "لأصولها الاستراتيجية" في شبه الجزيرة الكورية من خلال ترتيب "المشاركة النووية" على غرار الترتيبات الأمريكية في أوروبا، هذا بالإضافة إلى وجود آراء في سول تميل إلى التشكيك في مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية وبالتالي يريدون امتلاك أسلحتهم النووية، مضيفة أن بعض صناع السياسة في الولايات المتحدة منفتحون على مثل هذه الخيارات.
وقالت "ذا ديبلومات" إن هذه التحركات تأتي في ظل الاعتراف بحقيقة أن كوريا الشمالية لا يبدو أنها راغبة في إبطاء وتيرة تطوير الأسلحة النووية، بما في ذلك أنظمة الإطلاق، كما يدفع التهديد النووي الكوري الشمالي المتزايد إلى إحداث تغيير في الرأي العام في كوريا الجنوبية وكذلك بين الطبقة السياسية، إذ شهدت استطلاعات الرأي من السنوات الأخيرة تحولًا حيث "دعم غالبية الكوريين الجنوبيين الولايات المتحدة لإعادة نشر الأسلحة النووية في الجنوب أو بناء الدولة لترسانة خاصة بها"، فبين عامي 2021 و2022، كان هناك ارتفاع في نسبة المستجيبين الذين يدعمون سعي كوريا الجنوبية للحصول على برنامج الأسلحة النووية الخاص بها، حيث وصل هذا الدعم إلى 55.5 في المائة.
وأضافت الدورية الأمريكية أن نتائج استطلاعات الرأي في كوريا الجنوبية تظهر أن الرغبة في امتلاك سلاح نووي محلي بدلا من الاعتماد على الردع النووي الممتد للولايات المتحدة قد اكتسبت قوة دفع أكبر، كما تكشف هذه الاستطلاعات أيضًا عن مخاوف متزايدة بشأن الصين إلى جانب كوريا الشمالية.
ونبهت "ذا ديبلومات" إلى أنه سواء كانت كوريا الجنوبية تصنع قنبلة نووية بمفردها أم لا، فإن دور الأسلحة النووية يكتسب أهمية أكبر في تفكير الأمن القومي للعديد من الدول في المحيطين الهندي والهادئ، وفي حين أن كوريا الشمالية ربما توفر السبب لكوريا الجنوبية وربما بعض المناقشات الداخلية اليابانية، فإن الصين وروسيا وجهودهما في التحديث النووي لا تساعد في الحد من دور الأسلحة النووية، بل على العكس من ذلك، فإن الإجراءات الصينية والروسية لها تأثير عرضي على القوى النووية الأخرى أيضا؛ مما يؤدي إلى سباق تسلح نووي شامل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأشارت إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا "التي تخلت طواعية عن أسلحتها النووية في عام 1994 مقابل ضمانات أمنية إقليمية"، ربما يزيد أيضا من هذه المخاوف.
العالم
"ذا ديبلومات": التفكير في امتلاك أسلحة نووية يتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق