انتشرت خلال الآونة الأخيرة، ظاهرة خطيرة، خاصة في المناطق الشعبية والريفية، وهي تجارة زيت الطعام المستعمل، حيث يتجول الباعة الجائلون في الشوارع ويحصلون على هذه الزيوت من السكان وربات البيوت بتكلفة تبدأ من خمسة عشر جنيهًا إلى عشرون جنيها لكل كليو جرام، وهو ما يثير المخاوف فيما يتعلق بهذه التجارة وخطورتها فى ظل ما يقال عن إعادة تدوير الزيوت، ثم تسويقها للمطاعم ينذر بخطر جسيم يهدد صحة المواطنين!
خلال الفترة الأخيرة، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات المتعلقة بالتحذير من استخدام الزيوت المستعملة، وحذر المستخدمون من خطرها على صحة الإنسان، حيث أعيد تدويرها مرة أخرى.
ما يزيد من خطورة الإقبال على زيوت الطعام المستعملة بعد تدويرها الوضع الحالي الذي خلقته الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على حركة استيراد الزيوت وبالتالي ارتفاع التكاليف، في ظل وجود فجوة في احتياجاتنا من الزيوت، حيث يصل حجم استهلاك مصر من الزيت نحو ٢.٤ مليون طن سنويا، بمعدل ٢٠ كيلوجراما للفرد، ويتم استيراد حوالي ٦٧٪ من احتياجات البلاد للزيوت، وفق تصريحات رئيس شعبة الزيوت باتحاد الصناعات.
كانت نقطة الانطلاق من محلات الفول والطعمية لانهم من أكثر مستخدمي الزيوت فداخل احدي محلات الفول والطعمية بمحافظة الشرقية مركز منيا القمح كانت الأواني المعدنية يكسوها صدأ أو مواد متراكمة عليها من الخارج داخلها زيت يظهر بالشكل الأسود القاتم ولا احد بعرف إن كان هذا لون الزيت أم أن الإناء هو السبب في عدم ظهور لون الزيت.
يقول "عم إبراهيم" صاحب المحل: "ورثت المحل ده عن والدتي الله يرحمها فكانت هي من تدير المحل منذ أكثر من ٢٠ سنة وكان محلا صغيرا وبعد تخرجي من الجامعة ساعدت والدتي في العمل وكان المحل ده أكل عيشي وبعد وفاة والدتي الله يرحمها كبرت المحل وأضفت أصنافا جديدة وشغلت تحت إيدي عمالة".. كانت هذه كلمات عم إبراهيم صاحب المطعم في محاولة منه لإظهار أنه متعلم تعليم عالي وفخور بأمه صاحبة هذا الإنجاز والمشروع.
ويستكمل: "الأواني كلها صدأ من بره بس ولكنها نظيفة وممتازة من الداخل والصدأ اللي من بره ده بسبب كثرة القلي ودرجات الحرارة العالية"
ويضيف عم إبراهيم قائلا: "الصنايعي لازم صاحب المطعم يتابعه كويس جدا لأن بعد ارتفاع سعر اللتر ٤٠ جنيها أصبح تغيير الزيت الموجود في أواني الطهي خلال اليوم مستحيلة".
ويتابع: "لكن في آخر النهار يتم تجميع الزيت وبيعه كل أسبوع لتجار الزيت المستعمل.. أنا بتعامل مع تاجر واحد يتقي الله من سنين طويلة".
ويؤكد صاحب المطعم: "كل شوية واحد يجي يدخل المحل ويعرض عليا زيت مستعمل ولكن مجهول الهوية والتصنيع بسعر أرخص من المعتاد وأنا أرفض".
ويحكي: "كان عندي صنايعي يبدأ فى تصفية الزيت المتبقى من أوانى الطعمية والباذنجان مستخدمًا قطعة قماش قطنية ناصعة البياض، إذ أن لها قدرة على فصل الشوائب السوداء عن الزيت الأصفر، حيث يقوم بتعبئته فى زجاجة بلاستيكية كبيرة ليعيد استخدمه فى اليوم التالى وبعد أسبوع اكتشفت ذلك في الموعد الأسبوعي لبيع الزيت المتبقي وتم طرد الصنايعي وكان مبرره أنه يوفر لي المصاريف".
"تدوير الزيوت" مشروع مربح!
يقول ناصر المحمدي عامل في مصنع صغير لتدوير الزيوت المستعملة، إن مشروع تدوير زيت الطعام المستخدم وتحويله إلى وقود حيوي عن طريق ماكينة تتراوح قيمتها بين ١٥ إلى ٢٠ الف جنيه، مشروع مربح جدا.
ويشير "المحمدي"، إلى أن عشرين كيلوجرامًا من الزيت ينتج ١٨ لترًا من الوقود الحيوي؛ ناصحًا الشباب بالحصول علي التراخيص اللازمة وإنشاء مثل هذه المشاريع لأنها مربحة.
وتابع: "تُستخدم إعادة تدوير زيوت الطعام المستخدمة في العديد من المنتجات، وبالتالي قد تختلف قيمة الكيلوجرام من الزيت المستخدم من ١٠ إلي ١٥ جنيها، وبعد مرحلة التدوير يتم بيع زيت الوقود الحيوي بأكثر من ٢٠ جنيها للتر الواحد، بالإضافة إلى استخدامه في صناعة الجلسرين والصابون، ويتم استخدامه أيضًا في معظم منتجات مستحضرات التجميل، مما يؤكد أنه مشروع مربح ولا صحة لما يتم تداوله بشأن استخدامه بعد إعادة تدويره مرة أخرى".
ويؤكد "المحمدي"، أن كميات الزيت المستعمل التي تخرج من البيوت الآن ضئيلة جدا علي عكس الفترات السابقة بسبب ارتفاع أسعار زيوت الطعام في الأسواق جعلت ربة المنزل حريصة علي استخدام الزيت بطرق مبتكرة بحيث تجعل الفائض منه بعد عمليات القلي بسيط جدا يكاد لا يذكر،
ويستكمل: مطاعم الوجبات الجاهزة واللحوم أكثر الأماكن التي نجمع منها حاليا بسبب الرقابة عليها واستحالة استخدام زيوت الطعام في تلك الوجبات أكثر من مرة بسبب تغير طعمها بعكس محلات الفول والفلافل فيمكنها تدوير الزيت بنفسها باستخدام القطن الأبيض.
كيلو الزيت المستعمل بـ١٨ جنيها
تقول الحاجة أماني ربة منزل: "الزيت المستعمل بيسد مواسير الصرف، نتيجة لزوجته العالية يحدث بطء في عملية التصريف ويلتصق بالمواد الصلبة العالقة فيكون كتلا ضخمة داخل المواسير علشان كده ببيعه للتجار وبشتري مننا الكيلو بحوالي ١٨ جنيها".
وتضيف: "بعد الارتفاع غير المبرر للزيوت اتجهت لشراء زيوت وماركات أول مرة أشوفها أو أسمع عنها ولا أعرف جودتها لكن سعرها رخيص وكل اللي مطمني إنها تباع في سيارات بالشوارع أو في محلات البقالة والحاجات دي بيكون عليها رقابة من الداخلية والتموين غير كده بخاف أشتري من الباعة الجائلين اللي معاهم زجاجات زيت طعام في الأسواق ولا عليها تاريخ صلاحية ولا حتي أسماء شركات ممكن تشجع وفرق ما بينها وبين اللي بتتباع عند محلات البقالة حوالي ٥ جنيهات أغلي بس مش مشكلة علشان أولادي وتطالب الأجهزة الأمنية والرقابية بمتابعة الباعة الجائلون والكشف علي منتجاتهم لأنها محل شك".
مصانع بير السلم
ويتحدث محمد الكومي أحد جامعي الزيوت المستعملة التقيناه صدفة في منطقة حدائق المعادي: "معظم أصحاب المطاعم وصنايعية الفول والفلافل حريصين بشدة على لترات الزيت ولا يمكن التفريط فيها بسهولة.
ويشير "الكومي"، إلى أنه بعد ارتفاع أسعار الزيوت فإن فائض الزيت المستخدم يدخل مرة أخرى في المقلاة عند تنظيفه من الشوائب والروائح، ويستخدم في تحضير البذنجان والفلافل أما بالنسبة لرقائق البطاطس، فيجب طهيها في زيت نظيف لم يتم استخدامه من قبل علما أنه يقوم بغلي الباذنجان والفلفل الحار مع عدم تحضيرهما تجنبا لإهدار الزيت فأصبحت المطاعم لا تبيع بقايا الزيوت زي زمان.
ويستكمل: "الآن لا أذهب إلي مطاعم الفول والطعمية كما كان معتادا، وانتظر من مطعم أو اثنين ما زال أصحابها لديهم ضمير كل أسبوع مكالمة لأشتري منهم بواقي الزيوت المستخدمة أما باقي المطاعم تقوم بتدوير الزيت من نفسها وكلهم بيعلموا بعض لتحقيق أرباح إضافية ويستنكر عدم وجود رقابة علي مطاعم الفول والفلافل من قبل مفتشي الصحة والجهات الرقابية بعكس محلات اللحوم والوجبات السريعة الذين يستمرون في بيع الزيوت المستعملة بشكل أسبوعي بسبب الرقابة علي تلك المحلات؛ أما هو فيؤكد أن ما يجمعه من زيوت يذهب لبيعها لتجار يستخدمونها في الصابون والمنظفات".
ويطالب "الكومي"، الجهات الرقابية بمراقبة مصانع بير السلم التي تنتشر في شقق دار السلام وحدائق المعادي والبساتين حرصا علي سلامة المصريين.
الإصابة بالسرطان
من جانبها؛ تقول الدكتورة نادية حمدي أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بجامعة عين شمس، إن التعامل في تجارة الزيوت المستعملة مع عدم التأكد من مصدر الزيوت التي يتم جمعها سواء من المنازل أو المطاعم تصلح للاستخدام أم لا، حيث ظهرت ورش تقوم بتعبئة الزيوت بعد تدويرها داخل عبوات جديدة للمستهلك، مما له أثر ضار على الصحة خاصة على الكبد والكلى.
واوضحت "حمدي"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن استخدام الزيوت المحترقة في صناعة المواد الصلبة والصابون يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، ويجب أن يقتصر استخدامه على الوظائف الصناعية غير البشرية تحت إشراف وزارة البيئة وجهات البحث العلمي مطالبة الجهات الرقابية بوضع الضوابط اللازمة على تجميع الزيوت المستعملة حتى لا تتضرر البنية التحتية للدولة ويكلف ذلك ميزانية الدولة ملايين طائلة.
وتطالب بوجود بنية تحتية تشريعية واجتماعية تسمح باستثمار أكبر لثروة الزيت المستعمل المهدرة، وسط المزاحمة والمنافسة التي يشهدها هذا النشاط متوقعة حلولًا مؤسسية له بدلا من إلقائه في الصرف الصحي أو بيعه وإعادة تدويره.
القولون والغدد
ويتحدث الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الأمراض الباطنة بالمعهد القومى للكبد، إن إعادة تدوير زيت الطعام بعد استخدامه مرة أخرى ضار للغاية بالصحة نتيجة التغيرات الكيميائية التي تحدث نتيجة كسر روابطه طوال فترة الغليان ثم تحلل المادة الغذائية فيه التى ينتج عنها عملية تأكسد والتى يتكون منها مجموعة من الشوائب المضرة ويتسبب استخدامه المتكرر في تلفه نتيجة التعرض لعنصر الضوء والأكسجين في وقت القلي، وبالتالي يتم تعديل خواصه من حيث اللون والطعم والرائحة وبذلك تصبح غير صالحة للاستعمال مرة أخرى.
واوضح أن استخدام زيوت الطعام أكثر من مرة يزيد من احتمالات ارتفاع الخلايا السرطانية داخل الجسم، وكذلك سرطان القولون والغدة والقناة والبطن. كما أن تلك الزيوت ترفع نسبة الكوليسترول فى الدم، وتكون الدهون الثلاثية الضارة التى تعمل على ارتفاع ضغط الدم وإنزيمات الكبد مما يؤدى إلى تصلب فى الشرايين وحدوث جلطات.
وحذر "عز العرب" في تصريح خاص لـ"البوابة نيوز"، من أن بعض المصانع والمطاعم تستخدم الزيت مرة واحدة ولكنها تعرضه لدرجة حرارة تزيد على ٢٠٠ درجة، مما يؤثر أيضًا على الكلى والكبد.
غرامة ١٠ آلاف جنيه
من ناحيته؛ يؤكد الخبير القانوني الدكتور عمرو محمد الوكيل، أن عقوبة غش الزيت المستعمل وفق القانون يُعاقب من يثبت غشه للسلع الغذائية بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويكفى لتحقيق الغش خلط الشيء أو إضافة مادة مغايرة لطبيعته أو من نفس طبيعته
وأضاف "الوكيل"، لـ"البوابة نيوز": لا يسمح بتداول الزيوت والترخيص باستخدامها في الغذاء إلا من خلال المعايير التي تحددها أحكام لجنة الكودكسب وهي لجنة الدستور الغذائي الدولية المكونة من لجنة منظمة االفاوب ومنظمة الصحة العالمية والدول المشتركة.
وأوضح أن هذه اللجنة هي التي تضع معايير الغذاء العالمية، وفي مصر لا يستثني منها سوي زيت لحم الخنزير أو دهنه، لأنه لا يتماشى مع تعاليم الشريعة، وأي خروج عن هذه المواصفات توقف تداول الزيوت من الأعمال، كما أن صاحب المصنع يقع تحت طائلة القانون.
ويشير "الوكيل"، إلى أن قانون العقوبات تصدى لجريمة غش الأغذية، حيث نص قانون العقوبات على الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ٥ سنوات، أو غرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه، ولا تزيد عن ٣٠ ألف جنيه، لكل من غش أو شرع فى غش أغذية إنسان أو حيوان، أو كانت فاسدة وغير صالحة. ويستكمل: "يتضمن قانون العقوبات فى مادته ١١٦، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ٥ أو بغرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه، ولا تزيد عن ٣٠ ألفا، كل من حاز عن طريق الشراء، سلعة مدعمة لغير الاستعمال الشخصى، أو إعادة بيعها وخلطها بمواد أخرى بقصد الاتجار".
استهلاك الزيوت يرتفع يوميًا
يقول أحمد عوض مهندس بشركة كيماويات، إن الأزمة الحقيقية تكمن في وجود مواد قد تعيد لون الزيوت المستعملة إلى حالتها قبل استخدامها مرة أخرى، ويشار إليها بـ "تراب التبيض" أو بـ "سيليكات الأمونيوم" وتحمل اسم super one ثم تأتي مرحلة استخدام آلة التنقية "ماكينة التكرير" التي تعيد شكل الزيت مرة أخرى إلى اللون الذهبي وتعتبر هذه المرحلة الاكثر خطورة علي صحة الانسان.
وأوضح "عوض"، لـ"البوابة نيوز" أن الزيوت المقلية لمرة واحدة تمثل جملة من المشاكل التي تهدد صحة الإنسان فما بالك بالزيوت المستعملة التي تدخل في جميع الأطعمة المنزلية التي يتم تجهيزها، أو التي تطهي خارج المنزل "الوجبات الجاهزة"؛ موضحا أن استهلاك الإنسان من المقليات يرتفع يوميًا بسبب متطلبات الحياة والعمل خارج المنزل مما يمثل خطرًا على الكبد والجهاز الهضمى، إضافة إلى تخزين السموم فى أماكن تخزين الدهون.
جدير بالذكر، أن مصر تنتج نحو ٣٪ من احتياجاتها من زيوت الطعام سنويًا، بينما تستورد الـ٩٧٪ المتبقية، وسجل حجم استهلاك الزيوت في مصر، أن نسبة ٢٦٪ من الاستهلاك هي المسلي النباتي الذي يعتمد في إنتاجه على "زيت النخيل" المستورد بالكامل بكمية ٧٠٠ ألف طن سنويًا.
وتشكل زيوت الطعام نسبة ٦٥٪ من الاستهلاك ٧٣٪، منها زيت بذرة القطن وفول الصويا، و١٣٪ زيت الذرة، و١٤٪ زيت دوار الشمس، ويتبقى ٧.٧٪ من استهلاك مصر من الزيوت يذهب لصناعة الشوكولاتة والبسكويت.
ويقدر متوسط استهلاك الفرد في مصر من الزيوت ب ٢٠ كيلوجراما في السنة، وهو ما يقل عن المتوسط العالمي البالغ ٣٢ كيلوجرام، فيما ينتج العالم ما يتجاوز ١٨ مليون طن من زيت عباد الشمس، حيث معدل الاستهلاك السنوى من زيت الطعام يقرب من ٢.٤ مليون طن سنويا.