بعد مرور حوالى 12 عاما على ثورة الياسمين فى تونس، الثورة التى مثلت الشرارة، بالنسبة لثورات الربيع العربي، لا تزال تتردد أسئلة عدة؛ مثل: هل تغيرت أحوال التونسيين إلى الأفضل بعد تلك السنوات؟، كيف تأثر الاقتصاد؟ وهل تحسنت مستويات البطالة والفقر أم ازدادت سوءا؟
أزمة سياسية
تعيش تونس منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام ٢٠١٩ أزمة سياسية حادة وخلافات جوهرية غير مسبوقة جراء حالة الضعف التى يمر بها البرلمان التونسى والصراعات السياسية بين مؤسسات الحكم، جلّها عوامل سيطرت على المشهد برمته وبعثرت الأولوّيات للقائمين على الحكم المتعارضين أصلا، ولا سيما الصراع على السلطة بين رأسى السلطة التنفيذية- والذى اندلع مؤخرا عندما قام الرئيس قيس سعيد فى يوليو ٢٠٢١ بإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشى وتجميد أعمال البرلمان.
وترى المعارضة التونسية التى تتزعمها جماعة الإخوان ممثلة فى حركة "النهضة" أن الرئيس التونسى قيس سعيد أعاد البلاد عقوداً إلى الخلف منذ صيف عام ٢٠٢١، وأنه يدير الأمور بطريقة "استبدادية" بعد أن أقال الحكومة وعلّق العمل فى البرلمان.
فى المقابل، يرى أنصار سعيد أن القرارات الاستثنائية التى تم اتخاذها فى يوليو العام قبل الماضى كانت ضرورية لكبح توغل حركة "النهضة" فى البلاد، ومنعها من الاستحواذ والهيمنة على السلطات كافة، وأن قرار إقالة حكومة هشام المشيشى لم يكن اتباعاً للأهواء، وإنما جاء تلبيةً للاحتجاجات الشعبية الضخمة التى شهدتها المدن الكبرى فى تونس، بعد فشل الحكومة فى الحد من انتشار وباء كورونا أو تحسين الوضع الاقتصادى للبلاد.
مؤخراً، نزل قادة "جبهة الخلاص الوطني" وأنصارهم إلى الشارع، محاولين التظاهر فى بلدة المنيهلة، مسقط رأس الرئيس التونسى قيس سعيد، ورفع المحتجون شعارات تندد بسياساته والإجراءات التى تم اتخذها على مدار العامين الماضيين، فى المقابل توافد المئات من أنصار سعيد إلى المكان ذاته المعلن عنه للاحتجاج، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين المعسكرين، انتهت بمنع التظاهرة الاحتجاجية، وتدخل قوات الأمن للفصل بين الطرفين.
ويرى العديد من التونسيين أن الثورة الديمقراطية فى بلادهم التى دامت عقدًا من الزمن قد فشلت، وهم غاضبون من النخب السياسية، حيث إنهم يرحبون بالإصلاحات السياسية للرئيس قيس سعيد، ويعتقد قطاع عريض من الناشطين عبر وسائل التواصل أن "حركة النهضة" التى تتزعم معارضة الرئيس التونسى حالياً، لا تناضل من أجل مضامين اقتصادية أو اجتماعية، بل إن غايتها الأساسية هى الوصول إلى السلطة، وأنها أدارت البلاد لنحو عقدٍ كامل فأدخلت المجتمع فى دوامة من التناحر والانقسام، فضلاً عن اتهامات الفساد المالى والتورط فى الصراعات خارج الحدود؛ وهو ما يجعل البلاد ضحية حالة استقطاب حادة، يمكن أن نسميها "استقطاب ما بعد الربيع".
أزمة اقتصادية
إلى جانب الأزمات السياسية المزمنة، يشهد الاقتصاد التونسى ركودا هائلا وتراجعت الأرقام لمستويات غير مسبوقة وفق عديد المؤشرات المحليّة وحتى العالمية كتبويب وكالات التصنيف الانتمائى التى وضعت تونس فى مراتب متأخرة نظرا لهشاشة الوضع الاقتصادى وغياب رؤية إصلاحية قابلة للتطبيق.
ويعتبر المراقبون، أن الانتكاسة فى المجالين الاقتصادى والتنموي، هى نتيجة طبيعية، للأزمات التى واجهتها الثورة التونسية، على مدى السنوات العشر الماضية، ومن وجهة نظرهم، فإنه وفى الوقت الذى تمكنت فيه تونس، من تجاوز التحديات فى المجال السياسي، بأقل خسائر ممكنة، فإن التحدى الأكبر، لا يزال قائما، ويتمثل فى تلبية طموحات الشعب التونسي، فى جنى ثمار الثورة اقتصاديا وتنمويا، عبر تخفيض مستويات البطالة والفقر.
ووفقا لمراقبين، فإن هناك العديد من العوامل، التى ساهمت فى عدم تحقيق اختراق اقتصادى فى تونس، على مدى السنوات التى أعقبت الثورة، وجلها يتعلق بعدم الاستقرار الحكومى الذى شهدته البلاد، وتأثيره على مناخ الاستثمار، وأدى التناحر بين الأحزاب السياسية فى الداخل، من وجهة نظر المراقبين، إلى إيجاد حالة من عدم الاستقرار، ومن ثم تأخير ظهور أى فوائد تنموية للثورة.
ومع اندلاع الخلاف بين مؤسسات الحكم وتأزم الأرقام الاقتصادية أرغمت الدولة نفسها فى حرج التداين أو الاقتراض الخارجى وذلك بعد محاولات اقتراض ومشاورات لم تكلل بالنجاح، وجدت الدولة التونسية نفسها مجبرة على الوقوف أمام صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتعبئة مواردها المالية مقابل برنامج إصلاحى واضح وقابل للتطبيق.
وتوجت المفاوضات باتفاق مبدئي، منتصف أكتوبر الماضي، وكان ملف البلاد على جدول أعمال الصندوق لشهر ديسمبر، إلا أنه وفى ١٤ من الشهر ذاته، قرر صندوق النقد الدولى إرجاء ملف تونس، إلى أجل غير مسمى.
وطبقا للمعهد الوطنى التونسى للإحصاء، فقد وصلت نسبة البطالة الرسمية عام ٢٠٢١ إلى ١٨٪، بينما قدرت عام ٢٠٢٠ بـ ١٦.٦٪. كما تراجعت إيرادات قطاع السياحة بنسبة ٨٠٪ فى يوليو ٢٠٢١. وشهد النمو الاقتصادى انكماشا بنسبة ٢١٪، وانخفض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة ٦٪.
وارتفع معدل التضخم –مقاسا بمؤشر أسعار المستهلكين– من ١٦١.٨ نقطة فى مارس ٢٠٢٠ إلى ١٦٩.٥ نقطة فى مارس ٢٠٢١، ما يمثل ارتفاعا بنسبة ٤.٧٥٪. وتوقعت شركة البحوث الاقتصادية " Capital Economics "ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى فى تونس إلى ١.٥٪ بحلول عام ٢٠٢٥.
وسببت جائحة كورونا والطريقة البائسة التى أدارات بها الحكومة الأزمة أضرارًا جسيمة بالاقتصاد، ما دفع بعشرات الآلاف من التونسيين فى خانة البطالة والفقر. وكشفت الأزمة أن المشاكل الحقيقية لأغلبية التونسيين، وفى مقدمتها أمنهم الغذائى والصحي، ليست أولوية بالنسبة للنخب السياسية الحاكمة.