الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اتجاهات سوق العمل في 2023

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كلما شاركتُ في دورة تدريبية لشباب الخريجين أو لتحسين مهارات الموظفين تكون أسئلة الشباب متشابهة: "مش لاقي شغل.. متعرفيش أماكن عايزة ناس". وأستغرب من شباب يحملون التليفونات الذكية بين أيديهم لا تفارقهم ولكنهم لا يستخدمونها إلا في الدردشة والشراء بينما يستطيعون تعلم العديد من المهارات والمعارف ذاتيا لتحسين فرصهم في العمل. والحقيقة أن فرص العمل رغم تراجعها إلا أنها موجودة لكن سوق العمل الآن يتطلب مهارات مختلفة. 

من الملاحظ أن طبيعة العمل في حالة تغير مستمر على مدى العقود الماضية، ومع استفحال الأزمات الاقتصادية عالميًا يتوقع العديد من الاقتصاديين أن تظل الفرص المعروضة في سوق العمل خلال 2023 أقل من الطلب. وسيكون على الباحث عن عمل هذه الأيام تحسين كفاءته ومهاراته في مجال التقنيات الحديثة بشكل أساسيّ إذا كان يحلمُ بالفوز هذا العام بفرصة عمل تغير حياته نحو الأفضل وتفتحُ أمامه سبل الترقيّ. 

ولأن أزمة عمالة الشباب هي الآن في مستويات لم يسبق لها مثيل فإنها تشكل مصدر قلق كبير لدى ‏حكومات الدول ومكتب العمل الدولي. وفقا لتقرير حديث لمنظمة العمل، فإن عدد العاطلين من الشباب في العالم بلغ 73 مليونا في 2022 ‏وهو مستوى قياسي رغم التحسن طفيف عن عام 2021 (75 مليونا)، ولكنه لا يزال أعلى بنحو ‏ستة ملايين فوق مستوى ما قبل الجائحة لعام 2019‏‎.‎‏ على سبيل المثال، بلغ عدد العاطلين في مصر حوالي 21 مليونا، وفي جنوب افريقيا حوالي 8 ملايين، وفي تركيا 3.5 مليون، ‏وفي البرازيل 12 مليونا، وفي المغرب نحو 2 مليون. ولم يقتصر ارتفاع معدلات البطالة على ‏الدول النامية بل إن منطقة اليورو شهدت ارتفاعا بدورها وصل إلى 6.5%. لكن يتفاوت هذا ‏المعدل بين الدول، فنجد أسبانيا مثلًا تقترب نسبة البطالة بها من 13%، ‏وهي الأعلى في الاتحاد ‏الأوروبي. بينما في ايطاليا تقترب من 8% وفرنسا 7.3% وألمانيا 5.5% ‏وتنخفض في هولاندا ‏إلى 3.6%.‏ ‏

 لذلك، البطالة على رأس أولويات في جداول عمل ‏السياسات الوطنية. كما تستدعي المزيد من الإصلاحات المتعلقة بالتعليم والتدريب المهنيين مع ‏ضرورة وضع نظم جدية للتعليم الصناعي والتدريب في العمل وعقود التدريب وكذلك تعزيز ‏الصلة بين نظم التعليم والتدريب وسوق العمل.‏ وأصبحت الشركات لا تنظر إلى الشهادات أو الخبرة بقدر اهتمامها بالمهارات. لقد تحولت كبرى الشركات العالمية مثل جوجل وفيسبوك وابل عن النظر إلى الشهادات الجامعية وبدأت ‏ التركيز على المهارات التكنولوجية التي قد يجلبها الموظف الجديد المحتمل.‏ هذه حقيقة أصبحت مؤكدة وقد أحدثت بلاشك الأتمتة والمنصات الرقمية وغيرها من الابتكارات التكنولوجية تغييرًا في طبيعة الوظائف. وقد زاد استخدام الأدوات الرقمية بسبب بروتوكولات التباعد الاجتماعي التي أحدثتها جائحة كورونا. وسيستمرّ  تحول العديد من الشركات الكبرى إلى العمل عن بعد طوال الوقت أو بعض الوقت رغبة في الحد من التكلفة؛ لذلك فإن حاجة الباحثين عن فرص عمل أصبحت تستدعي التمكّنِ من الأدوات التكنولوجية الحديثة حتى يفوزوا بتلك الفرص. 

عمليًا، لا توجد صناعة أو وظيفة مستثناة من هذا الطلب المتزايد باستمرار على أحدث التكنولوجيات الرقمية. وهذا يشمل وظائف الموارد البشرية والعمليات وخدمة العملاء والبحث والتطوير والتسويق والصيانة ‏والعلاقات العامة إضافة إلى المهندسين ومديري الشؤون المالية والقانونية والمساعدين التنفيذيين ومحللي البيانات وعمال ‏المرافق والخدمات. ‏وفقًا لدراسة نشرتها شركة أبحاث السوق "فايننس أون لاين" الأمريكية، تتطلب 90٪ من الوظائف في السوق اليوم من الموظفين استخدام الأدوات الرقمية كجزء من واجبات عملهم. وهي وظائف تتميز بأن عائدها أكبر من مهن أخرى. وبدون هذه المهارات ستتقلص فرص الباحثين عن عمل ناهيك عن احتمال الاستغناء عن بعض الموظفين الذين لم تتوفر لديهم فرص تطوير أنفسهم واكتساب تلك المهارات. ومن المتوقع أن يبدأ الذكاء الاصطناعي في لعب دور أكثر أهمية في عملية التوظيف. وسيكون منافسًا ومعوضًا للقوى العاملة. وقد خطت أمازون خطوات كبيرة في إتقان هذه التكنولوجيا. في الآونة الأخيرة، قامت أمازون بتسريح مسؤولي التوظيف، ويفترض أن تقوم الشركة باستبدالهم ببرنامج الذكاء الاصطناعي. تقود أمازون عادة التغيرات في السوق، وسرعان ما تتبعها الشركات الأخرى.

قد يكون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "لينكدن"، أمرًا مهمًّا بالنسبة للباحثين عن عمل. ويجب التنويه أن هناك منصة أخرى اكتسبت شهرة أكبر تسمى "فيش باول" (ترجمتها الحرفية حوض السمك). يوفر هذا التطبيق فرصة هامة حاليًا للوصول بسهولة واحترافية إلى إعلانات الوظائف للشركات الكبرى. غير أن هذا التطبيق مازال غير موجود في منطقة الشرق الأوسط بينما يتسع استخدامه بشكل احترافيّ في عدة مناطق في العالم. لكن ما هي أنواع المهارات الصعبة الأكثر طلبًا في عام 2023 ؟

في المقدمة تعتلي مهارات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي قائمة الأولويات المطلوبة في الوقت الحاضر (Cloud computing، AI). وتتضمن التقنيات الحديثة الاستخدام الكبير للتطبيقات مثل منصات إدارة التعلم الفعالة لأغراض تعليم التلاميذ والطلبة وتدريب الموظفين والعمل كفريق عن بعد والتواصل بين مختلف القيادات والتخصصات وسرعة حل المشكلات وإدارة الأزمات وإقامة المؤتمرات والمشاركة فيها عن بعد وأعمال "الأوديت" وغيرها من الأنشطة التي أصبحت ممكنة ومتاحة بسهولة. 

ويظل التحدي الأكبر اليوم اتساع الفجوة بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل. والحقيقة أن الابتكارات التكنولوجية في العقود الماضية تركت قطاع التعليم متخلفًا كثيرًا وغير قادر على مواكبة التطور بنفس السرعة المطلوبة. والعوامل الأساسية التي تؤدي إلى عدم تطابق المهارات هي ضعف جودة التعليم وعدم مواكبته للتطور التكنولوجي المطلوب في سوق العمل، خاصة لدى الشركات والمصانع. وهذا يولد مجموعة من المشاكل لكل من الموظفين وأصحاب العمل. ونلاحظ ذلك في مصر، على سبيل المثال، حيث هناك شركات بها طلب على العمل ولكن لا تتوفر العمالة المؤهلة. نفس هذه الحالة تحدث في العديد من الأماكن في جميع أنحاء العالم. النتيجة أن لدينا سوق عمل يعج بخريجي الجامعات ولكن بدون المهارات المطلوبة. وهذا له آثار سلبية على النمو الاقتصادي والقدرة التنافسية وإنتاجية العمال. 

والأمر المؤكد أن التطور التكنولوجي والأتمتة في جميع أنواع الوظائف أمر لا مفر منه. وأن طالبي العمل ليس لديهم خيار آخر سوى التعايش مع هذا التطور التكنولوجي. وهو ما يستوجب إنشاء الجامعات والدولة متمثلة في قطاع التعليم المهني والشركات تكوينًا لاحقًا يهدف لاكتساب المزيد من المهارات المواكبة لتقدم التكنولوجيا لتلافي تلك الفجوة بين التعليم وبين متطلبات سوق العمل!