تحتفل الشرطة المصرية هذا العام 2023 بالذكرى الحادية والسبعين لمعركة الإسماعيلية المجيدة والتى تجسد ملحمة وطنية أحاطتها مشاهد مضيئة من نضال شعب أبى عندما تكاتف رجال الشرطة مع الفدائيين على امتداد مدن القناة وفاء لوطن عظيم ودفاعا عن العزة والكرامة فسقط منهم شهداء ومصابون ضربوا أروع الأمثلة فى الشجاعة والتضحية.
لقد واجهت الشرطة فى تلك المرحلة من مراحل النضال الوطنى عدوا ظاهر الهوية فتسابقوا بدافع من الانتماء والمسئولية مع أبناء الشعب لمقاومة المستعمر غير مبالين بقوته التى تفوقهم عددا وعتادا.
ويسطر التاريخ للشرطة المصرية دورها الفعال على مر العصور فى كل معارك التحرير ومواقف النضال واليوم وعقب مرور سبعة عقود يؤكد رجال الشرطة على تحملهم المسئولية فى حماية أمن الوطن والوقوف بالمرصاد لعدو غير ظاهر يسعى لاستهداف وعى أبناء الوطن وتضليل أفكاره عبر ما يسمى بحروب الجيل الرابع والخامس .
-
الإسماعيلية تستعيد أمجاد ابطال الشرطة
معركة الكرامة والشجاعة 25 يناير عام 1952
استشهاد 50 بطلاً وإصابة 80 على يد قوات الاحتلال بداية مسيرة الكفاح من أجل الوطن
الأبطال أصبحوا مثالا وقدوة لزملائهم على مر الزمان
الفدائيون ينسقون مع رجال الشرطة لشن هجمات فعالة وقاسمة ضد القوات البريطانية
اليوزباشى مصطفى رفعت يرفض الانسحاب وترك مبنى المحافظة لقائد قوات الاحتلال اكس هام ..والحى البلدى يشهد على بطولات الشرطة في الإسماعيلية
معركة الكرامة تصبح عيدًا للشرطة المصرية وعيدًا قوميًا لمحافظة الإسماعيلية وللشعب المصرى كله
بدأت معركة الكرامة والشجاعة الحقيقية في 25 يناير عام 1952 في الإسماعيلية تلك المعركة التي سطر فيها رجال الشرطة بطولة لم ولن ينساها التاريخ لقد استشهد في هذا اليوم نحو 50 بطلاً من أبطال الشرطة المصرية وأصيب 80 آخرون في سبيل أداء واجبهم فكانوا مثالاً وقدوة لزملائهم على مر الزمان في التضحية والتفانى في العمل.
بطولات رجال الشرطة التي نراها اليوم تعد امتدادًا طبيعيًا لتاريخ طويل من البطولات والتضحيات به العديد من المحطات التي تؤكد وطنية هذا الجهاز وحرص أفراده على التضحية بالغالى والنفيس لحفظ أمن المواطن وسلامته، ولكن أبرز المحطات في ذلك التاريخ والتي خلدت كعيد للشرطة كانت ذكرى موقعة الإسماعيلية التي وقعت في 25 يناير عام 1952 وراح ضحيتها 50 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة المصرية على يد الاحتلال الإنجليزى بعد أن رفض رجال الشرطة تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال الإنجليزي.
كانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقية 1936 والتي كان بمقتضاها أن تنسحب القوات البريطانية إلى محافظات القناة فقط دون أي شبر في القطر المصرى فلجأ المصريون إلى تنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة وكبدتها خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة؛ وذلك كان يتم بالتنسيق مع أجهزة الدولة في ذلك الوقت.
وكان الفدائيون ينسقون مع رجال الشرطة لشن هجمات فعالة وقاسمة ضد القوات البريطانية، وهو ما فطن له البريطانيون؛ حيث قاموا بترحيل المصريين الذين كانوا يسكنون الحى البلدى في الإسماعيلية، بينما كانوا هم يسكنون الحى الأفرنجى؛ وذلك للحد من عملياتهم البطولية ضد قواتهم، ولكن ذلك لم يؤثر على الفدائيين وزادت هجماتهم شراسة، وذلك بالتنسيق مع قوات الشرطة المصرية.
وعندما علمت القوات البريطانية بأن رجال الشرطة يساعدون الفدائيين قررت خروج كل أفراد الشرطة المصرية من مدن القناة على أن يكون ذلك في فجر يوم 25 يناير 1952 وفوجئ رجال الشرطة بعد وصولهم إلى مقر عملهم في مبنى محافظة الإسماعيلية بقوات الاحتلال البريطانى تطالب اليوزباشى مصطفى رفعت قائد بلوكات النظام المتواجدة بمبنى محافظة الإسماعيلية بإخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق وترك أسلحتهم بداخل المبنى وحذروهم بمهاجمة المبنى في حال عدم استجابتهم للتعليمات.
تخيل الاحتلال البريطانى أن رجال الشرطة سيخافون على حياتهم ويتركون سلاحهم ويهربون حفاظًا على أرواحهم، ولكنهم فوجئوا ببطولة سطرت في تاريخ مصر المشرف بأحرف من نور؛ حيث رفض اليوزباشى مصطفى رفعت الانسحاب وترك مبنى المحافظة، وقال لقائد قوات الاحتلال اكس هام (إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى.. سأبدأ أنا الضرب لأن تلك أرضى وأنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا.. وإذا أردتم المبنى فلن تدخلوه إلا ونحن جثث" ثم تركه ودخل مبنى المحافظة وتحدث إلى جنوده وزميله اليوزباشى عبدالمسيح وروى لهم ما دار بينه وبين اكس هام فما كان منهم إلا وأيدوا قراره بعدم إخلاء المبنى، وقرروا مواجهة قوات الاحتلال على الرغم من عدم التكافؤ الواضح في التسليح؛ حيث كانت قوات الاحتلال تحاصر المبنى بالدبابات وأسلحة متطورة شملت بنادق ورشاشات وقنابل فيما لا يملك رجال الشرطة سوى بنادق قديمة نوعًا ما.
بدأت المعركة من خلال قيام القوات البريطانية بإطلاق قذيفة دبابة أدت إلى تدمير غرفة الاتصال "السويتش" بالمبنى وأسفر عن استشهاد عامل التليفون لتبدأ المعركة بقوة والتي شهدت في بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين فخرج اليوزباشى مصطفى رفعت قائد قوة بلوكات النظام المتواجدة داخل مبنى المحافظة إلى ضابط الاحتلال البريطانى في مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصرى فتوقفت الاشتباكات ظنًا من قوات الاحتلال بأن رجال الشرطة يستسلمون، ولكنهم فوجئوا بأن اليوزباشى مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين وإخلائهم قبل استكمال المعركة، ولكنهم رفضوا واشترطوا خروج الجميع أولًا والاستسلام وهو ما رفضه اليوزباشى مصطفى رفعت وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة والتي لم يغب عنها أيضًا أهالي الإسماعيلية الشرفاء؛ حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح رغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.
ومع استمرار الاشتباكات بدأت الذخيرة في النفاد من رجال الشرطة المصرية، ولكنهم رفضوا أيضًا مجرد فكرة الاستسلام فقرأوا جميعًا فاتحة كتاب الله والشهادتين بمن فيهم الضابط المسيحى اليوزباشى عبدالمسيح في لحظة تؤكد مدى تماسك ووحدة شعب مصر العظيم وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر اليوزباشى مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (اكس هام) أملاً منه في أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه.. وبالفعل عندما خرج توقف الضرب كالعادة ولكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (اكس هام) وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشى مصطفى رفعت أدى له التحية العسكرية فما كان من اليوزباشى رفعت إلا أن يبادله التحية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال ماتيوس قائد قوات الاحتلال البريطانى في منطقة القناة بالكامل.
وتحدث الجنرال ماتيوس إلى اليوزباشى مصطفى رفعت وقال له بأنهم فعلوا ما عليهم بل أكثر وأنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل وأنهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التي معهم ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطانى المتعددة، وأنه لا مفر من وقف المعركة بشرف فوافق اليوزباشى مصطفى رفعت على ذلك مع الموافقة على شروطه وهى أن يتم نقل المصابين والإتيان بالإسعاف لهم، وأن الجنود التي تخرج من المبنى لن ترفع يديها على رأسها وتخرج بشكل عسكري يليق بها مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى.. فوافق الجنرال ماتيوس على تلك الشروط وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بهم وهم في طابور منظم.
أسفرت تلك الملحمة التاريخية للشرطة المصرية عن استشهاد نحو 50 من رجال الشرطة وإصابة 80 آخرين فاستحقت أن تكون ليست يومًا فقط أو عيدًا للشرطة المصرية ولكنها أصبحت عيدًا قوميًا لمحافظة الإسماعيلية وللشعب المصرى كله.. فتحية إلى أبطال يؤدون واجبهم ويضحون بالغالى والنفيس من أجل رفعة هذا الوطن وتحقيق أمن وسلامة مواطنيه.. أبطال كانوا وما زالوا وسيظلون على عهدهم دائمًا بالتضحية بأرواحهم من أجل حفظ مقدرات أرض الكنانة.