شهد العالم العربى تغييرات سياسية كبيرة، بعد حراك الشارع فى 2011 فى عدة دول عربية ووصول الإسلام السياسى السلطة، وفى مقدمتهم جماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما أدى إلى لعب دور سلبى على المسار الديمقراطى فى هذه البلاد، وتهديد الدولة الوطنية مع ارتفاع صوت الدولة الدينية ومحاولة تغيير هويات الدول الوطنية الجامعة لكل الطوائف والمذاهب والأعراق، لصالح توجه من التفسيرات الدينية لهذه الجماعات الدينية.
وتعتبر معظم حركات الإسلام السياسى المنتشرة فى العالم فروعًا لجماعة الإخوان الإرهابية، لكنها تتمتع باستقلالية قرارها القطرى بحسب ظروف الدولة التى تتواجد فيها، لذلك كان هناك تباين واضح من قبل هذه الحركات فى التعاطى مع أنظمة الحكم فى الدول التى تتواجد فيها..
تنطلق أفكار هذه الجماعة من منظور شمولى وليس ديمقراطيا كما حاولت الترويج لها قبل ٢٠١١، ولكن مع وصولها للسلطة كشفت عن وجهها الحقيقى ان صناديق الاقتراع هى سلم الوصول إلى السلطة ومن ثم ممارسة الفاشية الدينية بكل صورها، ورفع وتيرة الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية.
وعقب وصول جماعة الإخوان للسلطة فى ٢٠١٢، فشلت الجماعة فى تقديم نموذج الإسلام الديمقراطي، بل تحولت إلى جماعة فاشية، وأرجع العديد من المحللين والسياسيين فشل تجربة حزب الحرية والعدالة فى مصر إلى عدم مرونة الحزب فى التعاطى مع القوى السياسية الفاعلة داخل الدولة المصرية، وشكلت تهديدا للدولة والهوية المصرية، ونشر الصراعات الأهلية، وهو ما أدى إلى خروج الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو لإسقاط "حكم المرشد" فى إشارة إلى سيطرة مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان على السلطة فيما كان محمد مرسى مجرد مندوب للجماعة داخل السلطة.
تجارب الإخوان فى تونس والمغرب وليبيا والسودان، واليمن وسوريا، كشف عن كيف يشكل الاسلام السياسى تهديدا للدولة الوطنية والهوية التاريخية للأوطان، وأيضا إشعال الصراعات الاهلية بين أبناء الشعب الواحد.
لقد كشفت تجارب الإخوان فى مصر وتونس والمغرب عن فشلهم فى تقديم النموذج الحقيقى للديمقراطية وكذلك النهضة الاقتصادية والحضارية دخل المجتمع رغم خبرتهم الطويلة فى المعارضة.
وكانت التجارب دموية فى اليمن وسوريا وليبيا، والتى هددت هذه التجربة بتقسيم الدولة الوطنية وصعود تنظيمات أكثر تشددا كتنظيم داعش فى سوريا والعراق.
كما كشفت الأحداث أن الاسلاميين بقوتهم الاقتصادية والاجتماعية وسيطرته على العديد من المجالات الاقتصادية أنهم لعبة في يدى الأنظمة السياسية والقوى الإقليمية المتربصة بالمنطقة، وكانوا ضمن أدوات تكريس الفوضى فيها.
لقد كشفت التحولات فى الشارع العربى بعد ٢٠١١ عن جملة من الاختبارات التى واجهت الإسلاميين، فى ظل تحولات جيوسياسية، تمخضت عنها جملة من التحولات انعكست على الإسلاميين وعلى توجهات الإسلام السياسي، يمكن أن تترتب عليها نتائج مستقبلية، ومن جملة هذه الاختبارات والتحديات يمكن ذكر أهمها:
ويرى المفكر الجزائرى عبد القادر عبد العالين فى دراسة تحليله له بعنون " تحولات الإسلام السياسى فى ظل الربيع العربي: نشرتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود: أن الربيع العربى أدى إلى تحولات فى خطاب الإسلاميين، وموقفهم من الديمقراطية؛ فقسم كبير من التيار السلفى الذى كان يرفض مقولة الديمقراطية والحزبية، أصبح يكيف خطابه معها. وهذه الأزمة الهوياتية فرضتها عليهم الاستحقاقات السياسية، وإملاءات الواقع، فهم مخيرون بين أن يندرجوا ضمن التيارات المدنية التى تطالب بالمشاركة السياسية، وتسمح به لغيرها، وبين فرض رؤيتهم المثالية والشمولية والأيديولوجية المحافظة منها والراديكالية.
وأوضح أن الإسلاميين واجهوا معضلة حقيقة فى ممارسة الحكم، فى بلدان الربيع العربي، فالإخوان المسلمون فى مصر، فشلوا فى إقناع حلفائهم فى الثورة بالمشاركة فى الحكم، مما عجل بعزلتهم وإسقاط حكم الرئيس مرسي.
فيما أيضا خرج الشعب التونسى فى ٢٥ يوليو ٢٠٢١ بتحرك الشارع التونسى ضد حركة النهضة، وسيطرتها على القرار السياسى فى البلاد طيلة عشر سنوات، فشلت فى تقديم نموذج ديمقراطى واقتصادى واجتماعى ينهض بتونس، بل أصبحت تونس فى ظل سيطرة النهضة على القرار السياسى إلى صانع الازمات فى تونس. أما فى المغرب، فقد استفاد الإسلاميون من أجواء الحراك المطلبى المعروف بحركة عشرين يونيو، وتمكن الإسلاميون لأول مرة من الوصول إلى سدة الحكم، وتولى رئاسة الحكومة، لكن الإسلاميين فى المغرب، لم يكن لهم أثر كبير فى تحسين الملف الحقوقى والاقتصادى وهو ما أدى خسارتهم للانتخابات ٢٠٢١.
ويقول مستشار كرسى اليونسكو للحوار بين الأديان فى جامعة الكوفة إياد العنبر، فى مقال له بعنوان "الإسلام السياسي: نعم للانتخابات، كلا للديمقراطية" نشره موقع الحرة، إنه لا توجد علاقة تربط بين أحزاب الإسلام السياسى والديمقراطية غير الانتخابات، فمنذ تسعينيات القرن الماضى كان تعامل الإسلاميين مع الديمقراطية تعاملًا براغماتيًا، فهم يؤمنون بالانتخابات فقط. أمّا بقية المبادئ والمرتكزات التى تتعلق بالحقوق والحريّات فهى محلّ نقاش وجدل، وبعضها مرفوض جملةً وتفصيلًا. حتّى الموقف من الانتخابات لم يكن هو نفسه فى ستينيات القرن الماضي؛ لأنَّ حضورها فى الشارع لم يكن يوازى أو ينافس حضور الأيديولوجيات التى كانت تهمين على الساحة السياسية والفكرية والثقافية.
ويضيف أن تاريخيًا، لا يوجد ترابط بين النضال من أجل الديمقراطية وأحزاب وتيارات الإسلام السياسي، حتّى على مستوى التنظير والخطاب السياسى لم يكن الإسلاميون يتبنون الديمقراطية ولا يؤمنون بالانتخابات. ومقولات الإسلاميين العَقَدية، كما يلخصها المفكر اللبنانى رضوان السيّد تركز على قضيتين: الأولى، الشريعة (وليس الأمّة) هى أساس المشروعية فى الدولة والمجتمع. والثانية، الدولة ضروريةٌ لحفظ الدين، ولها مهمة دينية أساسية وهى تطبيق الشريعة.
لا توجد علاقة تربط بين أحزاب الإسلام السياسى والديمقراطية غير الانتخابات، فمنذ تسعينيات القرن الماضى كان تعامل الإسلاميين مع الديمقراطية تعاملًا براغماتيًا، فهم يؤمنون بالانتخابات فقط. أمّا بقية المبادئ والمرتكزات التى تتعلق بالحقوق والحريّات فهى محلّ نقاش وجدل، وبعضها مرفوض جملةً وتفصيلًا. حتّى الموقف من الانتخابات لم يكن هو نفسه فى ستينيات القرن الماضي؛ لأنَّ حضورها فى الشارع لم يكن يوازى أو ينافس حضور الأيديولوجيات التى كانت تهمين على الساحة السياسية والفكرية والثقافية بحسب "العنبر".
يقول (راشد الغنّوشي) زعيم حزب النهضة فى كتابه الديمقراطية وحقوق الإنسان: "ليس فى الإسلام ما يمنع من الترتيبات التى جاء بها النظام الديمقراطي." وهنا نحتاج أن نتوقف عند مفردة "الترتيبات"، لأنّها تمثّل الإشكالية الرئيسة فى التصور الإسلامى للديمقراطية. فعلى وفق تصور الغنوشي-الذى تتفق معه أغلب الأحزاب الإسلامية- يختزل التعاطى الإسلامى مع الديمقراطية مِن منظور التصور الأداتي.
وفى العراق مع بداية هيمنة تيارات الإسلام السياسى على مقاليد السلطة والحكم، كانت أصدق عبارة توصَف علاقتهم بالديمقراطية، وصفهم التعاطى مع الديمقراطية "كحم أكل الميتة، فمَن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"!.