لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ربى.
تعالوا معي لدراسة هذه الآية العظيمة التي تحمل ما تحمله من القيم والمعاني السامية، فالله تعالى يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء.
وهو القائل أيضا، في وصف القرآن الكريم وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم.
لنأول هذه الآية المباركة تأويلا يخدم واقعنا المعيش بما يدحض فرية بعض المستشرقين من أن القرآن نزل لفترة معينة، ولا يصلح لكل زمان ومكان، ولنرد على من سايرهم وللأسف ممن ينتسبون لأهل القبلة سامحهم الله.
الآية نزلت في سيدنا نوح عليه السلام وهو يصنع الفلك على أعين الله تعالى، والقوم قومه يمرون عليه ويسخرون، ولكنه امتثل لأمر الله تعاليى أن اصنع الفلك، والنجارة حرفته، وكان يرد عليهم إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون، وأنبأهم أن الله سينصره وسيحل عليهم الخزي والعذاب الأليم.
وللأسف ابنه كان عاقا لوالده وظل على عناده وعلى الشرك والكفر. وعندما أتى أمر الله وفار التنور، جاءته البشرى أن احمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون.
وامتثل نوح عليه السلام لأمر الله وركب هو وصحبه في السفينة، ومن آمن وللأسف ما آمن معه إلا قليل. وهي تجري بهم في موج كالجبال،نادي نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا-وها هي رقة قلب الأب لابنه يدعوه الي النجاة والابن العاق لا يستجيب_وهنا الفارق بين إسماعيل عليه السلام في طاعته وامتثاله لأوامر الله وطاعته لأبيه، يا بني إني أري في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى، الامتثال والإذعان لأمر الله تعالى.
يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
انظروا حال الشابين، الأول العاق ابن سيدنا نوح لم يمتثل فكتب عليه أن يكون مع الهالكين وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.
وسيدنا إسماعيل ولد سيدنا ابراهيم صار نبيا من المخلصين.
حالنا اليوم لا عاصم من أمر الله الا من رحم،
نشبه بلدنا الحبيب وأمتنا العربية بسفينة النجاة سفينة نوح عليه السلام وقادتها هم الذين يمسكون بزمام الامور، اقصد مؤسساتها كل دولة ومملكة وسلطنة علي حدة. وركابها الشعوب.
فلنبدأ اولا بإصلاح المؤسسات، نبحث عن مواطن الخراب والفساد ومواطن الضعف فيها التي تنخر كما ينخر السوس في جدورها ونحاول أن نصلح هذا الخلل لا بالترقيع فالثوب البالي الخرق لايصلح معه حياكة،واصلاح الفساد والمناكير من لامبالاة واستهانة واستكانة ورشاوي وما شابه ذلك لايكون الا بالضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه بالعبث بمقدرات الشعوب واستئصال شأفتهم وإراحة البلاد والعباد من أمثال هؤلاء.واستبدالهم بآخرين حريصين علي مستقبل بلدانهم لا تحركهم مصالح شخصية ولا أغراض دونية وانما همهم ليلا ونهارا الحرص علي مستقبل أوطانهم الذي هو في المقام الأول الحرص علي مستقبل أبنائهم.
فلننقب عن هؤلاء فالمخلصون كثر ومن لايحركهم دافع ولا شهوة لمنصب أو جاه اوسلطان اللهم إلا دافعهم ونياتهم إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت،فلتبحثوا يا قادتنا عن هؤلاءفانا نعلم انكم تحبون الناصحين.
أما ركاب السفينة الشعوب فحتي تستقيم هذه السفينة ولا يحدث بها خلل أو اعوجاج أو يصيبها الغرق والعياذ بالله،فما المطلوب منكم هل تتركوها وتقفزوا منها.ام نقف خلف ووراء قبطانها ومؤسساتها؟.
العاقل المتعقل العقول لا يقول نفسي نفسي فما أهلك أقوام من قلبنا الا الأنانية والاثرة.
العاقل يقول لا والف لا لن اقفز منها وانما اجتهد وأكد واعمل واجتهد بكل ما اوتيت من قوة واقف بكل كياني خلف ربانها كل في مكانه الطبيب في مشفاه،المهندس في مصنعه الكيميائي في معمله،القاضي في قضائه،الضابط،والجندي في حراسته،المعلم في مدرسته،الاستاذ الجامعي في قاعات درسه لا يحيدوا ولا يميدوا عن الصواب والجادة.
صحيح قد تكون المهمات شاقة والأراضي ليست ممهدة بالورود،وقد نصاب بالاخفاق احيانا كثيرة،وقد نحقق طموحاتنا،ونخفق وننجح لكن أنا تسألنا هل نوح عليه السلام كان طريقه ممهدا بالورود،هل ابراهيم الذي ألقي في النار كان طريقه ممهدا بالياسمين، هل محمد صلي الله عليه وسلم كان طريقه مفروش بالزعفران،من منا ألقي علي ظهره القاذورات، من منا ضرب حتي تورمت قدماه وسال الدم من قدمه،الحبيب حدث له ذلك ولم يمل الدعوة الإصلاحية ولم يكل.
ولا أحد يقول هؤلاء أنبياء، ولسنا كذلك، أرد عليك فورا لنا فيهم الأسوة والقدوة الحسنة.
نحن عندما نحقق المعادلة فسيكون الله تعالي من وراء القصد ستتنزل علينا رحمات الله تعالى، فلا عاصم لنا من كل هذه الأمور الا الله سبحانه وتعالي شريطة أن نبدأ الخطوة الأولى، وسيرحمنا الله تعالي ويجعلنا من المرحومين الفائزين في الدارين الدنيا بأن نحقق السعادة لأنفسنا ولاهلنا ولمجتمعنا ولأمتنا العربية.
وسأذكر آية كريمة لخصت الموضوع برمته (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون).
فهل سنحافظ على سفينة نجاتنا، السؤال لكم جميعا، لا نقول كلاما إنشائيا أو للاستهلاك، وإنما هي محاولة للإصلاح، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.