رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

دراسات غربية تحذر: احتمالية انطلاق موجة جديدة من الحراك في بعض دول الربيع العربي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد مرور 12 عامًا على ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي قامت من أجل إسقاط النظام السياسي القائم ومحاولة تغيير المشهد السياسي برمته، ومع انتشار ثورات الربيع العربي في العديد من البلدان العربية، في سيناريو مكرر ومشابهة ومن هذه الدول تونس وليبيا وسوريا واليمن وقبلهم مصر، تزايدت التساؤلات حول الآثار السياسية والاقتصادية لثورات الربيع العربي على هذه البلدان، خاصة في ظل استمرار الاضطرابات في بعضها، وعدم الاستقرار المؤسسي في البعض الآخر.

يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هناك وجهتي نظر في ثورات الربيع العربي وما تلاها، أولها هي أنها تجربة جيدة للدول العربية، منوهًا إلى أنه تم إساءة توجيه بوصلة الأحداث خلالها، فهذه الثورات قامت بالأساس من أجل تغيير وجه الحياة السياسية، ولكن ما حدث من دخول جماعة الإخوان الإرهابية على الخط، واستيلائها على السلطة، ومحاولة بناء شراكات تحت مبدأ مغالبة لا مشاركة، وتم اختطاف حدث التغيير في مصر كمثال.

محاولات التغيير السياسي

وأضاف فهمي في حديثه لـ"البوابة نيوز"، أن هذه الثورات لا يطلق عليها ثورة ولكن يطلق عليها حالة حراك في المجتمع، لافتًا إلى أن هذه الأحداث والحراك والتغيير الذي حدث في الدول العربية كانت مرتبطة بأمرين أولهما تغيير النظام السياسي، وبناء استحقاق سياسي جديد، لافتًا إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية التي وصفها بمحدودة الأفق بخطف حالة الحراك، وانقلبت على المسار الذي اتفقت عليه القوى السياسية آنذاك، وكان تحت شعار "مشاركون لا مغالبون"، وبدأوا في مشروع أخونة الدولة، من أجل خلق كيان مواز للدولة يسير في مسار خاص بهم بعيدًا عن كل القوى السياسية.

وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن تجربة مصر تشابهت مع بعض الدول العربية، وذهب البعض إلى أن تجربة تونس هي الأفضل، ولكن تجربة مصر هي الأفضل وهي التي كانت بوصلة للبقية وليست تونس، مدللًا بأن أغلب النظم التي تعرضت لمحاولات التغيير تحولت إلى فوضى، وتحولت هذه الدول التي سعت للتغير إلى فوضى كبيرة والجميع شهدها، ولكن نموذج مصر تم إنقاذه بثورة 30 يونيو، وهذه الثورة غيرت وجه الحياة في مصر، وأعادت السلطة للشعب، وتغيير المخطط الإخواني بشكل كبير.

"فهمى": تم إساءة توجيه بوصلة الأحداث.. ودخلت جماعة الإخوان الإرهابية على الخط 

ويقول "فهمي": أما تونس فلم تشهد التطورات الإيجابية التي شهدتها مصر، رغم مقاومة مصر للإرهاب الذي ما زال يخيم بظلاله من وقت لآخر، واستطاعت بناء مؤسسات قوية صامدة في وجه ما يحدث، لافتًا إلى أن تونس ما زالت تشهد فوضى رغم وجود رئيس وحكومة إلا أن هناك محاولات لاستعادة المؤسسات ولا يوجد استقرار عام أو سياسي بشكل كبير.

المظاهرات في تونس - صورة أرشيفية

واستطرد فهمي، أن الدول الأخرى التي شهدت محاولات تغيير ظلت كما هي، فسوريا التي رسمت حدودها بالدم بعد عدة محاولات للتغير ما زالت تشهد فوضى عارمة في شوراعها، واليمن لم تشهد أي استقرار أيضًا، بينما تم تقسيم ليبيا إلى ليبيا الشرقية والغربية.

تحذيرات غربية 

أما عن وجهة النظر الأخرى في ثورات الربيع العربي، كشف الدكتور طارق فهمي، أنه بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير هناك دراسات غربية تحذر إلى احتمالية وجود موجة أخرى جديدة من ثورات الربيع العربي وموجة للتغيير السياسي، وهذه المرة بشكل أوسع يشمل كل دول المنطقة.

ودلل "فهمي" على حديثه بأن العراق يشهد حاليًا موجات غضب وفوضى، وجنوب الأردن أيضًا، بينما تواجه مدن الضفة الغربية بفلسطين حالة من عدم الاستقرار، وإسرائيل تواجه نفس الأمر حاليًا وآخرها تظاهر ما يزيد على 150 ألف إسرائيلي خلال الأسبوع الماضي، فضلًا عن الأحداث التي تشهدها المغرب، وكل هذه الشواهد تشير إلى أن إقليم الشرق الأوسط وما يجاوره مهدد بموجة جديدة من الفوضى.

وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن ما يحمي الدول من هذه الفوضى هو وجود مؤسسات قادرة على البقاء والمواجهة، ومؤسسات قوية، وهذا ما تتمتع به مصر من وجود مؤسسات القوة التي لا علاقة لها بأنظمة الحكم، وتونس أيضًا تتمتع بذلك إلى حدٍ ما، ولكن إشكالية تونس تتمثل في عدم قناعة المواطن التونسي بما يجرى على أرض الواقع وعدم اعترافه بالنتائج التي تصدر، وهناك بعض الدول مهددة بالفوضى في حالة عدم القدرة على المواجهة، منها فلسطين وليبيا والعراق واليمن.

وأكد فهمي، أن النموذج الأقوى الذي استطاع المواجهة والتحرك بشكل جيد على أرض الواقع هو مصر، بما لها من مقومات ومؤسسات راسخة استطاعت مواجهة محاولة تغليب المصلحة.

وحول التدخلات الخارجية من الدول الغربية في الدول العربية واستغلال ثورات الربيع العربي قال أستاذ العلوم السياسية، إن البُعد الخارجي كان موجودًا في الثورات السابقة في كل الدول العربية بشكل كبير، ولم تكن ثورات خلاقة مثلما قال بعض المسئولين الغربيين آنذاك، ولكن كانت هناك تحركات مدروسة لنشر الفوضى وتحريض مباشر لإسقاط الأنظمة في الدول العربية.

المخطط الغربي

وتابع أن هناك دكتورا أمريكيا في العلاقات الدولية يدعى جيم شارب، وهو الذي وضع كل أفكار الثورات والفوضى والتغيير ومحاولات إنهاك الأجهزة الأمنية في الدول التي وقعت فيها ثورات مشابهة، لدرجة أنه قال "أنا من قمت بالثورة في ميدان التحرير وليش الشباب المصري".

واستطرد فهمي، أن الدول الغربية لا تستطيع التدخل مرة أخرى في نشر الفوضى أو التدخل في الدول العربية، وذلك لأسباب عدة منها أن هذه الدول منهكة الآن في اقتصاداتها، وتعاني من مشاكل عدم الاستقرار وأوروبا تعاني من نقص في الطاقة ولديها أزماتها، فضلًا عن الحرب الروسية الأوكرانية والتخوفات من وقوع حرب عالمية ثالثة، منوهًا إلى أن الدول الغربية لن تكون قادرة على التأثير في الدول العربية مرة أخرى والتدخل فيها وهذا العصر انتهى.

وحول استيعاب الدول العربية لما حدث، أكد فهمي أن أغلب الدول العربية ستظل تعاني من حالة عدم الاستقرار، وكل دولة لها ظروفها الخاصة، فالحالة اليمنية كمثال كما هي، وليبيا تم تقسيمها والأمر نفسه تم في فلسطين، والعراق تشهد فوضى غير منضبطة، لافتًا إلى أن حالة مصر تمثل ركيزة الاستقرار في الإقليم والشرق الأوسط، ومؤسساتها قوية وقادرة على ضبط حركة المجتمع الداخلي، وأما الناحية الاقتصادية فالعالم كله يعاني من نفس الظروف، ولكن لدينا حالة من التباكي وليس العمل، فالعالم يواجه ونحن نهول.

وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أنه نتيجة لكل هذه الأحداث فإن الحراك الشعبي الذي حدث في 2011 من ثورات الربيع العربي لم يؤت ثماره لاعتبارات متعلقة بأن هذه الدول وضعت نموذجا واحدا للتغير وحاولت تطبيقه في آن واحد، وليس أن يكون لكل دولة نموذجها الخاص بها، وهو ما أدى إلى الفشل في تحقيق التغيير السياسي لهذه الدول، والمخطط فشل في مصر لأنها كما قلنا لديها مؤسسات قوية قادرة على التحرك لمواجهة الأزمات.

جانب من مظاهرات 25 يناير - صورة أرشيفية

اختطاف الجماعة الإرهابية للثورة

أما المفكر السياسي الدكتور حسام بدراوي، فيرى أن ثورات الربيع العربي كانت بفعل فاعل، واستطاعت جماعة الإخوان أن تختطفها، مشيرًا إلى أن قوة مؤسسات الدولة المصرية استطاعت أن تستعيد الحكم، ومشددًا على أن كل دول العالم العربي الذي شهد حراك شعبي لم تحقق الأهداف السياسية التي طمحت إليها.

وأشار بدراوي، إلى أن ثورات الربيع العربي ذهبت فى اتجاه مختلف، حيث دخلت مصر وتونس واليمن فترة انتقالية غير واضحة، ودخلت سوريا وليبيا حربًا أهلية، ومصر تخطت هذه الفترة واستطاعت الاستقرار بينما ما زالت بعض الدول تعاني من الفوضى، فى حين ظلت الأنظمة الملكية الغنية فى الخليج والمغرب دون تأثر عميق بهذه الأحداث.

"بدراوى": ثورات الربيع العربى كانت بفعل فاعل.. واستطاعت جماعة الإخوان أن تختطفها

وأضاف بدراوي، أن أغلب المجتمع السياسى الحزبى في مصر كمثال، يسعى للاقتراب والتظلل بالسلطة التنفيذية، مما يؤثر سلبًا على عملية التنمية السياسية، موضحًا ضرورة إيجاد طريق جديد يتيح الاستقرار السياسى دون تكرار نموذج الحزب الواحد.

ولفت إلى أن الديمقراطية بمفهومها الغربي فشلت فى الدول النامية والفقيرة التى تتفشى فيها الأمية، وأن تحقيق التوازن بين الحق فى الحرية مع عدم السماح بالفوضى يتم عن طريق ثلاثة أعمدة، وهي «العدالة وأجهزة إنفاذ القانون والتعليم»، وهي ضرورية لتحقيق المعادلة الصعبة مع زيادة الضمانات الاجتماعية للحقوق، وأولها الصحة والسكن والمواصلات، وكل ذلك ممكن فى مصر فى عقد واحد من الزمن لأن مصر تملك ركائز النهضة.

وتابع، أن الشعوب التى تعيش فى ظل الأنظمة الجمهورية مثل مصر وتونس، فقد أرادوا إسقاط الرئيس ونظامه، ولكن لم يكن لديهم أفكار عما يجب فعله بعد ذلك غير المزيد من الدعوات للعدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أنه لم يكن لديهم فكرة بسيطة حول ما يجب القيام به، ولم تُوجِد لهم الثورات عصًا سحرية لإصلاح الاقتصاد أو التغلب على الفقر، أو حتى كيفية الحصول على الحرية فى ظل فوضى عارمة.

محاولات التيار الديني للتلاعب بالجماهير

وقال "بدراوي": بعد انتهاء التظاهر والثورة، ذهب المجموع الأصيل إلى منازلهم، وتبقى المحرضون والمستفيدون، وهو ما دفع الإخوان لسرقة ما حدث، أما الإسلاميون المتشددون، فكانوا أكثر اهتمامًا بصورة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة من خلال تفسيراتهم، وسعوا لملء الفراغ السياسى الذى تخلفه الثورات، مشددًا على أن مصر وتونس كانتا تقفان على مرتبة عالية من توجه اقتصادى سليم زاد من النمو والتنمية، وكان ممكنًا أن يؤدى إلى طفرات اقتصادية عملاقة.

وبعد مرور 12 عامًا على ثورة يناير والربيع العربي في بعض الدول العربي، حذر الدكتور حسام بدراوي من موجة جديدة من الفوضى ضد الدولة المدنية الحديثة، وسط دعوات تنادي بوأد الفنون والثقافة والتنوير والتلاعب بالعواطف الدينية، مشددًا أن التيار الإسلامي يختبر أرضيته قبل أي محاولات لإحداث تغييرات في المجتمع المصري أو محاولات لسرقة السلطة مرة أخرى.

مستقبل الثورات كان مخيف

في السياق نفسه؛ قال الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن كل دولة من الدول العربية التي تعرضت لموجة ثورات الربيع العربي في 2011، إن التعميم على كل الدول التي تعرضت للثورات قد يخل بها، لأن كل دولة لديها نموذج خاص بها بل والنموذج الواحد يختلف من توقيت لآخر، ولكن هناك العديد من القواسم المشتركة بين هذه الدول.

"ربيع": كانت هناك تنظيمات مستعدة لالتقاط الثمار.. وهو ما فعله الإخوان فى مصر وتونس 

وأضاف ربيع في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن هذه القواسم المشتركة منها عدم وجود قيادة لهذا الحراك والثورات في الدول العربية، وهو ما جعل مستقبلها مخيفا على أرض الواقع، والأمر الثاني أن هناك تنظيمات كانت مستعدة لالتقاط الثمار، وهو ما قامت به كمثال في مصر وتونس جماعة الإخوان الإرهابية، منوهًا أنها قد لا تكون قامت بحراك من الأساس، ولكن نفس الأمر فشل في سوريا، وكذلك وبعد سيطرة الإخوان على الحكم كان مستقبله غامضا وفشل بعد ذلك.

وتابع، أن هناك قوة مناهضة لهذه التنظيمات قامت واستفاقت نتيجة الأوضاع التي آلت إليها الدول بعد سيطرة فصائل معينة على الحكم، خاصة بعد قيام الإخوان كمثال في مصر بأخونة الدولة، وكل مشاركات الآخرين كانت صورية وقشور، وهو ما أدى إلى استفاقة لبقية القوى المدنية.

المظاهرات الليبية - صورة أرشيفية

وأوضح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن القوى المدنية في تونس واجهت جماعة الإخوان، فيما قامت القوى الأمنية في مصر نتيجة للحراك الشعبي واستجابة لمطالبه بالتحرك لمواجهة الجماعة الإرهابية، أما اليمن وسوريا فالوضع شبيه ويكاد يكون واحدا وهو وضع غير مستقر وفوضوي، أما ليبيا فالعنف موسمي وما زالت غير مستقرة، منوهًا أن الآثار السلبية ما زالت موجودة في العديد من الدول ومنها تونس، أما في مصر يوجد بعض الآثار التي يمكن للنظام تفاديها والعمل على إصلاحها من أجل إصلاح العملية السياسية.

وأكد ربيع، أن أحد أهم الإصلاحات التي يجب أن تتم من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية هو القضاء على اليروقراطية، وهو أمر لا يحتاج سوى لقرار قوي، فضلًا عن خلق مناخ سياسي وديمقراطي وكذلك نظام تعليمي، وهو ما يجب أن تقوم به الدول العربية من أجل تحقيق نتائج سياسية جيدة ودول قوية قادرة على المواجهة.

الآثار الاقتصادية

وحول الآثار الاقتصادية لثورات الربيع العربي، أصدر معهد التمويل الدولي تقريرًا تحدث فيه عن صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر التي تسهم بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وحدث انخفاضا حيث وصل إلى 2.5 مليار دولار فقط في عام 2011، بعدما كان يتراوح بـ 9 مليارات دولار في المتوسط سنويا خلال السنوات الخمسة الماضية وهو بذلك يمثل انخفاضا بواقع 60% عن مستواه.

وفي هذا الشأن الدكتور على الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري، أكد أن الآثار السلبية الاقتصادية لثورات الربيع العربي مستمرة وما زال المواطن يدفع ضريبتها، رغم من الاستثمارات التي تسعى الدولة إلى جذبها، منوهًا إلى أن هذه الآثار ليست بسبب الثورة فقط أو مواجهة الإرهاب بعد الثورة، ولكنها كانت متراكمة منذ عصر الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.

"الإدريسى": الآثار السلبية الاقتصادية لثورات الربيع العربى مستمرة.. والمواطن يدفع ضريبتها

وأضاف الإدريسي في حديثه لـ"البوابة نيوز"، أن حالات عدم الاستقرار السياسي والأمني التي مرت بها الدولة المصرية تحديدًا بعد ثورة يناير، أدت إلى اهتزاز ثقة المستثمرين والقطاع الخاص، منوهًا أن فترة ما بعد 2011 تنقسم إلى عدة مراحل، وهي المرحلة الأولى من 2011 إلى 2014 وهي فترة عدم استقرار سياسي وأمني، ثم من 2014 إلى 2017 فترة محاربة ودحر الإرهاب في سيناء وفي ربوع مصر، ثم من 2017 وحتى الآن وهي فترة الإصلاحات الاقتصادية وكلها فترات لها تكاليف اقتصادية كبيرة ولم تجن منها مصر شيئًا، ولكن المواطن هو من تحمل كل هذه التكاليف.

وحول تحسن المستوى الاقتصادي، أكد الإدريسي، أن التحديات تزيد وهو ما يؤخر تحسن مؤشر المستوى الاقتصادي، خاصة مع زيادة تكاليف المعيشة، وعدم وجود استثمار أجنبي مباشر، منوهًا أنه على الرغم من كل برامج الحماية الاجتماعية التي قامت بها مصر، مثل تكافل وكرامة إلا أنه من الواضح أنه يوجد تأثر سلبي على مستويات المعيشة.

وأوضح أن الآثار السلبية التي نعاني منها حاليًا كانت موجودة بالأساس من قبل ثورة يناير، بسبب عدم قيام مصر بالخطوات التنموية التي كان يجب أن تتخذها الدولة، ومرتبطة بالفساد الذي كان مستشري في البلاد، وعدم جذب استثمار مباشر، والحكومات السابقة ما قبل الثورة كانت تعمل على محاولات تخفيض مستويات معيشة المواطن، وتخفيض أسعار السلع الأساسية، على الرغم من المعاناة الاقتصادية.

وأضاف، أن الدولة المصرية نجحت منذ 2017 في برامج الإصلاح السياسي وإنشاء مشروعات جديدة، وبرامج الحماية الاجتماعية ولكن يظل التحدي الرئيسي هو ارتفاع تكاليف المعيشة، مشيرًا إلى أن الحكومة تفتقد جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يؤثر بشكل أساسي على الاقتصاد المصري، وجزء من انخفاض جذب هذه الاستثمارات هو الثورة، ولكن بعد ذلك فالحكومة غير قادرة على القيام بهذه الخطوة، والدول لا تعول على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، لأنها في حالة عدم استقرار الدولة يقوم المستثمر بالهروب بأمواله، ومصر ليست في حاجة لهذا النوع من الاستثمارات.

وأوضح أستاذ الاقتصاد، أن جائحة كورونا أيضًا كانت سببا في مواجهة المعاناة الاقتصادية التي تعرض لها المصريين، لأن الدولة المصرية قامت بدور قوي خلال هذه الأزمة ودعمت المواطنين من خلال برامج الحماية الاجتماعية وصرفت مبالغ كبيرة من أجل الحماية، وبما أنها نجحت في هذه الأزمة فبالتالي لديها الدرة على الاستمرار والنجاح، فضلًا عن التوسع في المدن الجديدة، ومحاولة استغلال 14 % من مساحة الدولة وليس 6 % فقط، نحن لدينا قصور ويجب أن نعمل عليه ونعالجه. 

وعن تجارب الدول التي تعرضت لثورات الربيع العربي ووضعها الاقتصادي، أكد الإدريسي أن اليمن تعاني اقتصاديًا والعراق وسوريا وليبيا نفس الأمر، بينما تونس وضعها ليس الأفضل اقتصاديًا ولكنها سياسيًا وأمنيًا بدأت في الاستقرار، مشددًا على أن مصر لديها ما يميزها خاصة الاستقرار الأمني والسياسي ووجود مؤسسات دولة قوية.

الثورة السورية - صورة أرشيفية

الفقر أهم أسباب الثورة

في دراسة بعنوان: "آثر الربيع العربي على اقتصاديات الدول العربية" والصادرة عن جامعة الجزائر في 2015، تحدثت الباحثة الدكتورة بوعزارة أحلام، عن تداعيات ثورة يناير على مصر قائلة "زاد العجز في الميزان التجاري بمقدار 4.2 خلال سنة 2010 - 2011، وفي مصر كانت إحدى جذور السخط هي الجشع الواضح لنخبة صغيرة من رجال الأعمال ذوي النفود السياسي الذين استولوا على منافع عملية النمو ويبدو ذلك واضحا في زيادة الفقر الملحوظة نتيجة الارتفاع في أسعار المواد الغذائية،  في وقت كان فيه الناتج المحلي الإجمالي للفرد يرتفع بمعدل 2%.

وتابعت "بوعزارة"، أن من أسباب ثورة يناير في مصر: "أن معظم السكان عندما‏ وجدوا فقرهم يتزايد في الوقت الذي شهدت فيه البلاد عمومًا ازديادًا في الثروة، تحولوا إلى الغضب والشعور المبرر بالظلم الاجتماعي والسخط".

وعن معدلات انخفاض الناتج القومي، أشارت الدراسة إلي أن ثورات الربيع العربي في مصر أدت إلى نتائج اقتصادية عديدة منها تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة لنحو 1% في عام 2011) بعدما كان قد حقق نموا بواقع 5% و3.7%  قبل الثورة في أوائل 2010، وكان التأثير الأكبر قبل وبعد الثورات قد طال قطاعات التصنيع والسياحة والاستثمارات الأجنبية.

كما تأثر معدل البطالة والتضخم بشكل سريع تجاه الارتفاع، حيث انخفض عدد السياح بنسبة 31% خلال شهر واحد وعانى ميزان المدفوعات المصري وحقق عجزًا يتراوح بين 10 و12 مليار دولار في السنة المالية 2011-2012.

كما كان لتحويلات العاملين في الخارج نصيبها من تداعيات الاضطرابات، إذ إن عودة أكثر من 100 ألف مصري تقريبا من ليبيا آثرت على تحويلات المصريين  في الخارج.

من ناحيته؛ قال إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مصر الديموقراطي، "إن هناك مساعدات وصلت لـ"20" مليار دولار من دول الخليج في عام 2014،  وهي من ضمن الأمور التي جعلتنا نقف صامدين بعد ثورة يناير وما حدث في حكم جماعة الإخوان الإرهابية".

“منصور”: لم نقم بتحديد أولوياتنا الاقتصادية بعد الثورة

واستطرد، أننا منذ ثورات الربيع العربي لم نقم بتحديد أولوياتنا الاقتصادية وتلك أزمتنا وكانت من ضمن التقييمات على رؤية الاقتصاد المصري من خلال ملاحظات على الموازنة العامة السنة الماضية، فالمشاريع القومية هامة بالطبع ولكن هناك تراتبية لكل  القرارات الاقتصادية ويجب أن يكون لدينا سياسات اقتصادية مستقبلية طويلة المدى.

وأضاف، أن الاستثمارات الأجنبية بعد ثورات الربيع العربي لم تجد البيئة الآمنة اقتصاديًا، لكي تنمو من جديد، فإشكاليتنا الآن ليس في الجنيه بل في العملة الصعبة والدولار، فأي اجراء يتم اتخاذه اليوم بشأن العملة  يجب أن يكون مدروسًا ويهتم بمجالي "التصدير والسياحة".

وتساءل منصور: هل نستطيع عمل طفرات بالسياحة؟ مجيبًا أنه يمكن هذا، نحتاج فقط إلي الثقة بكفاءات من الشباب لاستخدام أساليب دعاية حديثة تناسب منصات السوشيال ميديا، ونستطيع أيضًا أن يكون لدينا رؤية متكاملة إذا قامت الوزارات بالعمل على ما تركه السابقون من خطوات رشيدة، قائلًا: "لا نستطيع أن نظلم الثورات، مررنا منذ الثورة متعاقبين على حكومات فاشلة والبعض يصلح والآخر لا يصلح، وينتج عنها أننا لسنا في مشروع اقتصادي حقيقي".

"نهى": من حكموا لم يشعروا الجميع بالأمان فانقلب الأمر عليهم فى ثورة 2013

تشير نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إلى المنغصات الاقتصادية والسياسية داخليا استفادت منها قوى خارجية لتأجيج مشاعر الغضب وساهمت في نشر الفتن بل تتحول من ان يكون الاصلاح من الداخل الي بث فكرة تدمير النظام وبعض الدول الأخرى.

وتابعت: في الدول العربية لم يكن رد فعل شعوبها مثل الشعب المصري فقد كان الوضع مسيطرا عليه في مصر وتوقف عند المطالبة  بالتغيير، إلي حد أن تحولت الأمور إلى أوضاع دموية وحروب أهلية وتم الدعم بالسلاح من قبل قوي خارجية من أجل ان يكون لديها مكاسب على الأرض مثل ليبيا وتدخل حلف الناتو وما  حدث في اليمن وسوريا أيضا.

وأكدت بكر: انفصل الناس إلى "نحن وهم" بل وزاد الأمر واستخدام السلاح وانتشاره أدى إلى تفاقم الإرهاب في المنطقة وأصبحت هناك دول يعمها الفوضى لتصبح مرتعا للجماعات المتطرفة والإرهابيين.

 

هل إدارة الأزمات صناعة لم تتمرس عليها المعارضة؟

تجيب "نهي": لا أنظمة الدول قادرة على إدارة الأزمات فجاءت ردود الأفعال متأخرة، فلدينا بن على جاء رده وخطابه متأخرًا عندما قال "وصلتني الرسالة" ومبارك وخطابه العاطفي، الفجوة الوقتية في الاستجابة لمطالب الشعب ساهمت في تدخل قوي خارجية وداخلية لها مصالح في صيرورة الثورات.

أما عن المعارضة؛ فتشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إلى استخدامها مبدأ "الإقصاء والتهميش" وأهلي وعشيرتي والباقي يذهب للجحيم مما ساهم في غضب الشعوب، فهي لا تريد هذا، مضيفة كما سعت المعارضة التي تبوأت الحكم إلى حصد المكاسب وجعلها تشمل فقط عشيرتهم ففي مصر مثلا ظهر شعار مصر دولة إسلامية وتم إقصاء 10% من الأقباط كأنهم غير مصريين أو أنهم خارج الحسابات.

وتابعت: "ببساطة شديدة من حكموا لم يشعروا الجميع بالأمان وانقلب الأمر عليهم في 2013 كما حدث مع الإخوان، واندلعت ثورة أخرى وكانت مصر على شفا الاندلاع ورأينا هذا في معسكرات الإخوان في رابعة والنهضة، فإما أن تكونوا "معي ومع الله" أو "ضدي وضد الله".

كما يقول الدكتور أحمد يوسف،  أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أنه عقب ثورات الربيع العربي كانت فترة حرجة وشديدة الارتباك ولم يكن هناك إلا فصيل "الإسلام  السياسي" الوحيد المنظم والذي انقض على الثورة عقب اطمئنانه من نجاحها، وكان هذا هو ما سبب ضرر للثورات فالقوى الثورية كانت مشتتة ومنقسمة حول أهدافها.

"يوسف": الأحزاب السياسية فى الوطن العربى ضعيفة.. وهذه سمة عامة فى السياسة العربية

وأشار "يوسف" إلى أن مصر في 2013 كانت سنة حكم الإخوان وعقب ثورة يونيو كان الطريق لصد هجماتهم الإرهابية وأعمال العنف حتى السنة الأولى من حكم الرئيس السيسي، وكل تلك الأمور سواء فيما يتعلق بما أحدثته الثورة أو  تدهور الأوضاع الاقتصادية كانت بسبب هذه الملابسات.

هل هناك نموذج حقق ولو 70% من أهدافه؟

ويجيب دكتور أحمد يوسف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن الإجابة الدقيقة على هذا السؤال مستحيلة نحن أمام عدد من التحولات وتغير الحكام  في ثلاث دول عربية "تونس ومصر واليمن" والتحقت بهم "السودان" بعد عشر سنوات من الموجة الأولى، ثم لعب الإخوان المسلمون دورا حيويا فيما تلى هذا، وفي تونس تصدروا المشهد ولم ينفردوا به، وفي مصر تصدروا المشهد سنة واحدة، وفي اليمن، كان الوضع مشابها أيضا حيث تصدر الحوثيون المشهد كنوع من فصائل الإسلامي السياسي الشيعي مدعوما من ايران. 

وتابع: أما في الحالة الليبية فقد سقط نظام  القذافي بمساعدة خارجية من الحلف الاطلنطي ولم تخرج منه حتى الآن وما زالت سوريا لم تخرج من هذا الموضوع أيضا، قائلا "قد يكون من الغريب في بعض الحالات المحدودة التي لم تتمكن الانتفاضات الشعبية من إزاحة الحكام تحقق قدرا من المكاسب حدثت تنازلات أو استجابة جزئية، فعلى صعيد آخر في المغرب والأردن وسلطنة عمان إن لم تكن الانتفاضات بالقوة بحيث تطيح بالحكام ولكن حدثت تنازلات هدأت الأجواء واستطاع الحكام استيعاب هذا الغضب سريعا.

الإجابة: ليست تونس؟

ويشير "يوسف" على المدى القصير بدى أن تونس هي أكثر المستفيدين من ثورات الربيع العربي بسبب تمكنهم من إيجاد وضع سياسي في أعقاب الثورات وبطريقة تبدو بآليات ديموقراطية  ولكن راينا كيف  أوصلت تونس إلى حالة من التجمد والفساد وقيام الرئيس التونسي بمبادراته أدخلت البلاد  في دوائر عدم الاستقرار، ونفس الشيء للسودان.

هل هناك أياد خارجية استغلت الثورات؟

قال الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن أي ثورة بحكم التعريف لا يمكن أن تكون نابعة  من عوامل خارجية لا بد أن يكون لها مسبباتها الداخلية مثل تدهور أوضاع اقتصادية متدهورة وعدم وجود عدالة اجتماعية.

ويستدرك قائلا: لكن هذا لا يعني أن هناك أيادى خارجية تحاول تحريك الأمور لتحقيق مصالحها، فانتفاضة الشعب السوري مثلا  لها مسبباتها الداخلية ولكن تدخلت قوي عربية وإقليمية ودولية لدفع الامور لاتجاه مصالحها والاصل في الثورات أسبابها داخلية ولكن طبيعة العلاقات الخارجية أنها تقوم على المصالح جعلت كل قوى إقليمية أو عالمية قادرة على التدخل ان تتدخل.

هل انزوى دور الأحزاب السياسية بعد اندلاع الثورات؟

يؤكد "يوسف" أن الأحزاب السياسية في الوطن العربي ضعيفة بدرجات متفاوتة وأن هذه سمة عامة في السياسة العربية ولا نستطيع القول بأنه انتهى فهي ليست مثل على  حالة الأحزاب في الغرب، فمع وجود كل هذا التطورات اعتبارا من العقد الثاني لم يكن للأحزاب دور فيها، فمثلا لبنان قامت بثورتها دون أي مردود فكل طائفة لها حزب وكل حزب له أهدافه.