ديناميكية غزو القوى الناعمة الإخوانية للمجتمعات الأوروبية
ننشر لأول مرة وثيقة تشكيل القيادة المؤقتة للجماعة بعد ضربة عبد الناصر عام 1954 من عناصر غير معروفة للنظام أو أجهزة الأمن فى مصر ويعيشون جميعًا خارج البلاد
يبلغ حجم الشراكة الاقتصادية مع كبرى الشركات فى الاتحاد الأوروبى حوالى 33 مليار يورو.. بالإضافة إلى العلاقات القوية التى تربط التنظيم بدوائر صنع القرار فى الاتحاد الأوروبي
مخطط التنظيم الدولى يهدف إلى اختراق مؤسسات الغرب والهيمنة عليها
فى عام ٢٠٠٩ وبالتحديد عقب أن قامت أجهزة الأمن المصرية بضبط عدد من قادة الإخوان وكوادرهم وقدمتهم للمحاكمة فى القضية التى اشتهرت إعلاميا بقضية التنظيم الدولى، تمكنت أجهزة الأمن المصرية بهذه المناسبة من الاطلاع على استراتيجية الاختراق عبر القوى الناعمة للجماعة فى مصر والعالم.
من التنظيم المركزى إلى الشبكات السرية
كنت على موعد مع الضابط المسئول عن قسم متابعة تنظيم الإخوان بجهاز مباحث أمن الدولة فى مصر والذى أشرف على محاضر التحريات الخاصة بالقضية.. وفوجئت بالرجل يباغتنى بالسؤال: هل تعتقد أن أعضاء مكتب إرشاد الجماعة الذين نعرف أسماءهم وقدراتهم جيدًا هم من يديرون تلك الجماعة الأخطبوطية على مستوى العالم؟.. قلت له: إن لم يكن هم فمن يدير تلك الجماعة من وجهة نظرك؟.. رد الرجل قائلًا: ليست لدى معلومات محددة، ولكن من خلال معرفتى الوثيقة بقدرات هؤلاء الأفراد، أستطيع أن أقول لك إنهم لا يستطيعون أن يديروا شركة متوسطة الحجم، فما بالك بتلك الجماعة المهولة المنتشرة تقريبًا فى نصف الكرة الأرضية؟
سؤال الرجل وإجابته لم يفاجآنى كثيرًا لأننى كنت دائمًا على يقين أننا فى مصر ننظر إلى أحد وجوه جماعة الإخوان، وهو التنظيم الهرمى الذى يتشكل من المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى، وأن هذا الوجه من التنظيم يمثل، إذا جاز التعبير، «العلامة التجارية» التى يقابلها فى المجال السياسى نظام الملكية الدستورية؛ حيث تتملك الأسرة وفق هذا النظام هناك فى حين أن الحكم الفعلى بيد قوى سياسية موازية تمتلك الغالبية بشكل أو بآخر وتتناوب على الحكم وفقًا للدستور.
هذا التحول كنت قد رصدته وتناولته بالتحليل فى عدة دراسات لى أهمها «الملفات السرية للإخوان»، و«أزمة تيار التجديد»، و«دولة الإخوان» وغيرها من الدراسات.
ومن وجهة نظرى؛ بدأ التفكير فى هذا التحول من النظام الهرمى إلى نظام الشبكة منذ فترة بعيدة عندما تم ضرب الجماعة للمرة الأولى فى عام ١٩٤٨ على أيدى حكومة إبراهيم باشا عبد الهادى زعيم حزب الأحرار الدستوريين فى مصر، انتقامًا منهم لاغتيالهم لرئيس الوزراء آنذاك محمود فهمى النقراشى بعد إقدام الأخير على اتخاذ قرار بحل الجماعة ردًا على عملياتها الإرهابية داخل مصر.
لقد كانت تلك الأحداث التى انتهت بمقتل مؤسس الجماعة ومرشدها العام حسن البنا هى بداية التفكير الحقيقى لانتقال الجماعة من مفهوم التنظيم الهرمى ذى الرأس الواحد والواضح، مع الحفاظ عليه داخل عدد من الأقطار، ومنها بلد المنشأ مصر، إلى مفهوم الشبكة التى تشبه الأخطبوط ذو الأذرع المتعددة. ثم جاءت ضربة عبدالناصر القاصمة للجماعة فى عام ١٩٥٤ لتسرع من اتخاذ هذا الخيار والبدء فى تنفيذه.. وقد عثرنا على خطاب قديم يحمل بريد أم درمان بالسودان يحتوى على أسماء القيادة المؤقتة للجماعة فى سنوات المحنة وجميعهم من غير المعروفين للنظام أو أجهزة الأمن فى مصر آنذاك بل إن من بينهم من كان النظام يعتبره واحدًا من أعوانه.. الأغرب أنهم جميعا كانوا يعيشون خارج مصر (مرفق صورة للوثيقة).
التنازل الكامل عن التنظيم الهرمى
عقب سقوط مرسى اجـتمع فى إسطنبول بِتارِيخ ١٤ يوليو ٢٠١٣ أعضاء من التنظيم الدولى فى فندق هولِيداى (holiday inn) بالقرب من مطار مصطفى كـمال أتاتورك، وكان مقرر الجلسة هو التونسى راشِد الغنوشى نائب الأمين العام للتنظِيم الدولى وعضو اللجنة الاستشارية الدائمة وأحد أعضَاء لجنة الحكماء الـمنبثقة، كما حضر الاجتماع، محمود حسين، على محمد أحمد جاويش، إبراهيم المصرى، المراقب العام لتنظيم الإخوان اللبنانى (الجماعة الإسلاميّة)، على باشا عمر حاج، الـمراقب العام لتنظيم الإخوان فى القرن الإفريقى، محمد رياض شقفة، الـمراقِب العام لتنظيـم الإخوان السورى، محمد فرج أحمد، القيادى فى تَنظيم الإخوان فى كردستان، زياد شفيق مـحـيـسن الراوى، الـمراقب فى تنظيم الإخوان العراقى، شيخان عبدالرحمن محمد الدبـعـى، القيادى فى تنظيم الإخوان اليمنى، محمد الهلالى النائب الثانى لرئيس حركة التوحيد والإصلاح الـمغربية، أقروا فيه السياسة الجديدة وهى تحول الإخوان إلى شبكة بلا تنظيم خاصة فى أوروبا وأمريكا.. ومن ذلك التاريخ بدأ التنظيم الهرمى فى التنازل كليةً لصالح إنشاء شبكة عنكبوتية للجماعة.
أوروبا مركز العمل الإخوانى الجديد
مع الترتيبات الجديدة أصبحت أوروبا تمثل فى خطة الإخوان الجديدة، الحاضنة والملاذ الآمن للجماعة.
إن التشظى الظاهر لجماعات التيار الإسلاموى المختلفة إنما يخفى فيما وراء ستار التناثر! الدور القيادى للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى يحمل مخططًا مستقبليًا يهدف إلى اختراق أوروبا.
وفيما يلى: رصد لبعض أهم الاختراقات التى قامت وما زالت تقوم بها الجماعة للمجتمع الأوروبى.
أولًا: الشركات والمؤسسات
الشبكة المالية للإخوان المسلمين من الشركات القابضة والتابعة، والمصارف الصورية، وغيرها من المؤسسات المالية، تنتشر فى بنما، وليبيريا، وجزر فيرجن البريطانية، وجزر كايمان، وشمال إيطاليا، وسويسرا، وقبرص، ونيجيريا، والبرازيل، والأرجنتين، وباراجواى. وأغلب هذه المؤسسات مسجلة بأسماء أشخاص مثل ندا ونصر الدين والقرضاوى وهمت، الذين يقدمون أنفسهم بشكل عام كقادة فى الجماعة.
بريطانيا
وفقًا للسجلات البريطانية، فإن أهم مؤسسة مالية للإخوان فى بريطانيا هى مؤسسة الإغاثة الإسلامية التى أُنشئت عام ١٩٨٩ فى ٢٨ دولة، يترأس مجلس إدارتها، مجموعة من قيادات «الإخوان» المسلمين، على رأسهم المصرى عصام الحداد والعراقى أحمد كاظم الراوى، وهو شقيق الدكتور عصام الراوى أحد أقطاب تنظيم الإخوان المسلمين فى العراق، إضافة إلى آخرين، من بينهم الدكتور هانى عبدالجواد البنا المنصورى.
وفى بريطانيا أيضًا، مؤسسة أوروبا: تأسست عام ١٩٩٧ ويقع مقرها فى «ليستر شاير»، شغل منصب مديرها التنفيذى «أحمد الراوى»، وهو عضو فى المكتب الدولى لجماعة الإخوان، وتمتلك «مؤسسة أوروبا» (٤٧) شقة سكنية على الأقل بالقرب من جامعة «ليدز» وتقوم بتأجيرها للطلبة الذين لا يعرفون أن أموالهم تستخدم فى تمويل أنشطة جماعة الإخوان المسلمين.
ويبلغ حجم الشراكة الاقتصادية مع كبرى الشركات فى الاتحاد الأوروبى حوالى (٣٣) مليار يورو، بالإضافة إلى العلاقات القوية التى تربط التنظيم بدوائر صنع القرار فى الاتحاد الأوروبى.
سويسرا
تعتبر سويسرا من أوائل الدول الأوروبية التى شهدت خطة التنظيم الدولى للإخوان فيما يخص استغلال المنظمات المدنية والاجتماعية، وبدأت الجماعة فى تأسيس المعاقل لإحتواء مسلمى الغرب وتشكيل جبهة جديدة موازية، وكان «المركز الإسلامى فى جنيف» من أهم تلك المعاقل، وأسسه سعيد رمضان (سكرتير حسن البنّا وزوج ابنته) فى أوائل الستينيات من القرن الماضى، ولا يزال المركز يقدم خدماته لمجتمع المسلمين والإخوان هناك.
هذا بالاضافة إلى جمعيات أخرى تبلغ ميزانيتها السنوية عشرات الملايين من الدولارات.. ويسيطر عليها الجيلان الثانى والثالث من الأبناء كأبناء سعيد رمضان (طارق وهانى رمضان) على سبيل المثال.
فرنسا
هناك ٢٥٠ جمعية على الأقل تنتمى إلى اتحاد منظمات مسلمى فرنسا، أهمها:
- جمعية الطلبة المسلمين فى فرنسا المعروفة اختصارًا بـ«EMF»، وهى وريثة الاتحاد الإسلامى لطلبة فرنسا UISEF.
كان ممن استقبلتهم هذه الجمعية كأعضاء بها ومتضامنين، شخصيات مثل حسن الترابى (الرجل الثانى فى عهد نظام الحكم الإخوانى الأسبق فى السودان ١٩٩٠-٢٠٠٠)، وراشد الغنوشى الإخوانى التونسى النهضوى الذى ركب حركة ثورة الربيع العربى فى تونس.
- الرابطة الفرنسية للنساء المسلمات المعروفة، اختصارًا بـ «LFFM»
- المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية «IESH» وهو تحت سيطرة وإشراف اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا Union des organisations islamiques en Europe المعروف اختصارًا بـ «UOIE»وذلك منذ عام ٢٠١٧ فى إطار استراتيجية القوى الناعمة التى تنتمى بوضوح وعلنًا لجماعة الإخوان.
من أعضاء هذا الاتحاد، يمكننا أن نذكر الإمام من أصول مغربية حسن إيكويوسين Iquioussen الذى ظل هاربًا فى بلجيكا بعد صدور حكم قضائى بطرده من فرنسا بسبب «تعليقات تحرض على الكراهية والتمييز»، إلى أن قرر القضاء البجيكى تسليمه إلى بلاده «المغربـ« التى وصل إليها فى ١٤ يناير الجارى. ومن قبله نذكر هانى وطارق رمضان.. وقد أسس اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا الإمام الإخوانى الشهير يوسف القرضاوى الذى كان يجمع الأموال لمنظمة حماس التى تمثل فرع الإخوان المسلمين بغزة. ويمكننا رصد العديد من الأمثلة فى ألمانيا والنمسا وهولندا على غرار بريطانيا وفرنسا وسويسرا لولا ضيق المساحة.
إستراتيجية الإخوان
تهدف إستراتيجية الإخوان فى نهاية المطاف إلى أسلمة القارة، لكنهم لا يضعون جدولًا زمنيًا محددًا كالعادة لهذا العمل الذى يسعون إليه بجد واجتهاد ويساعدهم فيه للأسف بعض من ساسة أوروبا.
بالطبع، هناك أهداف تكتيكية يضعها التنظيم لتحقيق الاستراتيجية النهائية منها:
- نشر مفهومهم للدين الإسلامى وبالتالى أخونة الإسلام فى أوروبا.
- تعزيز الهوية الإسلامية المقاومة للاندماج (وهو منطق رفض الانصهار وفقدان الهوية).
- تمثيل المسلمين الأوروبيين أمام السلطات (وهو ما يسمى باختراق مؤسسات الدولة).
- المساهمة فى وضع كافة السياسات المتعلقة بالإسلام من قبل الدول الأوروبية.
يمكننا إذن أن نخلص إلى القول بأن حالة الاستقطاب التى يقوم بها الإخوان وتأجيج روح الكراهية بين المسلمين وغير المسلمين، ومحاولتهم التأثير على القيم الأوروبية بالسلب واختراق مؤسسات المجتمع المدنى لتغيير التركيبة الاجتماعية للمجتمع الاوروبى.. هى تهديدات حقيقية يجب على الحكومات والساسة فى الغرب أن يواجهوها قبل فوات الأوان.
ولعله من المفيد فى هذا الصدد أن تصغى فرنسا وأوروبا كلها إلى خبرات الدولة المصرية المسلمة التى كانت الهدف والضحية الأولى لهذه الجماعة.
إذ تخطئ أوروبا بتقديمها أو بالأحرى بإهدائها (على طبق من فضة!) إسلام المسلمين الأوروبيين منهم والمهاجرون، كلقمة سهلة سائغة لقادة هذه الجماعة التى تحارب قيم ومبادئ القارة الأوروبية، التى تلجأ إليها وتلوذ بها بينما تستقبلها المجتمعات الأوروبية وتحسن إليها!