الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ليوناردو دينى يكتب: السلام فى أوكرانيا.. حقيقة أم يوتوبيا؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الطريق إلى السلام موجود وممكن.. والأمر متروك لأبطال التاريخ ليصبحوا أبطال السلام والبدء فى تنفيذه

هل السلام أمر ممكن فى أوكرانيا؟ متى وكيف وأين؟ وبأى طرق دبلوماسية؟.. بالنسبة للفيلسوف والمتخصص فى الجغرافيا السياسية الروسية - الأوكرانية، ليوناردو دينى، المتواجد فى أوكرانيا وتحديدا فى منطقة «لفيف» منذ بداية الحرب، فإن السلام الذى يبدو مستحيلًا فى الوقت الحالى ولن يكون أمرًا ممكنًا إلا إذا تم إعادة تعريف موازين القوى فى الهيكل الأمنى الأوروبى الحالى.. هذا الأمر يسير بالتوازى مع مقترحات إيمانويل ماكرون التى أعلنها فى بداية ديسمبر والتى انتقدها أكثر المدافعين عن كييف.
يجب النظر إلى هذا «الكيان الأمنى الأوروبى واليورو- آسيوى» الجديد فى عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد خاصةً فى ضوء الدور الناشئ لأوروبا «اليورو- آسيوية» والتمكين التدريجى لبلدان الشرق الأوسط والشرق الأقصى مثل الصين والهند وإيران وتركيا والإمارات.. كل ذلك فى مواجهة الأحادية الأمريكية وأيضا الهيمنة الغربية.
لا يوجد حرب بدون نهاية أو بمعنى آخر لا يوجد ما يسمى بالحرب الأبدية. كل حرب تنتهى بسلام، فقد انتهت حرب الثلاثين عامًا (١٦١٨-١٦٤٨) المشابهة للحرب الحالية بسلام.. الجنس البشرى مخلوق من أجل السلام وليس من أجل الحرب. ستمثل نهاية الحروب على هذا الكوكب مرحلة حاسمة لتطور البشرية على وجه الأرض. لا شك أن الطاقات والقدرات التى تتجه بشكل غير مسؤول إلى الأسلحة والحروب، كافية للغاية من أجل خلق حقبة استثنائية من التقدم العلمى يمكن أن تحسن بشكل كبير نوعية الحياة والجنس البشرى وإمكانياته.
الحرب تعتبر الشر الأسوأ للإنسان؛ ومن هنا تلتزم فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بالسلام ودعم أوكرانيا التى تعرضت للغزو فى حين أن روسيا منهمكة فى حرب بين الأشقاء كما بين قابيل وهابيل، والتى اتضح أنها حرب أهلية بين شعبى موسكو وكييف تلك المدينة التى كانت فى السابق العاصمة الثانية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، إنها حرب بين الأرثوذكسية الشرقية والغربية.
من خلال خطة بوتين والبطريرك كيريل ورئيس الوزراء ميدفيديف آنذاك، ولدت «روسيا الجديدة»، باستحضار «الجيل زد»، أى «جيل الألفية»، لإعادة توطين أوكرانيا واستعمارها بالمتدينين الأرثوذكس الموالين للكرملين، وتقديم السكن والوظائف المجانية لهم فى ماريوبول كما هو الحال فى جميع المناطق. ومع ذلك، تمامًا كما كانت هونج كونج، حتى مع كل عيوب الرأسمالية البريطانية، أفضل حالًا فى استقلالها عن الصين، كذلك فإن أوكرانيا «المُتأمركة»، أو إذا كنت تفضل أن نقول «أوكرانيا التى أصبحت أوروبية»، على هذا النحو، فإنها تشكل تهديدًا لموسكو. على العكس من ذلك، فإن الديمقراطية تشكل تهديدًا باعتبارها نموذجًا مضادًا لروسيًا، وهى ديمقراطية موجودة بالفعل وتتواجد على الأرض فى أوكرانيا، ولها دورها فى السراء والضراء، بينما لا يزال الروس والبيلاروسيون يعتمدون على الأب الرئيسى للقيصر وفق «الطريقة الستالينية».
إبان الاتحاد السوفيتى، يجب أن نذكر أنه لا أحد كان يمكنه أن يمتلك شبرًا واحدًا من الممتلكات أكثر من الآخرين. أما فى أوكرانيا، منذ عام ١٩٩١، كانت هناك علمانية جماعية وكان ذلك يمثل خطرًا على الكنيسة الأرثوذكسية، وهى التى عاشت مع ذلك ككنيسة صامتة بدون أى تحركات، خلال فترة الاتحاد السوفيتى.
السلام أمر ممكن دائمًا
يعيدنا ذلك إلى مسألة السلام: يمكن أن ينشأ خيار وطريقة سلام، بشكل غير متوقع، على وجه التحديد من الكنيسة الأرثوذكسية وفى إطار حوار غير رسمى حقيقى مع الحبر الرومانى (كبير الرهبان). وبمعنى أكثر إختصارًا، فى إطار اتفاق دينى بين بطريرك موسكو وبطريرك كييف، دون أن ننسى مساعدة بطريرك أثينا للروم الأرثوذكس. وفى الوقت نفسه، لا يمكن أن يفشل مسار السلام هذا من خلال الاعتراف المتبادل بالدولتين المستقلتين وذات السيادة، الأوكرانية والروسية والكنيستين، باختصار: روسيا الجديدة التى لا تلغى أوكرانيا.
علاوة على ذلك، فإن الرئيس الروسى، على عكس القيصر ألكسندر وستالين، لم يذهب إلى الجبهة للقتال والمجازفة المباشرة بحياته، بل تعلم درس التاريخ من بورودينو إلى واترلو، من حصار كييف إلى حصار ستالينجراد، وتظهر الحرب العالمية الثانية أن بوتين يتصرف بطريقة متناقضة للغاية. لسوء الحظ، فإن كنيسة كيريل الأرثوذكسية اليوم هى التى تشجع الحملة الصليبية، والحرب المقدسة التى لم تنقلب هذه المرة ضد نابليون أو هتلر وموسولينى، ولكن بشكل عام ضد الغرب. علاوة على ذلك، كان البطريرك كيريل فى الماضى عميلًا سابقًا للمخابرات السوفيتيةKGB، وبالتالى ربما كان زميلًا سابقًا لفلاديمير بوتين فى وقت الاتحاد السوفيتى. إن هذه الحملة الصليبية برمتها التى شنتها روسيا تعيد إحياء الهوس المعادى للغرب الذى يوحد طالبان والجهاديين والمتطرفين السُنة والشيعة والإيرانيين والعرب والأصوليين، بالإضافة إلى جزء من إفريقيا، لكن هذه الجبهة تخلق تسونامى أو ما يمكن تسميته «انهيار جليدى ظلامى مناهض للغرب يروج لعصور وسطى جديدة».

بناء السلام يتضمن عدة خطوات:
- الخطوة الأولى: انضمام أوكرانيا الفعلى إلى أوروبا، وقد قبلت روسيا انضمامها بالفعل.
- الخطوة الثانية: إنشاء سوق اقتصادى ومالى أوروبى آسيوى مشترك، مفيد للجميع، بما فى ذلك القلة الروسية وبنوك الاستثمار فى لندن وشركات النفط الأمريكية وأمراء الخليج، ناهيك عن المستثمرين الصينيين مثل المستثمرين فى وول ستريت.
- الخطوة الثالثة: الاعتراف بالحدود بين روسيا وأوكرانيا: إذا كان لينين قد أعطى دونباس لأوكرانيا فهذا لا يعنى أن أوكرانيا ليس لها الحق فى الوجود أو ضم تلك الأراضى فى حد ذاتها. وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا، خلال الفترة السوفيتية، حتى عام ١٩٩١، كان لها مقعد كامل فى الأمم المتحدة مثل بيلاروسيا، وبالتالى كان لديها استقلال قانونى رسمى حقيقى منذ عام ١٩٤٥ معترف به من قبل روسيا والاتحاد السوفيتى، مع العلم بأن كييف وليس موسكو، كانت عاصمة جمهورية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
الحكم الذاتى الذى طالبت به تكساس، فى الولايات المتحدة الأمريكية، لفترة طويلة، ولكن بدون مقعد مستقل فى الأمم المتحدة. وأوكرانيا هى بالتأكيد دولة حديثة كانت موجودة منذ مايقرب من قرن ولم يتم تحديد شكلها الحالى إلا منذ عام ١٩٩١ وعاصمتها كييف، وهى مدينة روسية تاريخية وموطن للثقافة والتاريخ والدين الروسى.
النظرية الثالثة للسلام
من الضرورى إطلاق دعوة إعادة بناء الهيكل الأمنى فى أوروبا، من خلال إنشاء «يالطا جديدة» أو «مينسك ٢»، مع جو بايدن، زيلينسكى، إيمانويل ماكرون، فلاديمير بوتين، شى جين بينج، لوكاشينكو، وأردوغان.. يجتمعون جميعًا فى مكان محايد قد يكون سويسرا أو تركيا. سيكون الهدف هو التفكير فى الحدود الجديدة بين الشرق والغرب، وبين الغرب والشرق، وبين أوروبا وآسيا.
ما الذى قد يحدث بعد ذلك؟ توازن جديد ولكنه سريع الزوال كما اختفت اتفاقيات يالطا، التى كانت معتمدة لأقل من قرن، وأيضا اختفاء اتفاقيات مينسك. لا يمكن تحديد الحدود الجديدة إلا إذا تم نبذ الحرب كأداة لتسوية النزاعات الدولية، كما تدرسها الدساتير الأكثر تقدمًا، بدءًا من الدساتير الإيطالية والفرنسية.
إن الطريق إلى السلام موجود وممكن، والأمر متروك لأبطال التاريخ ليصبحوا أبطال السلام والبدء فى تنفيذه.
يجب توجيه الدعوة للروس والأوكرانيين من أجل إعادة اكتشاف علاقتهم الأخوية الأصلية ليصبحوا أصدقاء مرة أخرى وليسوا خصومًا، وأيضا من أجل إعادة اكتشاف معنى أصلهم وتاريخهم فى سلام واحترام. بشكل ملموس، يمكن لأوكرانيا أن تعترف بجزء من مناطق الأقليات الناطقة بالروسية أو المؤيدة لروسيا التاريخية، والتى تم توثيقها منذ عام ١٦٠٠ على أنها تنتمى إلى روسيا، ويمكن أن تتمتع شبه جزيرة القرم بوضع منطقة حكم ذاتى، ثم ستبقى روسيا بحكم الأمر الواقع فى دونباس كما حدث مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية فى جورجيا، دون اعتراف رسمى بالسيادة الروسية ولكن يوجد تدقيق وتواجد روسى كما حددته اتفاقيات مينسك بالفعل. 
ومع ذلك، من الضرورى بالفعل، مع مينسك ٢، بناء إدارة اقتصادية ومالية وموارد مشتركة فى كل من دونباس وشبه جزيرة القرم. يعتبر وضع الحزبين الخاص والإدارة المشتركة بين أوكرانيا وروسيا للأراضى المتنازع عليها أمرًا ضروريًا ويجب أن تتم الموافقة عليه من قبل مينسك ٢ أو ما قد يسمى «سلام اسطنبول» فى عام ٢٠٢٣، وهو سلام مضمون افتراضيًا من قبل أردوغان وإسرائيل كدول وسيطة. مع النتيجة الإضافية للتقارب بين الوسيطين، بين تركيا وإسرائيل، فإنه مفيد للتهدئة فى الشرق الأوسط. يجب على روسيا إعادة مناطق زافوريجا وخيرسون على الأقل إلى أوكرانيا. يمكن لروسيا أن تعترف بأوكرانيا فى الاتحاد الأوروبى، وبالتالى تخفف من استخدام حق الفيتو على عضوية الناتو، وتتجاوز أيضا فكرة التكافؤ بين الناتو والنازية! وذلك هراء «منطقى موضوعى فى خطاب الكرملين». 
ولدت السويد وفنلندا ودول البلطيق الأعضاء السابقون فى الاتحاد السوفيتى لأننا تأكدنا من أنهم لا يستطيعون تهديد روسيا. لكن ماذا عن أوكرانيا؟ إن اتفاقًا مثل اتفاق سولت بين ريجان وجورباتشوف سيكون كافيًا لتنظيم الحدود بين الشرق والغرب، والتى لم يعد من الممكن اعتبارها تطويقًا تدريجيًا من قبل روسيا، ولكن كعنصر دفاعى مشترك، للتغلب على العداء بين روسيا وحلف شمال الأطلسى. 
من ناحية أخرى، ستكون أوكرانيا المستقلة فى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى بشكل واضح وكامل إذا تمكنت من التغلب على الغزو الروسى.

التعريف بالكاتب: 

ليوناردو دينى.. مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراه حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يستعرض، من وجهة نظره الفلسفية، أبعاد المسألة الأوكرانية.