يعتبر الاتحاد الأوروبى الجزيرة بأكملها جزءًا منها، بما فى ذلك الشمال. ويرى الاتحاد الأوروبى أن هذا الجزء من أراضى هذا البلد العضو فى الاتحاد خارج عن سيطرة الحكومة القبرصية
فى الخامس والثانى عشر من فبراير المقبل، ستجرى الانتخابات الرئاسية فى قبرص، تلك الجزيرة دخلت كعضو فى الاتحاد الأوروبى عام ٢٠٠٤. ورغم ذلك، فإن ٣٥٪ من أراضيها، خاصة فى منطقة الشمال، كانت تحت الاحتلال التركى منذ عام ١٩٧٤، وفى عام ١٩٨٣، تم إعلان هذا الجزء الشمالى من البلاد جمهورية مستقلة ومعترف بها فقط من قبل تركيا. فى الحقيقة، المجتمع الدولى يعترف فقط بجمهورية قبرص، التى قاطعتها الطائفة القبرصية التركية منذ عام ١٩٦٣، أى بعد ثلاث سنوات من استقلال هذا البلد الذى كان تحت سيطرة الاستعمار الإنجليزى منذ نهاية القرن التاسع عشر، وذلك عندما تنازلت الإمبراطورية العثمانية عنها إلى بريطانيا العظمى.
إنها جمهورية ثنائية المجتمع وفقًا لدستورها الذى وضعه البريطانيون فى عام ١٩٥٩، حيث تتمتع هذه الدولة بخصوصية قانونية ودستورية بسبب ضمان التوازن المجتمعى بين اليونانيين والأتراك القبارصة من قبل تركيا واليونان وأيضًا بريطانيا العظمى من خلال معاهدة تسمى معاهدة الضمان. وبموجب هذا النص الدستورى، فإن لهذه الدول الثلاث الحق أو حتى الالتزام بالتدخل، فى حالة تهديد استقرار المجتمع أو التشكيك فى سيادة واستقلال هذا البلد.
وبموجب هذا النص، تدخلت تركيا فى عام ١٩٧٤ لمكافحة انقلاب عسكرى ضد رئيس الجمهورية، رئيس الأساقفة مكاريوس، الذى وقع فى ظروف مضطربة على الصعيدين الإقليمى والدولى: الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ووضع قبرص فى الداخل.
وحركة عدم الانحياز التى كان مكاريوس أحد مؤسسيها، وهى حركة اعتُبرت فى ذلك الوقت تابعة لموسكو، وانقلاب مجموعة من القادة العسكريين فى اليونان وهذا الإنقلاب أطاح بالنظام وعمل على إعلاء سيادة «أنوسيس» «اليونان الكبرى بما فى ذلك قبرص».
بعد ١١ عامًا من الاشتباكات بين المجتمعات المحلية وتحديدا عام ١٩٦٣ حيث أدت هذه الاشتباكات إلى مقاطعة القبارصة الأتراك للحكومة وتطلبت إرسال أول قوة دولية تابعة للأمم المتحدة للحفاظ على السلام فى قبرص «UNFICYP».. وهنا استغلت تركيا، عضو الناتو وتحت قيادة الولايات المتحدة، تدخلها لاستعادة النظام والسماح للرئيس مكاريوس بالعودة إلى البلاد فى يوليو ١٩٧٤، ليبدأ تدخلًا عسكريًا جديدًا فى أغسطس من نفس العام للاستيلاء على جزء من الشمال تحت ذريعة حماية المجتمع القبرصى التركى.
أرجع العديد من المحللين زعزعة الاستقرار بين الطوائف التى حدثت بعد عشرين عامًا من إنشاء دولة إسرائيل ذات النظام العرقى، على أنها نجاح مشروع وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، هنرى كيسنجر.
اليوم، تمثل قبرص العديد من التحديات الإقليمية والدولية المختلفة عن تحديات السبعينيات.
ويعتبر الاتحاد الأوروبى الجزيرة بأكملها جزءًا منها، بما فى ذلك الشمال الذى تحتله تركيا. ويرى الاتحاد الأوروبى أن هذا الجزء من أراضى هذا البلد العضو فى الاتحاد خارج عن سيطرة الحكومة القبرصية، والتى يتمثل هيكلها الدستورى على النظام المشترك بين القبارصة اليونانيين والأتراك. لذلك، يعتبر الاتحاد الأوروبى ضمنيًا الأتراك القبارصة جزءًا من الاتحاد. هذه الحجة تعقد الوضع فيما يتعلق بطلب تركيا المحتمل لعضوية الاتحاد الأوروبى حيث يجد الأوروبيون صعوبة فى معارضة دخول الأتراك إلى الاتحاد، لأنهم اعترفوا ضمنيًا بعضوية القبارصة الأتراك فى الاتحاد.
علاوة على ذلك، فإن النظام التركى الحالى يشكل تهديدًا للمنطقة وأيضًا على الاتحاد الأوروبى لأنه يعتبر الداعم الأول للإخوان المسلمين، تلك الحركة التى يتحكم فيها بشكل أساسى الأتراك المنتمين إلى نظام الرئيس أردوغان.
ولم يتردد أردوغان فى استخدام خريطة التواجد التركى فى شمال قبرص لاستفزاز دول الاتحاد الأوروبى، خاصة فيما يتعلق باستغلال رواسب الغاز المكتشفة فى المنطقة البحرية الخالصة لقبرص، تمامًا كما استخدم أيضًا بطاقة لاجئ سورى للتأثير على الاتحاد.
أخيرًا، نشهد اليوم ظاهرة الهجرة الجماعية إلى قبرص بسبب الحروب الإقليمية فى الشرق الأوسط، ولكن أيضًا بسبب التشريعات الأوروبية وفتح الحدود القبرصية.
ويمثل اللاجئون والمهاجرون الأجانب حوالى ١٠٪ من سكان قبرص وهم محرومون من العمل والحصول على دخل ثابت؛ ومعظمهم من المسلمين.. هؤلاء يمكن بسهولة استغلال وضعهم المحفوف بالمخاطر وحياتهم البائسة لزعزعة استقرار كل من قبرص والاتحاد الأوروبى.
تم تحليل كل هذه العناصر من قبل المرشح الرئيسى للانتخابات الرئاسية وزعيم أكبر حزب سياسى يمينى قبرصى «التجمع الديمقراطى» أفيروف نيوفيتو. ولم يتردد هذا الأخير فى الإشارة إلى خطورة تلاعب الإخوان المسلمين بهذه الشريحة من السكان المقيمين فى قبرص فى خطاب ألقاه الأسبوع الماضى أمام أعضاء السلك الدبلوماسى.
كما قدم أفيروف نيوهيتو، المرشح الرئيسى الذى يمتلك فرصة كبيرة لحسم الانتخابات ويصبح رئيسًا للدولة، برنامجًا لإعادة تأهيل الاقتصاد القبرصى والحفاظ على أمن الجزيرة، مع اتخاذ تدابير محكمة لمراقبة الحدود، لا سيما مع شمال قبرص، التى ينحدر منها معظم المهاجرين واللاجئين فى هذا البلد.
معلومات عن الكاتب
إيلى حاتم.. محامٍ وسياسى وكاتب فرنسى، مؤلف كتاب «المسألة القبرصية: القضايا القانونية ووجهات النظر».. يحلل، فى مقاله، مدى تعقدات التركيبة: الخاصة بجزيرة قبرص قبل الانتخابات الرئاسية التى تجرى فى الرابع من فبراير المقبل.