الطاقة النووية هى موضوع مثير للانقسام وللجدل إلى حد كبير؛ دعونا نحاول توضيح هذا: الحجة الرئيسية للمدافعين عن الطاقة النووية اليوم هى أنها تقلل من الكربون. هل هذا هو الحل لتقليل الكربون أم أنها مشكلة؟.
للإجابة عن هذا السؤال، أولًا علينا التطرق للموضوع الأهم والمتعلق بالتصنيف فى إطار التصنيف الأوروبى للتصنيف النووى مثل الاستثمار المستدام. نحن نعلم أن فرنسا كافحت لجلب الطاقة النووية إلى التصنيف الأوروبى، لكنها واجهت معارضة قوية جدًا لأنه إذا كانت الطاقة النووية هى بالفعل مصدر منخفض لغازات الاحتباس الحرارى، فهي بالتالى تضع علامة فى المربع الجيد فى الفئات الست للتصنيف الأوروبى والتى تسمح له بشكل فعال بالتأهل كاستثمار مستدام، أى محاربة الاحتباس الحرارى. مع ذلك، فنحن نعلم أنه لكى يكون التصنيف الأوروبى مستدامًا، ليس من الضرورى فقط أن تكون جيدًا فى إحدى الفئات الست، ولكن لا يجب أن تكون سيئًا فى الفئات الأخرى. ومع ذلك، فإن الطاقة النووية تطرح مشاكل تتعلق بالتنوع البيولوجى وتلوث الهواء.
اليوم.. الطاقة النووية عنصر مهم للغاية؛ وبالنسبة لى، الطاقة النووية حل زائف، لكنها مشكلة حقيقية؛ لماذا تعتبر حلا خاطئا؟
لأن الطاقة النووية تنبعث منها القليل من غازات الدفيئة أو قد لا تنبعث منها على الإطلاق، وهذا لا يعنى أنه لا ينبعث منها أى شيء على الإطلاق، اذ لا يوجد شكل من أشكال الطاقة لا ينبعث منها الكربون بأى حال من الأحوال. بالفعل إن حل منخفض الكربون لا يمكن إنكاره فليس من قبيل الصدفة أن تستند فرنسا إلى خطة الاسترداد لمحاولة الخلط بين التقنيات الخضراء والتقنيات منخفضة الكربون؛ وهنا يجب أن تعلم أنه ليس نفس الشيء.
لماذا يعد ذلك حلا جيدا وكاذبا فى الوقت نفسه؟ أولا، يجب أن نعود إلى الحقائق الإحصائية حيث تمثل الطاقة النووية جزءًا صغيرًا جدًا من إنتاج الطاقة العالمى إذ تمثل ١٠٪ من إنتاج الكهرباء، و٤.٣٪ من الطاقة المنتجة فى العالم وهى حصة تتناقص بينما زاد إجمالى الطاقة الأولية بين عامى ٢٠١٠ و٢٠٢٠ بنسبة ١٠٪ وانخفضت حصة الطاقة النووية بنسبة ٢.٥٪.
لذلك، هل من المعقول الاستثمار فى شكل من أشكال الطاقة يكون مكلفًا للغاية من الناحية المالية للحصول على طاقة تظل فى النهاية هامشية فى مزيج الطاقة الكوكبية؟
هذا السؤال يفرض نفسه فى الاتحاد الأوروبى باستثناء دول أوروبا الشرقية التى لديها محطات طاقة نووية قديمة.
اختار جيراننا حلًا غير نووى والوحيدون الذين تم تحويلهم إلى طاقة نووية هم الإنجليز، لكنهم لم يعودوا ينتمون إلى الاتحاد الأوروبى. هذه القرارات المتعلقة بالتخلص التدريجى من الطاقة النووية لها عواقب وخيمة لأنها تجبرنا فى فرنسا على الابتعاد عن ألمانيا، التى لديها نموذج مختلف تمامًا عن نموذجنا، وتربطنا ببلدان مثل بولندا التى تعتبر حديثة العهد باستخدامات الطاقة.
ثانيًا، يتطلب التكيف مع تغير المناخ تنويع مصادر الطاقة ومن الواضح جدًا أن العالم يسير فى هذا الاتجاه.
أخيرًا، عدم تكامل النموذج النووى الخاص بتغير المناخ يؤكد هشاشة الطاقة فى فرنسا؛ بالنسبة لما يسمى بمحطات الطاقة الرطبة، أى تلك الموجودة على حافة المياه، فإنها تواجه صعوبة كبيرة تتمثل فى نقص المياه.
خلال فترات الصيف، قد يؤدى نقص المياه هذا إلى صعوبة تبريد محطات الطاقة كما أنه يفرض على المسئولين السماح بالاستثناءات من حدود درجات الحرارة المسموح بها لتصريف المياه، والتى - من الواضح - لها عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي؛ أما محطات توليد الكهرباء المطلة على البحر فهى بطبيعة الحال معرضة لمخاطر مناخية وظواهر متطرفة ويتذكر الجميع فيضان محطة بلايزن للطاقة النووية فى عام ١٩٩٩. وهذا هو السبب فى أن الطاقة النووية هى حل زائف، لكنها مشكلة حقيقية.
لماذا تعد مشكلة حقيقية؟ لأن الطاقة النووية فى فرنسا، للأسف، كانت عاملًا مثبطًا بشكل كبير لتطوير الطاقات المتجددة ونتيجة لذلك، فى عام ٢٠٢٠، بلغت حصة الطاقات المتجددة من إجمالى استهلاك الطاقة النهائى فى فرنسا ١٩.١٪. كان ينبغى أن تصل فرنسا إلى ٢٣٪ فى عام ٢٠٢٠. وتعد فرنسا ثالث أسوأ أداء فى أوروبا من حيث تحقيق أهداف الطاقة المتجددة الوطنية.
وتعتبر توقعات عام ٢٠٣٠ طموحة للغاية، لكن المرء يتساءل كيف سنحققها بالمعدل الحالي؟ وللتذكير، تبلغ النسبة اليوم ٣٣٪؛ مع الهدف الجديد الذى حدده الاتحاد الأوروبى، فمن المحتمل أن تزداد هذه النسبة أكثر. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو أن نعرف كيف ستكون لدينا القدرة على الوصول إلى هذا الهدف من خلال الاستثمارات التى لا تزال متواضعة للغاية من حيث الطاقات المتجددة؟
إن تثبيط الطاقات المتجددة والتأخير الذى تراكمت عليه فرنسا موضوع حقيقي؛ لأن فرنسا تجد صعوبة بالغة فى امتلاك قطاع قوى فى مجال الطاقات المتجددة، حتى لو كان هناك قادة أعمال يقومون بأشياء رائعة فى هذا المجال. بالفعل إنه عمل صعب للغاية فلمدة سنوات عديدة، لم يتم اللجوء للشركات المتخصصة فى الطاقة المتجددة فى فرنسا؛ فمن المفارقات أن الشركة الفرنسية EDF للطاقة المتجددة قد نفذت مشاريع رائعة فى جميع أنحاء العالم، باستثناء فرنسا!
المشكلة الكبرى الثانية هى تأخير تطبيق سياسة الاتزان الحقيقى فى مجال الطاقة؛ من الواضح أن فرنسا لن تخرج منها إذا لم تجمع بين الطاقات المتجددة ورصانة الطاقة، ومع ذلك، فإن فرنسا لديها ضعف حقيقى من حيث سياسة توفير الطاقة.
يمكننا بالفعل أن نشجع الاستثمارات التى ستتم الآن فى مجال تجديد الطاقة؛ من الواضح أن كل السياسة التى تم اتباعها لسنوات لتشجيع الفرنسيين على التحول إلى التدفئة الكهربائية كانت وسيلة لتشجيع الاستهلاك الهائل للكهرباء عندما كان من الضرورى محاولة خفضها واليوم هناك توقعات بحدوث زيادة فى استهلاك الكهرباء.
فرنسا لديها أهداف لخفض كبير فى استهلاك الطاقة، مما يعنى أنه سيكون من الصعب تحقيقها من خلال الاستمرار فى تشجيع الناس على تطوير الكهرباء.
النقطة الثالثة هى التكلفة الباهظة للطاقة النووية التى تمنع الاستثمار فى مصادر أخرى للطاقة ويعتقد الكثيرون أن برنامج الطاقة متعدد السنوات الذى تم اعتماده لن يتحقق أبدًا لأنه يراهن على زيادة هائلة فى الاستهلاك المرتبط بالطلب المحلى والتصدير. ومع ذلك، رغم أن جيراننا يبذلون جهودًا كبيرة لتقليل استهلاكهم للطاقة الا أن فرنسا سوف توسع استثماراتها فى هذا المجال.
الخلاصة
يجب ألا ننسى أن تكلفة هذا التطوير ستكون بالغة الأهمية وهذه مسألة اقتصادية وأمنية ومالية لأنه من الضرورى معرفة ما إذا كان الأمر يستحق الاستثمار بكثافة بحيث تستمر بعض محطات الطاقة لمدة ٢٠ عامًا أخرى، أم أنه من الأفضل جدولة إغلاق محطات أخرى، نظرًا لظروف الدولة والمخاطر وتكلفة ضمان سلامتهم؟!.
معلومات عن الكاتب:
كورين ليباج.. سياسية ومحامية فرنسية مهتمة بحماية البيئة، تولت منصب وزيرة البيئة فى حكومات آلان جوبيه بين 1995-1997 وعضو البرلمان الأوروبى بين عامى 2009 و2014 وتترأس الجمعية البيئية Cap 21، وتترأس الآن مع جان مارك جوفيرناتورى، شركة «كاب ايكولوجي».. تناقش هنا المشكلة التى تؤرق أورويا وفرنسا بشكل خاص، وتتعلق بمحطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء ذات التكلفة الباهظة.. وتوضح أبعاد هذه المشكلة.