مع مرور سنة على الحرب.. زيلينسكي يتسول المساعدات والأسلحة من الغرب
الاقتصاد الروسى صامد فى وجه العقوبات الغربية.. والناتج القومى لأوكرانيا انخفض إلى أكثر من 35٪
الكرملين يعزز دعايته بموقف «الجنوب العظيم» الذى يرفض الانضمام إلى الإدانات والعقوبات الغربية بالاتجاه إلى تعاون فى حياد حذر مع الصين أو الهند أو إندونيسيا أو أفريقيا أو دول الخليج أو أمريكا اللاتينية
قبل شهر من الذكرى السنوية الأولى المشئومة للحرب فى أوكرانيا، يستعد الطرفان بنشاط للمرحلة الثالثة من الصراع وربما الحاسمة لهذا النزاع، فالمراحل الأولى شهدت الكثير من الإخفاقات المهينة للمعتدي: روسيا- بوتين.
فى مارس، تعرض الجيش الروسى للهزيمة أمام كييف، واضطر إلى التراجع مع خسائر كبيرة وخرج من "العملية الخاصة" التى كان من المقرر أن تؤدى خلال ثلاثة أيام، إلى استسلام نظام كييف.
وبخسارة هذه الجولة الأولى، كان على روسيا أن تتخلى عن هدفها الاستراتيجى الرئيسي: ضم أوكرانيا ككل، أو على الأقل، استعادة السيطرة عليها بالكامل من خلال قطع رأس السلطة القائمة، واستبدالها بنظام دمية، بأوامر من الكرملين.
لم يعد بإمكان روسيا فقط أن تأمل فى غزو أوكرانيا عسكريًا، ولكن هذا البلد وجد نفسه فى محنة حقيقية، لكن هذا العمل الأول، المفجع بالنسبة لموسكو، أدى إلى فعل ثان، كارثى أيضا.
ففى الصيف، أعادت الولايات المتحدة تسليح أوكرانيا بقوة منذ أبريل، وذلك عن طريق الطائرات بدون طيار والوسائل الحديثة المضادة للدبابات والطائرات والمدفعية بعيدة المدى عالية الدقة، كان الجيش الأوكرانى قادرًا على القيام بذكاء بالعديد من الهجمات المزدوجة وأدى الهجوم المضاد الذى أعدته "مناورات حربية" فى البنتاجون مرة أخرى إلى هزيمة ساحقة للجيش الروسى، الذى اضطر إلى الانسحاب إلى شمال وجنوب خط أمامى يبلغ طوله ألف كيلومتر.
وهكذا فشلت روسيا فى خاركيف وتنازلت عن مدن رئيسية مثل إيزيوم وليمان وحتى خيرسون، مما أدى إلى تقليص المقاطعات الأربع التى "ضمتها" إلى حد كبير مع ضجة كبيرة من قبل بوتين خلال احتفال فى ٣٠ سبتمبر فى سان جورج فى الكرملين.
وبعد ذلك، تغير الأمل، وبدأ زيلينسكى، الذى ظهر فى مارس، أنه مستعد للتفاوض لدرجة عدم حديثه عن أى انضمام إلى الناتو، يتحدث مجددًا عن "النصر" واستعادة الأراضى المحتلة، بما فى ذلك شبه جزيرة القرم، وكان هناك أخبار تتردد فى كييف عن هجوم أوكرانى سريع جديد على الممر الجنوبى وشبه جزيرة القرم؛ لكن فى هذا الشهر (يناير) بدأ الوضع فى التدهور. وتحديدا على الأرض، يعانى الجيش الأوكراني: خسائره المساوية لخسائر الروس تصل إلى مائة ألف جندى بين قتيل وجريح (أوكرانيا ٤٠ مليون نسمة مقابل ١٤٠ مليون روسي).
واضطرت أوكرانيا لتأجيل الهجوم الذى أرادت أن تقوده على شبه جزيرة القرم فى بداية الشتاء. وبدلًا من ذلك، أُجبرت على حشد قوات ضخمة لمواجهة الضغط الروسى على باخموت الذى عززه قرار بوتين بتعبئة ٣٠٠ ألف جندى، حيث قيل أن ذلك سيضيف نصف مليون جندى إضافي.
لأنه، على الرغم من الإخفاقات المتعددة لجيشه الذى عانى فى العديد من الجبهات منها الهجوم على جسر القرم أو القواعد الجوية فى الأراضى الروسية، لم يتخل القيصر عن أى من أهداف وهى على أقل تقدير؛ الحفاظ على دونباس وشبه جزيرة القرم، بدلًا من خسارة أوكرانيا، والعمل على تدميرها بشكل منهجى، كما فعلت روسيا خلال الفترة الماضية عن طريق غاراتها الجوية المميتة على السكان المدنيين والبنى التحتية.
برغم الانخفاض الكبير فى الناتج القومى الإجمالى والعجز البالغ ٤٧ مليار دولار فى عام ٢٠٢٢، فإن الاقتصاد الروسى يقاوم صدمة العقوبات: فقد وجد لغازه ونفضطه، اللذان فقدهما الغرب، عملاء متحمسين فى الصين والهند. ويبدو أن الرأى العام مقتنع بدعاية الكرملين (روسيا هاجمها العالم الغربى بأسره)، معارضى الحرب إما فى السجن أو أجبروا على الهجرة.
ويعزز الكرملين دعايته بموقف "الجنوب العظيم"، الذى يرفض الانضمام إلى الإدانات والعقوبات الغربية بالاتجاه إلى تعاون فى حياد حذر مع (الصين أو الهند أو إندونيسيا أو أفريقيا أو دول الخليج أو أمريكا اللاتينية)، يستعد بوتين لحرب طويلة، ودفن جيوشها فى عدة خطوط دفاعية على طول الخط الأمامى، وانتظار تحقيق خسائر فى الجانب الآخر.
على الجانب المقابل، عانت أوكرانيا من انخفاض أكثر من ٣٥٪ فى الناتج القومى الإجمالى، وتضررت بنيتها التحتية الصناعية بشدة أو دمرت، وتحتاج إلى ٥ مليارات يورو شهريًا، وهو ما كان يقدمه الحلفاء الأمريكيون والأوروبيون لمدة عام تقريبًا، باستثناء التسلح؛ ولكن السؤال الذى يطرح نفسه إلى متى سيستمر هذا الدعم وما هى عواقبه؟
يجب تجديد الأسلحة بوتيرة متصاعدة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن المخزونات قليلة فى أوروبا، بعد ٣٠ عامًا من نزع ميزانية التسليح باسم "مكاسب السلام"، وبدأت نفس المشكلة فى الولايات المتحدة نفسها. ومع ذلك، فإن صناعة الدفاع بطيئة فى ظل وضع "اقتصاد الحرب"، حتى مع تصويت البنتاغون البالغ ٨٥٠ مليار دولار لعام ٢٠٢٣، ويستغرق الأمر عامين على أى حال لتصنيع قاذفة صواريخ هيرماس، أو مدفع قيصر.
لا يزال هناك "الجزء الخلفي" ألا وهو: الموافقة السياسية للديمقراطيات على الاستمرار فى دفع "ثمن الحرية"، كما يقول الرئيس ماكرون.
فى الولايات المتحدة، تم تأمين الدعم المالى لأوكرانيا على الأقل حتى أكتوبر، نهاية السنة المالية الحالية. قبل أن يفسح المجال للأغلبية الجمهورية (القصيرة) المنتخبة فى نوفمبر، كان مجلس النواب السابق، بناءً على طلب جو بايدن، قد خصص ٤٥ مليارًا من المساعدات لأوكرانيا لعام ٢٠٢٣ بالإضافة إلى ٥٠ مليارًا مخصصة فى عام ٢٠٢٢، ٥ مليارات تم تخصيص أسلحة إضافية فى يناير.
علاوة على ذلك، فإن السياق السياسى يبدو أقل تفضيلًا: فقد أعلنت أقلية من الجمهوريين الانعزاليين الذين انتخبوا حديثًا بالفعل أنهم يعتزمون تغيير سياسة "الشيك على بياض". لا شك أن الوضع قد يتغير مع بدء الحملة الرئاسية وإعلان الترشيحات الأولى، من أبريل حتى الآن، من المهم ملاحظة أن ملف أوكرانيا لم يحظى بأى اهتمام فى انتخابات التجديد النصفى، ولا فى الجدل السياسى المحلى الأمريكى الذى يهيمن عليه الإجهاض والاقتصاد والاستقطاب القوى للغاية حول القضايا المجتمعية وعلى الرغم من تعبئة وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية لصالح أوكرانيا، ظل الرأى العام الأمريكى، على عكس أوروبا، بعيدًا جدًا أو شبه غير مهتم أساسا بالصراع.
إن الوضع على هذا الجانب من المحيط الأطلسى هو أكثر إشكالية، على الرغم من الإجماع الواضح فيما يتعلق بمتابعة الالتزام الأوروبى نحو أوكرانيا، كما تم الإعلان عن ذلك فى كل مناسبة من قبل رئيس المفوضية الأوروبية. من جهة أخرى تعتبر الولايات المتحدة هى الرابح الأكبر بشكل موضوعى فى الصراع، فقد استعادت قيادتها بلا منازع فى الحلف بعد ستة أشهر من الفشل الأفغانى المثير للشفقة، كما وجدت فى أوروبا سوقًا ضخمة للغاز الطبيعى المسال وصناعات التسلح، كل ذلك بدون أدنى مشكلة فيما تعانى الاقتصادات الأوروبية بشكل كبير حيث تضررت بشدة منذ الصيف بإغلاق صنبور الغاز الروسى الرخيص، بسبب الحظر الذى فرضته على النفط الروسى فى ديسمبر؛ تعانى أوروبا الآن من ارتفاع تكاليف الطاقة الباهظة بشكل غير مألوف للأمريكيين وأيضا انفجار فى التكاليف يؤدى إلى تضخم كبير، بما فى ذلك على المنتجات الغذائية الأساسية (١١٪ فى المتوسط و٩٪ فى منطقة اليورو)، كما تعانى من هبوط مفاجئ فى النمو، وإغلاق العديد من الشركات، وبالتالى ارتفاع معدلات البطالة.
باختصار، الأوروبيون حتى لو لم يعبروا جميعا عن مشاكلهم بنفس الطريقة إلا أنهم جميعا دخلوا فى الجزء الصعب: اقتصاد هذه الحرب، هناك توجه فى بولندا ودول البلطيق يطالب بضرورة وضع حد للإمبريالية الروسية بشكل نهائي؛ ولكن هذا التوجه لا يزال أقل وضوحًا فى أماكن أخرى حيث تستمر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا تأتى الضرورة الملحة لإنهاء الصراع فى أسرع وقت ممكن وكسب هذه الحرب بهجوم ضخم قدر الإمكان فى الأشهر القليلة المقبلة، ربما فى نهاية الشتاء.
إنها نقطة التحول الثالثة، التى أوضحها مؤخرًا وزيران أمريكيان سابقان مشهوران، كوندوليزا رايس وروبرت جيتس، والتى يبدو أنها تتشكل هذه الأيام. مع نشاط دبلوماسى مكثف بين كييف وحلفائها، بلغت زيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز فى كييف، وزيارة رئيس أركان البنتاغون فى بولندا، ذروتها بالاجتماع الثامن لـ"مجموعة الاتصال" المكونة من ٥٠ دولة حلفاء أوكرانيا، حول وزير الدفاع لويد أوستن، فى قاعدة رامشتاين الأمريكية، فى ألمانيا، فى ٢٠ يناير.
وبدافع من إدارة بايدن، وإصرار من زيلينسكي، فإن الخطة، التى أعلنها البنتاجون على هذا النحو، تخطط لمنح أوكرانيا كل الوسائل التى ستحتاجها للنجاح فى هجومها، لاختراق خطوط الدفاع الروسية وبالتالى نهاية الحرب بالنصر على الأرض.
هكذا تم تقديم شحنات أسلحة أكثر تطورا وفاعلية: المزيد من المدفعية والقنابل الموجهة بالليزر ومئات المركبات؛ بخلاف بطاريات باتريوت المضادة للطائرات التى يستخدمها الأوكرانيون لأول مرة ويتم تدريبهم على الأراضى الأمريكية (على قاعدة فورت سيل، فى أوكلاهوما)، كما يجرى تسليم أوكراينا مركبات مدرعة متوسطة برادلى، ماردير وأمكس١٠ أر سى وبعده سيتم توفير الدبابات الثقيلة.
فى الوقت نفسه، سيستضيف الجيش الأمريكى وحدات أوكرانية فى ألمانيا لتدريبها على تقنيات مشتركة لاستخدام الأسلحة.
وأثار المستشار الألمانى أولاف شولتز استياء شركائه لأنه لا يزال يقاوم الضغط، رافضًا السماح بنقل الدبابات الثقيلة إلى أوكرانيا، من أجل تجنب اتخاذ خطوة خطيرة محتملة فى التصعيد مع روسيا.
خطر اندلاع حرب بين الناتو وروسيا
فى مواجهة خطر تدهور الصراع، مع عدم وجود فائز أو خاسر حقيقى، ومع حرب كامنة من شأنها أن تترسخ بمرور الوقت - وأصبحت أوكرانيا بأكملها بعد ذلك نوعًا من "الصراع المجمد" الهائل فى القارة - فى مواجهة هناك مخاطر أخرى تتمثل فى رؤية الدعم لأوكرانيا ينهار بمرور الوقت، وبالتالى يبدو أن الحلفاء وراء الولايات المتحدة على استعداد للمخاطرة بالانزلاق بشكل لا رجعة فيه إلى القتال المشترك، ومواجهة مباشرة متزايدة مع القوات الروسية، مما يمهد الطريق للانزلاق المحتمل، و"يجب أن نحفر أعمق" كما قال وزير الدفاع الأمريكى رسميًا أمام الوفود الخمسين المجتمعة فى رامشتاين حيث أضاف "الشعب الأوكرانى يراقبنا، والكرملين يراقبنا، والتاريخ يراقبنا".
مثل هذا الخيار، الذى لا يجرؤ أحد على التشكيك فيه، باستثناء شولتز بين القادة الغربيين، ومع ذلك يحمل ذلك ثلاثة مخاطر جسيمة، والتى سنلخصها فى الآتى بترتيب متزايد للجدية:
- الأول هو أن الهجوم فشل، أو على الأقل فشل فى إخراج الجيوش الروسية من دونباس وشبه جزيرة القرم، المخاطرة بأن الجنرال ميلى، للمرة الثانية، اعترض على الصياغة علنًا لرامشتاين: "من وجهة نظر عسكرية، أؤكد أنه سيكون من الصعب للغاية طرد القوات الروسية من جميع مناطق أوكرانيا المحتلة هذا العام". فى هذه الحالة سيجد الروس أنفسهم بدون أى ضغوط تتواصل رغبتهم فى إكمال الحرب حتى ينتهى الأمر بأوكرانيا بقبول تسوية إقليمية لن تكون فى صالحها.
- والثانى هو عكس ذلك: أن الهجوم يهدد بالنجاح وبعد أن يرى بوتين دفاعاته على وشك الانهيار بفضل الوسائل التى قدمها الناتو، يمكن أن يعتبر الكرملين نفسه مبررًا لضرب الأراضى البولندية على وجه الخصوص، بسبب الأسلحة الغربية التى يتم تسليمها إلى أوكرانيا. الأمر الذى من شأنه أن يطلق المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسى، والمخاطر الحقيقية لحدوث صراع مفتوح.
- الخطر الثالث هو الدرجة التالية من التصعيد: إذا نجح الاختراق وكانت روسيا على وشك خسارة شبه جزيرة القرم، وهى أرض تعتبرها ملكًا لها، فقد يقرر الكرملين بعد ذلك تجاوز عتبة الأسلحة غير التقليدية، على النحو المنصوص عليه فى عقيدتها العسكرية، وكما أعلن بوضوح من قبل قادتها.
فى جميع الحالات الثلاث، من المتوقع حدوث خسائر بشرية هائلة.
فى مواجهة مثل هذه المخاطر، فإن الغياب التام للنقاش فى مجتمعاتنا، بما فى ذلك هنا فى فرنسا، أمر مروع حقًا.
الصحافة الجماعية، مثل المعلقين وغيرهم من الجيوسياسيين الآخرين، تخبرنا كل يوم أن النصر فى نهاية صاروخ هيمار، وأن أوكرانيا تعطينا "درسًا من الشجاعة"، وأنها "لا تقاتل فقط من أجل استقلالها، ولكن وأيضًا من أجل حرية أوروبا و(حتى!) الولايات المتحدة بروكنر أكد انتصار أوكرانيا يجب أن يكون كاملًا، بدون استئناف" (BHL)، وأنه من "الحيوانات العاشبة"، وقال آخرون: يجب علينا الاستفادة من هذه الحرب للتخلص مرة أخرى كوكب كل هؤلاء الطغاة، من "بكين إلى موسكو، من طهران إلى باكو، دون أن ننسى أنقرة وكراكاس وهافانا وقليل من الآخرين".. إنه برنامج واسع كما قال ديجول.. باختصار فى الماضي، مناخ صيفى حقيقى ١٩١٤!
أما بالنسبة لماكرون، فإن ذراعيه حول هذا الموضوع لا تتوقف أبدًا عن الإزعاج (كيف تكون تشامبرلين وتشرشل "فى نفس الوقت")؛ فى معظم الأحيان، تجد مساندة من مناصرى الحرب لأنه عزز شحنات الدبابات إلى أوكرانيا.
محاولة إنهاء الحرب فى أسرع وقت ممكن بانتصار على الأرض يمكن أن يكون له ما يبرره بالتأكيد. لكن بشرط ألا يؤدى ذلك إلى تفاقم الوضع؛ وأن يُذكر مسبقًا ما هى أهداف هذه الحرب.
أوكرانيا تريد "النصر" هذا جيد. ونكرر، فى كل مستشارية غربية، الشعار الذى يقول نعم، "سنرافق أوكرانيا" حتى النهاية، "حتى النصر"، حسنًا، ولكن أيهما؟ انسحاب القوات الروسية إلى حدود ٢٣ فبراير ٢٠٢٢ أم إلى حدود عام ١٩٩١، بما فى ذلك شبه جزيرة القرم؟ أو كما ادعى البعض مثل زيلينسكى أو بعض عواصم البلطيق والبولندية، ستنتهى الحرب باستسلام روسيا؟ إلى الإطاحة ببوتين ثم حكمه أمام محكمة دولية؟
هل نحن متأكدون حقًا من أن أهداف الحرب هذه مشتركة للجميع، أم أنه يمكن الوصول إليها من خلال استمرار القتال أو حتى تكثيفه؟
على الأقل كان المرء يأمل أن تتم مناقشة هذه الأسئلة، مثل الخيارات الناشئة عنها، فى البرلمان أو فى الصحافة.
لكن لا شيء من هذا القبيل يحدث، ولسبب وجيه: أى آراء بخلاف الدعم غير المشروط لأوكرانيا "حتى النصر"، وفقًا لهذه الصياغة السحرية السائدة الآن، تجعل كاتبها مذنبًا على الفور بـ"البوتينية" والخيانة العظمى.
وكما يلاحظ إدجار موران بوضوح شديد عندما قال: "الحديث عن وقف إطلاق النار أو عن المفاوضات أمر مستنكر باعتباره استسلامًا مخزيًا من قبل المتحاربين، الذين يشجعون الحرب التى يريدون تجنبها بأى ثمن".
ومع ذلك، بعد عام من الحرب ومئات الآلاف من الضحايا، فى مواجهة القوة التدميرية المروعة للأسلحة عالية التقنية التى تحول المقاتلين إلى "لحم مفروم" وفقًا لرواياتهم الخاصة، ألم يحن الوقت للتساؤل عن طريقة لإنهاء هذه الحرب لعدم ااستمرار هذه المجزرة؟
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه قبل مؤتمر رامشتاين، كان لدى الجنرال مارك ميلى، رئيس البنتاجون، الشجاعة ليقول علنًا أن هذه الحرب لن يفوز بها أى شخص، مما يعنى أن الوقت قد حان لـ"التوقف". وأيضا هنرى كيسنجر الذى تذكر بشجاعة كيف واجه خلال الحرب العالمية الأولى الأضرار المروعة التى سببتها الأسلحة الحديثة فى ذلك الوقت (والتى لم يكن القادة على علم بها إلا بعد استخدام القبور السداسية من ١٩١٥-١٩١٦)، جرت محاولات للوساطة؛ فلماذا هذا الجدل غائب تمامًا عنا، بما فى ذلك اليسار؟
كان ديجول مهووسًا بخطر رؤية فرنسا، وخاصة فرنسا النووية، أن تنجر إلى تصعيد لن تكون قادرة على السيطرة عليه بعد الآن. ومن هنا انسحاب القيادة المتكاملة للناتو، وخاصة مجموعة التخطيط النووى (NPG) التى يقودها الأمريكيون وحدهم.
ما السر الذى الذى يقودنا اليوم إلى إسكات أى نقاش حول الخطر الكبير للتصعيد؟ هل نسينا أن هذه الحرب فى أوكرانيا ترى ما لا يقل عن أربع قوى نووية، بما فى ذلك نحن، هذه القوى تواجه بعضها البعض من خلال وسطاء أوكرانيين، كما تؤثر أيضًا على أمننا؟ هل يجب أن نستسلم، دون رد فعل، لترك الحرب فى أوكرانيا تتحول إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا؟
إذا كان علينا بالتأكيد دعم أوكرانيا ومساعدتها فى كفاحها لاستعادة سلامتها الإقليمية، فهل يجب علينا المخاطرة بحدوث دوامة كارثية فى أى وقت، كما فى عام ١٩١٤، مع خطر إضافى يتمثل فى تعريض اقتصاداتنا للخطر؟ إذن يجب البحث عن سبل للخروج من الأزمة عن طريق التفاوض؟ مفاوضات تكون خطوطها الرئيسية:
- انسحاب القوات الروسية من الحدود فى ٢٣ فبراير
- الاستفتاءات تحت سيطرة الأمم المتحدة فى الشرق
- ضمانات أمنية للطرفين المتحاربين مصحوبة بخطة إعادة إعمار أوكرانيا بتمويل جزئى من روسيا.
من المؤسف أن السيد ماكرون، الذى تحدث منذ وقت ليس ببعيد عن فرنسا باعتبارها "قوة توازن"، بدا وكأنه نسيها، من خلال الانطلاق دون تحفظات فى شاحنات أمريكية.
قبل أيام قليلة، فى خضم كل هذه الاستعدادات العسكرية الدبلوماسية للهجوم فى الأشهر أو الأسابيع المقبلة، حصل زيلينسكى، بإصرار من الممثل شين بين، على التحدث فى حفل توزيع جوائز جولدن جلوب الثمانين فى بيفرلى هيلز، أراد زيلينسكى طمأنة جمهوره: "لا، لا تقلق، لن تكون هناك حرب عالمية ثالثة". دعونا نأمل أن يكون على حق.. أليس من المفترض أن يعرف الروس جيدًا، فزيلينسكى هو الذى رفض تصديق غزو روسى - حتى اللحظة الأخيرة- على الرغم من أن واشنطن استمرت فى إخباره بأنه وشيك، وحثته على الاستعداد بشكل عاجل الدفاع عن بلده؟