الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إيران.. إلى أين وصلت الاتفاقات النووية؟

أميلى إم تشيلى
أميلى إم تشيلى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

طهران تحرر نفسها من التزاماتها على خلفية خطابات محافظة لا تشجع على الحوار مع الغرب

 

 

 فى ١٤ يوليو ٢٠١٥، تم التوقيع على اتفاق تاريخى فى فيينا للحد من الطاقة النووية الإيرانية وإلزام برنامجها النووى للاستخدام المدنى، ووضع حد رسمى لبرنامج سرى للتسلح النووى العسكرى تم استئنافه حوالى عام ٢٠٠٦ عن طريق مجموعة من السياسيين فى الجمهورية الإسلامية.
دخلت خطة العمل المشتركة، الموقعة بين طهران والاتحاد الأوروبى والأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة) وألمانيا حيز التنفيذ فى ١٦ يناير ٢٠١٦. وتقرر أن تعويض الطرف الإيرانى للحد من برنامجه النووى الخاضع لسيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن يؤدى تلقائيًا إلى رفع تدريجى للعقوبات الدولية ضد البلاد، والتى استمرت لعدة عقود.
هذه الاتفاقات – المنتقدة من بعض الموقعين عليها مثل الولايات المتحدة – تضع فقط إطارًا للبرنامج النووى، مما يفسر أنه بدلًا من رفع العقوبات نهائيًا على مر السنين، تم تحييدها فى الواقع من خلال تكرار عمليات حظر أخرى تتعلق بثلاثة ملفات أخرى: حقوق الإنسان، وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية والمساعدات المقدمة للمنظمات الإرهابية.
ثم أصبح إضعاف خطة العمل المشتركة أكثر وضوحًا مع الانسحاب أحادى الجانب لواشنطن. وبالتالى، فإن «الصفقة السيئة للغاية»، التى تم توقيعها فى عهد باراك أوباما - الذى ساهم بالفعل بشكل كبير فى تكرار العقوبات التى لا تتعلق بالطاقة النووية – تم تمزيقها من قبل إدارة ترامب فى ٨ مايو ٢٠١٨.
بناءً عليه، توقع المتخصصون فى المسألة ثلاثة سيناريوهات: إما أن إيران كانت تحاول إعادة إحياء الاتفاقات بالاعتماد على الموقعين الروس والصينيين، لكونهما كتلتين اقتصاديتين قويتين لمواجهة تجاوز الحدود الإقليمية للعقوبات الأمريكية، وإما أن البلاد ستعود إلى الوضع الذى كان قائمًا من قبل ومماثلًا للوضع السابق لرئاسة محمود أحمدى نجاد، أو أن طهران تدير خروجًا خالصًا وبسيطًا من الاتفاقات، بالإضافة إلى الاستيلاء على الحكم من قبل حراس الثورة الأقوياء.
فى الوقت الحالى، شرع الإيرانيون فى فك الارتباط التدريجى المنصوص عليه فى الاتفاقات نفسها فى حالة عدم القيام بالتعويض من قبل الدول الأخرى الموقعة، حيث قامت إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم وزيادة كمية الماء الثقيل. وأظهرت بعض الاجتماعات استعدادًا لمواصلة المفاوضات، مثل مناقشات أبريل ٢٠٢١ مع الرئيس الأمريكى جو بايدن أو التصريحات المتفائلة التى تم الإدلاء بها فى فبراير ٢٠٢٢، قبل إضعاف إرادة الاتفاق الذى تزامن حينها مع غزو روسيا لأوكرانيا.
فى ٣٠ مارس ٢٠٢٢، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية جديدة على موردى برنامج الصواريخ الباليستية التى تقوده طهران. وفى ٨ يونيو، اتخذ الأوروبيون والأمريكيون قرارًا يدعو إيران إلى الامتثال، ردت عليه الجمهورية الإسلامية بفصل الكاميرات التى وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مواقعها، مما يحجب نطاق سيطرة الوكالة على أنشطتها.
ثم أدى منطق التصعيد إلى قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة، بعد أسبوعين، على قطاع البتروكيماويات الإيرانى، وهو إجراء لم تسمح المفاوضات التى أجريت فى قطر بتحقيق أى نتيجة مرضية بشأنه.
لإنقاذ الاتفاقات، قدمت الدبلوماسية الأوروبية مشروع حل وسط فى يوليو ٢٠٢٢ وفى ٤ أغسطس، دعيت جميع الأطراف إلى فيينا للتصويت على «النص النهائى» وبعد العديد من المراجعات من قبل مختلف الدول الموقعة، والمشاورات، وشجب عدم التعاون، يبدو أن المفاوضات قد توقفت.
تناقضًا مع وعد حملة جو بايدن، لم تعد الولايات المتحدة أبدًا إلى التوقيع مرة أخرى على الاتفاقات الثنائية، وبدأت إيران تحرر نفسها أكثر فأكثر من التزاماتها، وذلك على خلفية خطابات محافظة تتزايد حدتها بشكل متصاعد ولا تشجع تدريجيًا على الحوار مع الغرب، وذلك منذ تولى إبراهيم رئيسى حكم البلاد فى ٣ أغسطس ٢٠٢١.

مع سياسة «محور الشرق»، التى يمكن تصورها بالفعل قبل عودة المتشددين إلى السلطة التنفيذية، تزداد قوة الدعم اللوجستى الذى قدمته طهران إلى موسكو، ولا يوجد سوى عنصر واحد مرئى من بين عناصر أخرى لهذا الاتجاه الكبير المقدر أن يكون مستدامًا.
ويمكننا أن نتذكر، على سبيل المثال، زيادة الشراكات بين إيران وروسيا من ناحية، والصين وإيران من ناحية أخرى، خاصةً أن التعاون المبرم هو تعاون سياسى وثقافى وعلمى ومصرفى وجامعى وعسكرى وصحى، ناهيك عن تلك الجوانب المتعلقة بالاستخبارات (فى هذا الصدد، هناك تفكير فى بناء قاعدة استخباراتية فى الأمن السيبرانى الصينى فى إيران).
كما يتضمن ميثاق التعاون الاستراتيجى لمدة خمسة وعشرين عامًا الموقع بين بكين وطهران اتفاقيات مصرفية تهدف إلى إمكانية الالتفاف على الدولار فى التجارة. كل ذلك يدعم توجه إيران نحو آسيا فى تسريع استثماراتها وتجاهل سياسة الجزاءات التى لا يبدو، فى الوقت الحالى، أن لها أى تأثير حقيقى على إمكانية حدوث تغيير جذرى فيما يتعلق بالملف الإيرانى. على العكس من ذلك، فإن استراتيجية العزل، لم تترك إيران وحيدة، بل على العكس تدفع الجمهورية الإسلامية إلى تعزيز وإنشاء تحالفات أخرى.
هذا الوضع يدخل فى إطار ما يسميه المرشد الأعلى «اقتصاد المقاومة» وهو تعبير استخدم على وجه الخصوص بعد الانسحاب أحادى الجانب لإدارة ترامب من الاتفاقيات النووية، حتى لو ظهر التعبير فى خطابات سابقة وفى الواقع، يشير إلى جميع القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الجمهورية الإسلامية، ويبدو أن مهمتها هى ضمان استدامة النظام.
وبالتالى، فإن الصيغة تتضمن بطبيعة الحال القضايا المتعلقة بعمليات الحظر وتشير من ناحية إلى مزايا المناورات الإيرانية للتحايل على العقوبات، ولا سيما من خلال إعادة تنظيم القنوات التجارية، ومن ناحية أخرى، تبرر استعداد طهران لتجاهل احتجاجات الأشخاص الذين يعانون من الأزمة.
وبعبارة أخرى، فإن «اقتصاد المقاومة» سيضفى الشرعية على الإبقاء على سياسة صم الأذن أمام التحديات، وبالتالى لا يمكن أن تشكل الجزاءات وسيلة للضغط للتأثير على موقف طهران. وقال روبرت مالى، مبعوث واشنطن الخاص للشئون الإيرانية، إن العقوبات فى يونيو ٢٠١٩ «غير منطقية أو تأتى بنتائج عكسية أو فى أحسن الأحوال غير ضرورية». ولذلك فإن أثر سياسة الحصار ينطوى على مفارقة: الإعلان الأخير لرئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامى، يكشف عن زيادة فى تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠ فى المئة فى مصنع فوردو (بعد تصريحات تحمل نفس الأرقام لموقع نطنز فى أبريل).
حركات الاحتجاج الحالية التى تجتاح البلاد منذ سبتمبر، لا تأثير لها على الموقف الإيرانى بشأن الاتفاقات، وتؤكد الطبقات الإعلامية والسياسية الغربية، التى تميل إلى التذرع بالحجة الأمنية للاستمرار فى سياسة الحد الأدنى من التسوية، أن التوقيع على نص يسمح برفع العقوبات عن إيران من شأنه أن يعزز النظام الذى لا يتردد فى قمع المظاهرات بالدم.. لذا فإن الحل الدبلوماسى ليس مدفونًا رسميًا، لكنه يبدو فى الوقت الحالى بعيد المنال.

معلومات عن الكاتبة :

أميلى إم تشيلى.. باحثة متخصصة فى إيران والأيديولوجيات الإسلامية، عملت على القضية الإيرانية للمؤسسات الفرنسية، بما فى ذلك وزارة الجيوش الفرنسية. وهى مؤلفة كتاب «إيران»، وهو تشريح للتشيع السياسى وقاموس الإسلاموية، نشرته دار سيرف الفرنسية.