غلطة ندمان عليها.. لأني وقعت، وربما هاقع تاني فيها، فخلال الساعات الماضية انتشرت "كالنار في الهشيم" رواية الست الشرقاوية التي أنقذت حياة أسرة بالكامل من الموت غرقًا.. بعدها بدقائق قامت الدنيا ولم تقعد لإلقاء الضوء على هذا النموذج الفريد للبطولة التي روتها "أماني"، وفي المقابل كيل الاتهامات بالسلبية للرجال الذين اكتفوا بالمشاهدة ورفع الموبايلات لتصوير الفيديوهات.
وبطبيعة الحال.. ولهثًا وراء متابعة الحدث وعدم التخلف عن السرب، تفاعلت مع ما تتداوله "السوشيال ميديا" و"الترند" وتوالت الإشادات الحقوقية بهذه البطولة النادرة.. ولكن، ولله الحمد، وبحس "ثعباني" متوجس كتبت موضوعًا عما يسيطر على أحاديث وسائل الإعلام من ترويج لهذه القصة.. وليس تأكيدًا لوقوع الحدث.. وهذا بالطبع يستدعي الاعتراف بخطأ "التسرع الحميد"، فالغيرة المهنية من التغيب عن متابعة الحدث والشغف الشديد بتلقف مثل هذه النماذج الإيجابية في المجتمع أنساني وأضاع علي ضرورة التأكد من وقوع الحدث نفسه من الأساس.
فرغم نشر الأخبار و"اللايفات" مع "أسطورة الشرقية" على كل المواقع والفضائيات.. سرعان ما ظهر التشكيك في الرواية بالكامل بطرح تساؤل حول عدم ظهور أي فيديو للواقعة ذاتها رغم تأكيد "أماني" تصوير الجماهير للواقعة، بينما خرجت هي بتأكيد جديد على تفجيرها مفاجأة من العيار الثقيل باستضافة الأسرة التي قامت بانقاذها.. وبين الرواية ونفيها ما زال الجدل محتدمًا.
فبعد مشوار قوامه قرابة 25 سنة صحافة إليكترونية، أستطيع بكل أريحية أن أعترف بأن طبيعة العمل في المواقع الإخبارية أوجدت أسلوبًا خاصًا في النشر لا يعتمد على الانتقاء والجودة والأهمية، كمحددات أساسية متعارف عليها في العمل الاعلامي، بل أنها نقلتنا إلى مرحلة أخرى شعارها "اللي سبأ كل النبأ".
ولعل هذه العبارة الأخيرة دليل دامغ على طبيعة العمل الجديدة "سبأ"، فكلنا يدرك تماما أن الصحيح في كتابتها "سبق"، لكن استتباعا للهث وراء احاطة القراء بالخبر وقت حدوثه، وأحيانا قبل حدوثه كما تعلمون، فإن هذا يولد حالة يمكن تسميتها "سرعة النشر" التي تتشابه بقوة مع المرض المتعارف عليه الذي يبحث الكثيرون عن علاج له لكن بطبيعة الحال فإن لكل دواء آثار جانبية.. ولعل هذا هو الثمن الذي يدفعه الموقع الإخباري والقارئ معًا.. ففي سبيل سرعة توصيل الطلب، عفوا الخبر، للقارئ.. فإنه ربما يحدث بعض التنازلات عن دقة اللغة وجودة الكتابة بل وصحة المعلومة.
وهذا هو لب المعضلة المستعصية على الحل في طبيعة عمل المواقع الإخبارية.. سرعة الوصول إلى القارئ (الأول إن أمكن).. ومراعاة المعايير المهنية للنشر، ويقاس نجاح أي مؤسسة إعلامية بمقدار تحقيق التوازن بين طرفي المعادلة قدر الإمكان بحيث تجتاز اختبار "سرعة النشر" بأكبر قدر من المهنية التي باتت على المحك أكثر من أي وقت مضى.
ولعل هذا هو أيضا الانجاز الحقيقي لأساتذة الإعلام في الفترة الحالية.. كيفية اعداد جيل من الاعلاميين بقدر لا بأس به من مراعاة الفوز بـ"الحسنيين".