على ألحان الفرح وترانيم قبطية تحتفل الكنيسة المصرية بتذكار عيد الغطاس "الظهور الإلهي" أحد الأعياد السيدية الكبري بالكنيسة ويمثل العيد الثاني في افتتاحية الأعوام الميلادية حيث يقع ترتيبه بعد عيد الميلاد المجيد.
ووسط أجواء الفرح المستمر بالأعياد تشارك "البوابة نيوز" جموع المصريين ملامح العيد بطريقة خاصة - قررت - أن تعيد للأذهان رؤية وتأملات وتفاصيل خاصة بالبطريرك الذي حمل العديد من الألقاب واتسم بالعديد من الصفات وخدم الكنيسة طيلة 41 عامًا بابا وبطريرك وتسع سنوات أسقفًا للتعليم، وقضى ثمانية وخمسين عامًا في رداء الرهبنة.. "الغطاس في عين البابا شنودة الثالث" البطريرك الـ 117 في عداد بطاركة الكرازة المرقسية.
عيد الغطاس كما يحمل العديد من التفاصيل والعادات والتقاليد الشعبية منها ما استمر والآخر اندثر لأسباب معلومة أو مجهولة ولكن يظل محتفظا بكل الخصائص الروحية والدينية ومُرتبطا بمحاور لايمكن الفصل بينهما "المسيح و مغطس نهر الأردن ويوحنا المعمدان" والظهور الإلهي؛ ونظرًا لمكانة هذا العيد ووجوده في تصنيف الأعياد السيدية الكبرى للكنيسة كتب عن البابا الراحل كتابا في صورة تأملات بعنوان " الغطاس و القديس المعمدان".
كما أولى اهتمامًا بالغًا بالعيد وكان حريصًا على مشاركة القداس الاحتفالي من الكرسي المرقسي بالإسكندرية ولم يغب عن أداء تلك الطقوس والعادة التي أرساها طيلة وجوده بالبابوية – بعيدًا عن سنوات التحفظ- سوى آخر أربع سنوات قبل رحيله في مارس 2012 ولكل منها حكاية وظروف وتفاصيل تكشف البوابة جوانبها الظاهرة والخفية. فكان آخر صلوات قداس احتفال للغطاس يرأسه البابا شنودة بالإسكندرية عام 2008 حيث أقام طقوس وصلوات العيد وحاضر بالكلية الإكليريكية واجتمع مع البسطاء خدمة " إخوة الرب" والتقى المسئولين والقيادات في صبيحة اليوم التالي للتهنئة كالمعتاد، بينما واكب ذلك حدوث اعتداءات على دير أبو فانا بمحافظة المنيا وهو ما دعا بعض الرهبان بأديرة الصعيد تصدر بيانا شديد اللهجة بشأن التجاوزات المستمرة في حق الكنيسة –آنذاك –
وبدأ غياب رباعي السنوات قبل أن يغيب بالجسد عن أرض المتاعب .. عرف عن الراحل أنه صاحب موقف وله طريقة خاصة في الاحتجاج أو الاعتراض فكانت هناك إشكاليات في عام 2009 بمحافظة الإسكندرية.
حيث هدم مبنى الخدمات التابع لكنيسة أبى سيفين بكينج مريوط فى نوفمبر السابق لعيد الغطاس رغم أن الأرض والمبانى فى ملكيتها ومرخص لها بالبناء ترخيص مبانٍ رقم 11569 لسنة 2007، الأمر الذى أصاب الجميع بالاستياء وفي المقدمة بابا الكنيسة؛ واتخذ الموقف المعتاد ولجأ لصلاة عيد الغطاس في دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون بعيدًا عن المقر السكندري وألغي مراسم استقبال المهنئين صبيحة العيد.
وأناب البابا شنودة وقتئذ الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، للصلاة، واشترك معه القمص شاروبيم الباخومى وكيل بطريركية الإسكندرية والكهنة الكنيسة، وحضر القداس أعضاء المجلس الملى السكندرى والآلاف الذين تعجبوا غياب البابا للمرة الأولى على غير المعتاد لتلك الاحتفالات.
وفي عام 2010 حدثت مذبحة نجع حمادى الذى راح على أثرها 6 شباب أبرياء، واحتجب البطريرك آنذاك عن حضور احتفال الغطاس الذي يأتي بعد عيد الميلاد الذي شهد الفاجعة، فضلًا عن الخلاف الذى تطور بين محافظ الإسكندرية والكنيسة بعد صدور قرارات إزالة بشأن عدد من مباني الخدمات الكنسية وهدم بالفعل مبنى خدمات أبوسيفين دون إعطاء الكنيسة فرصة تفريغه من محتوياته، ومبنى خدمات زاوية عبدالقادر فى العامرية، و سور دير مارمينا للراهبات، ومبنى خدمات قرية العراقة فى العامرية، ومبنى خدمات الأنبا تكلا فى كامب شيزار.
أما غياب عامي 2011 و 2012 للبابا شنودة عن قداس الغطاس ذي المكانة العالية وبحسب المعتاد منه بين الشعب السكندرى كان بسبب المرض، في العامين كان يجري فحوصات طبية خلال زيارات علاجية للاطمئنان على القلب والكليتين بمستشفى كليفلاند الأمريكي، ويبدو أن الإشكاليات والهموم كانت تلاحقه حتى خارج الحدود فوقع حادث إطلاق شرطي النيران على أقباط قطار سمالوط وأسفر عن ضحيته قتيل وخمسة جرحى تقريبًا، وكان يتابع الأوضاع رغم خضوعه للفحوصات وأوفد البابا ثلاثة أساقفة للصلاة على جنازة فتحى عبيد ضحية الحادث بكنيسة مار يوحنا الحبيب بحلمية الزيتون.
وفي 2012 كان في آخر رحلة علاجية قبل أن يترك أرض المتاعب، وغاب عن القداس الاحتفالي، ولكن حرصه على متابعة أخبار الوطن ووجه تحية لشهداء يناير وتابع انتخابات البرلمان الجديد متمنيا للبلاد التوفيق في تحقيق الآمال المعلقة.
الغطاس في عيون البطريرك الـ 117
يزخر صندوق الفيديوهات بالعديد من المأثورات والتأملات وأيضا سطر في كتاب معلومات ورؤية عن الغطاس وفق منظور الكتاب المقدس وما جاء من آيات مفسرًا الأمور الروحية والعقائدية حول المعمودية والغطاس دليل على أن تكون بالتغطيس في المياه وليست بالرش حسبما يراها البعض، وإقدام المسيح علي التّعمد بنهر الأردن رغم عدم احتياجه لها ولكنه إتمام كل بر وتحقيق مبدأ الطاعة والالتزام حتي يعلمه للجميع، وأيضًا أهمية المعمودية كأحد أركان وأسرار الكنيسة.
ومن الخواطر والتأملات والعظات وضح أسماء عيد الغطاس أو معمودية المسيح، وعيد الظهور الإلهي، عيد الابيفانيا، وعيد اللقان، وعيد برامون، وأنه أُطلق عليه مسمى الغطاس نسبة طقس المعمودية، وهو أحد أهم أسرار الكتاب المقدس، الذي يقوم به الكهنة لكل طفل مسيحي، يبدأ الاحتفال بإقامة القداس الإلهي وترتيل بعض آيات الإنجيل والألحان ورفع البخور، ومن ثم مباركة المياه التى يتم الاحتفاظ بها كرمز لمياه نهر الأردن، ثم يبدأ القساوسة القداس بصلاة تعرف باسم "اللقان"، موضحًا الفروق بين المعمودية في عهد يوحنا المعمدان والآن بعد المسيح أصبحت ميلاد الماء والروح القدس فيها يموت الإنسان ويقوم من جديد.
يفنّد في التأملات أو الكتب أن الكنيسة سمت العيد بالغطاس تّذكر أن المسيح تعمد بالتغطيس، وأيضا هناك الآثار القديمة جميعها تظهر جرن المعمودية أي عمق للغطس والتعميد، والمعمودية في الكنيسة القبطية هي باب الدخول الأسرار الكنسية - هي أعمال مقدسة ومِنَح إلهية- ووفق الترتيب هم:"المعمودية، الميرون، الزواج، الإفخارستيا، التوبة، الكهنوت ومسحة المرضى".
حصد الأسرار
كما أن الأقباط دوما يصفون المعمودية بـ" التنصير" لأن الطفل بالمعمودية صار نصرانيًا وهو تعبير سليم لاهوتيا، واستند البابا في كتابه على الآية "من آمن واعتمد خلص"، فإن يوم "العماد" للأطفال كانوا أو الكبار يكون بمثابة عيد للأسرة والطفل حيث يخرج من المعمودية إنسان جديد طاهر ومحمل بموهبة الروح القدس ومرتديا البر والقداسة، ولذا يرتدى الأطفال أو الكبار ملابس بيضاء بعد المعمودية ترميزًا للنقاء والطهارة والحياة الجديدة، ويوضع الكاهن للطفل المعتمد" زنار" أحمر أو شريط رمزا إلي دم المسيح الذى به يتبرر.
وبعد تحقق السر الأول من أسرار الكنيسة المعمودية وتقوم الأم أو اشبين " المسئول عن الطفل" بقراءة صلوات و تجحد الشيطان أى ترفضه وهو بمثابة اعتراف بقبول الله ويعّد بمثابة اعتراف نيابة عن الطفل، وبعدها يقوم الكاهن أو القس بدهن الطفل 36 رشمة بزيت الميرون المقدس على كل مفاصل جسمه ويحصن بالرشم المقدس ويقول الكاهن أقبل الروح القدس وكن إناء طاهرا لله، كما إنه ينال سر التناول في نفس اليوم، وما يقوم بجميع طقوس الصلوات هو كاهن بما يحقق أحد أسرار الكنيسة.
ويمزح في أحد التسجيلات البابا الراحل بقوله " كده الطفل نفذ غالبية الأسرار الكنسية فاضل يتجوز وده لسه بدري، مشددا على أن تعهد الأم أو اشبين الطفل والمسئول عنه أمرا مهما حيث إنه من يعلم الطفل كل أمور الدين وتربيته في خوف الله وعلى الأمهات والآباء تذكار أبنائهم أنهم جحدوا الشيطان نيابة عنهم أيام المعمودية وحينما يكبرون وجب عليهم إكرام الأب والأم الروحيين الله والكنيسة الذي هو ابنهم.
كما كان يمازح الحضور لعظاته قائلا:" لو عيل طلع شقي شوية الكاهن يقول للأم انتي شكلك لم تجحد الشيطان من قلبك على سبيل الدعابة لضرورة الاهتمام بتربية الأبناء بطريقة روحية دينية .
كما كان يتطرق البابا الراحل في الكثير من اللقاءات الى عظمة يوحنا المعمدان وشهد له المسيح نفسه بتلك العظمة، ووصف كالملاك وهو مرشد إلي الروح والإيمان، حتي أصبح شهيدا في سبيل تحقيق صحيح الإيمان والتعالم.
إن الغطاس وهو تذكار معمودية المسيح والتي لم يحتاجها إلا أننا نقف أمامها متذكرين البركات الإلهية التي منحها للإنسان وفتح أبواب الحياة الجديدة وطريق أسرار الكنيسة .