قال الكاتب سامح فايز، الباحث فى شئون الجماعات المتطرفة، إن ذهاب البعض لتنقية أو إعادة قراءة سيد قطب ليس جديدا على جماعة الإخوان الإرهابية، وأنه منذ فترة قريبة، ظهرت كتابات تلعب على هذه النقطة، تحديدا من مجموعة إخوان قطر، واللافت للانتباه إن طبعة «الظلال» الجديدة خرجت مدعومة ببعض أصوات من داخل الجماعة، والسؤال هل هذه القراءة تعبر عن الجماعة ككل، أم أنها تعبر عن مجموعة داخل الجماعة المتشظية حاليا؟ ونحن حاليا نتحدث عن مجموعات داخل الجماعة، لكن بالنظر إلى أصوات أخرى نكتشف أن هناك صراعا بينهم حول التعامل مع أفكار سيد قطب.
وأضاف «فايز» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، أنه منذ الستينيات كانت هناك مجموعة من الإخوان داخل السجون، ومجموعة خرجت من مصر وسافرت إلى دول أوروبية، وهناك عملوا على تقديم رؤية جديدة من منهجهم تتوافق مع المجتمعات التى فروا إليها، أى أن الحياة الجديدة فى أوروبا اضطرتهم لكتابة فكر جديد يناسب الدول التى استقروا فيها، مثلا قديما كنا نسمع منهم مصطلحات «دار الإسلام» و«دار الكفر»، فكيف يتجاوزون مثل هذه المسألة وهم فى بلاد «دار الكفر» كما يعتقدون، فبدأوا يتحدثون عن مصطلح «دار الدعوة»، وذلك فى كتابات يوسف القرضاوى، ومن أبرز نماذج هذا الاتجاه التونسى راشد الغنوشى الذى استقر فى فرنسا لمدة من حياته، ومن أبرز نتائجها النموذج التركى.
ويرى «فايز»، أن الهدف وراء طبعة «الظلال» تكتيكى، ربما محاولة لرسم صورة مغايرة عن جبهة لندن، أى أنها تصدر للآخر أنها علمانية أو ليبرالية أو ذات فكر متسامح ومرن، لكنها تبطن ذات الأفكار المتشددة لحين التمكن من السلطة. ويمكن من مثل هذه الملاحظات أن نفسر الصراع الدائر بين جبهات الجماعة حاليا فمجموعة محمود حسين ومحمد كمال ترى أن الجماعة هى كما هى بأفكارها المتشددة، ولا تحتاج إلى إعادة تلميع، أو إنتاج أفكار جديدة مناسبة للظروف والزمن، وبين مجموعة لندن التى تسمع منها خطابا يتسامح مع قضايا مثل المثلية بدعوى الحريات وعمل المرأة وولايتها وغير ذلك، ومثل هذه المجموعة الأخيرة التى تفضل التحلل من بعض أفكار الجماعة، وبعضها يفضل التحلل من الانتماء التنظيمى لها بهدف التخفف من أعباء الجماعة، لكنهم يحملون نفس الفكر، وظهرت ملامح هذا التيار مع إخوان الغرب فى المنظمات والمراكز الإسلامية التى لا تحمل اسم جماعة الإخوان، بل نلاحظ مسميات مثل اتحاد مسلمى فرنسا، أو رابطة مسلمى لندن، فالمجموعة لا تريد التخلى عن الكتب المؤسسة للجماعة، وفى نفس الوقت لا تريد تقديمها بنفس أفكارها، لذا فهى تعيد تلميعها وهذا كذب وتلفيق.
وحول الفكرة القائلة بأن السجون والتعذيب وراء توجهات سيد قطب الحادة والعنيفة فى أفكاره، يقول «فايز» إن أفكار قطب التى قال بها منذ سجنه هى نفس أفكاره فى الأربعينيات أى قبل دخوله السجن، ومن المدهش أن نرى البعض يريد أن يبرر أفكاره الإرهابية بفكرة التعذيب فى السجن، والحقيقة أن قطب لم يتم تعذيبه فى السجن بل كان يحظى بالاهتمام، وتم إيداعه فى المستشفى بدلا من السجن.
ويتساءل «فايز»، إذا كان تليمة يريد نشر كتاب قطب بدون الأفكار الحركية التى أضافها، فهل هذا نوع من الاعتراف بأن أفكار قطب تكفيرية؟ خاصة أن القرضاوى اعترف قبل ذلك بأن قطب كفر المجتمع، فلماذا يهاجمون من يرى مثل هذه الرؤية فى كتابات سيد قطب، هذه أفكار تربى عليها أجيال من الإخوان، وكان تفسير الظلال هو التفسير الوحيد المعتمد من قبل الجماعة فى جلسات الأسر ولجان التربية، فكيف تأتى الآن وتحذفها من الكتاب!
ولفت «فايز» إلى أنه كتب عدة مقالات حول أفكار سيد قطب المتطرفة، موضحا أنه «طالنى الهجوم العنيف من قبل أنصاره والمتعصبين له، بل والذين ينشرون أفكاره، بل ودخلت المحاكم، وسألنى البعض وما المشكلة أن يستعين مؤلف بأفكار سيد قطب فى كتاباته؟ وأسألهم أليست هذه هى أفكار قطب التى تحاول الجماعة الهروب منها حاليا؟ وأستطيع أن أقول إنها خطوة تكتيكية فى إطار الصراع الدائر بين جبهات الجماعة، لأنه من يريد أن يتحكم فى الجماعة لابد أولا أن يدير مثل هذه الكتب المؤسسة والشخصيات التاريخية للجماعة، فيحدد دورها وموقفه منها. وأعتقد أن إعادة نشر كتاب قطب على يد تليمة ليس خروجا من مأزق، أو من الدائرة، أنت هنا أمام تكفيرى ينظر فى كتاب تكفيرى آخر، ما العمل إذن؟
يشار إلى أن عصام تليمة، شرح فى عدة تدوينات وحلقات مرئية على صفحته فيسبوك، أسباب إقدامه على هذه الخطوة، ومنها أنه يرغب فى أن يكون الكتاب مساهمة فى الوقوف على المسار الفكرى لقطب، ولإعطاء القارئ فرصة للتمييز بين أفكار قطب المثيرة للجدل وبين أفكاره التى كتبها بهدوء بعيدا عن السجن، وأيضا العودة لهدف مؤلف الكتاب، فـ"قد أراد سيد قطب من الظلال أن تكون تأملات أديب ومفكر مؤمن مع كتاب الله، ولم يستهدف منه تناول القضايا الفقهية والعقدية، أو القضايا الشائكة التى تحتاج لمؤهلات خاصة».
وشن الكثير من عناصر الجماعة هجوما على تليمة، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان المنتمين لجبهة لندن، ما جعله يدخل فى سجال معهم ويرد على كل القضايا التى أثاروها ويذكر رغبته القديمة فى إعادة طباعة أعمال قطب، لكن محمد قطب أخو سيد رفض رغبته وعارضه بل ومنعه من ذلك.