أعلن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الاثنين، تفاصيل تحديث نتائج الربع الأول من العام الثانى لتحليل الطلب على الوظائف في سوق العمل المصري برعاية البنك الأهلى المصري، والذي يعد الأول من نوعه حيث يستهدف تحقيق التوافق بين مهارات الراغبين في العمل، وما تبحث عنه الشركات من خلال فهم كامل لطبيعة الطلب لأنه المحرك الرئيسى.
واستعرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، أهم المستجدات فى التحليل خلال هذا العام، والذى يتضمن إمكانية المقارنة على أساس سنوي بعد إتاحة بيانات الربع الأول من العام الثاني، بالإضافة إلى تركيز أكبر على مناطق جغرافية محددة وقطاعات بعينها تبين أنها تعاني مشكلات مزمنة في إنتاج الوظائف، مضيفة أنه لأول مرة استطاع المركز البدء في بناء قاعدة بيانات خاصة بالوظائف المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة في القطاع الخاص في مصر، على أن يتم تحديثها وتوسيع نطاقها باستمرار خلال الفترات القادمة، كما أنه جاري العمل على تطوير أداة تتيح رسم المسار الوظيفي للباحثين عن العمل بناء على مهاراتهم الحالية ودرجة إتقانهم لها.
وأضافت عبد اللطيف أن المركز سيقوم بتوفير معلومات تفصيلية بخصوص موقع مصر على الخريطة العالمية للعمل الحر، متضمنة حجم هذا السوق، أهم الفرص غير المستغلة، وكيفية تعزيز تواجد الشباب المصري فيه، وذلك توافقا مع الظروف الاقتصادية الحالية وفي إطار سعي الشباب للعمل الحر عن طريق الإنترنت لتحقيق دخل بالعملات الأجنبية، لافتة إلى أنه تم تعزيز قدرات وحدة تحليل البيانات بالمركز، وتوسيع نطاق عملها، لتبدأ في دمج أحدث تقنيات الذكاء الصناعي مع أدوات الاقتصاد القياسي لدراسة الأثر الاجتماعي والاقتصادي للسياسات العامة في مصر، والوقوف على النتائج السببية لهذه السياسات وليس فقط جرد علاقات الارتباط بينها.
وحول أهم النتائج التى أظهرها التحليل خلال الربع الأول من العام الثانى، يعد التذبذب الشديد هي السمة العامة للإنتاج الوظائف في مصر، سواء على مستوى القطاعات أو المناطق المنتجة للوظائف، باستثناء بعض الحالات الفردية، مع العلم أن هذه المشكلة أقل حدة بالنسبة لذوي الياقات البيضاء مقارنة بالزرقاء.
وهم أهم النتائج على مستوى القطاعات والمجالات، كشف التحليل تراجع إنتاج الوظائف في القطاع الصناعي بشكل متواصل منذ الربع الثاني، وانحصر التراجع في الفئات التالية: فنيين الإنتاج، عمال التشغيل، عمال التعبئة والتغليف في جميع الصناعات التحويلية بلا استثناء، وتركز تراجع الوظائف الصناعية في المدن التالية: السادس من أكتوبر، العبور، العاشر من رمضان، العامرية وبرج العرب.
وأشار التحليل إلى أنه من اللافت للنظر تراجع الطلب على جميع أنواع الوظائف ذات الصلة بإنتاج وتجارة السيارات وقطع غيارها، وتحديدا: ميكانيكا وكهرباء السيارات، جاء ذلك بالتوازي مع توقف استيراد السيارات الجديدة بشكل شبه كامل، وارتفاع اسعار السيارات المستعملة بنسب تصل إلى 70% خلال عام واحد فقط، وهو ما تسبب في ركود شديد في حركة البيع والشراء
كما رصد التحليل تراجع مزمن في إنتاج الوظائف في المجالات المتعلقة بالطباعة والنشر منذ الربع الثاني، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الورق بنسب وصلت إلى 300% خلال أقل من عام.
وبالنسبة لأهم نتائج التحليل على المستوى الجغرافى، استمر تراجع إنتاج الوظائف في الوجه البحري بشكل عام منذ الربع الثاني، خاصة في دمياط حيث تركز التراجع في مجالي الحرف والتسويق والمبيعات، وهو ما يؤكد استمرار ركود قطاع الأثاث بالمدينة، كما تراجع إنتاج الوظائف في القاهرة حتى بعد استبعاد أثر الموسمية، وهو ما يعكس عمق المشاكل التي يواجهها مجتمع الأعمال في مصر.
وكانت الجيزة هي المحافظة الوحيدة التي شهدت نموا متصلا في إنتاج الوظائف من ربع لآخر خلال العام الأول، ولكن تراجع إنتاج الوظائف في جميع القطاعات باستثناء التسويق والمبيعات في الربع الأول من العام الثاني.
وتعد المركزية الشديدة هي السمة العامة لإنتاج الوظائف في مصر، يتركز 87% من إنتاج الوظائف في إقليم العاصمة، أما فى باقي المحافظات يتركز إنتاج الوظائف في عاصمة كل محافظة، على سبيل المثال تستحوذ طنطا على 62% من إنتاج الوظائف في الغربية، وتستحوذ العاشر من رمضان على 58% من إنتاج الوظائف في الشرقية، بالإضافة إلى تراجع إنتاج الوظائف في الإسكندرية ومطروح بالتوازي مع انتهاء موسم الصيف، ولم يقتصر الأمر على الوظائف السياحية فقط، ولكن امتد ليشمل العديد من الوظائف الخدمية المرتبطة بالقطاع السياحي، وفى المقابل حافظ البحر الأحمر وجنوب سيناء على نفس معدل إنتاج الوظائف المسجل في فترة الصيف.
ورصد التحليل عدد من النتائج الأخرى منها ارتفاع نسبة الوظائف التي تشترط مؤهل عالي إلى 46% مقارنة بـ 40% في الربع السابق مباشرة، وذلك بسبب تراجع الطلب على أصحاب المؤهلات العليا بـ 8% فقط في الربع الحالي مقارنة بالربع السابق، مقارنة بـ 31.5% للمؤهلات المتوسطة.
وأشار التحليل إلى أن حديثي التخرج الحاصلون على تعليم متوسط أو أقل ولا يملكون مهارات قوية سيواجهون وقتا عصيبا في الحصول على وظيفة أثناء فترات الأزمات، وسيزداد الأمر صعوبة إذا كان العمل في القطاع الصناعي أو القطاعات التي تعتمد بكثافة على الاستيراد كقطاع السيارات والطباعة على سبيل المثال.
وتراجع الطلب على المؤهلات المتوسطة حتى بعد بعد تحييد أثر الموسمية، وهو ما أرجعه التحليل إلى أنه في أوقات الأزمات تميل الشركات إلى تقليص الطلب على الأقل مهارة بشكل أكبر من غيرهم، خاصة في ظل استعداد أصحاب التعليم العالي للقبول بأي وظيفة في ظل صعوبة الظروف الاقتصادية.
ورصد التحليل تراجع الطلب على الوظائف بوتيرة أسرع كلما انخفض مستوى المهارة والخبرة المطلوب، من هنا تأتي أهمية تطوير المهارات لتعزيز فرص الحصول على وظيفة حتى في أوقات الأزمات، بالإضافة إلى ذلك رصد تراجعا مستمرا في الطلب على الذكور، حتى بعد تحييد أثر الموسمية، وذلك للتراجع الشديد في انتاج الوظائف في القطاعات الصناعية والخدمية الأكثر طلبا على الذكور.
وبالنسبة لذوي الياقات البيضاء كشف التحليل تراجع الوظائف التي تتيح العمل من المنزل بنسبة 39% في الربع الحالي مقارنة بالربع السابق، مقابل 19% فقط في حالة الوظائف الاعتيادية.
وأشار التحليل إلى عدم كفاية إنتاج الوظائف في مصر مقارنة بأعداد المتقدمين لهذه الوظائف، حيث يتراوح متوسط المتقدمين لكل وظيفة واحدة بين 35 في مجال تكنولوجيا الاتصالات والبرمجيات، وإلى 150 في مجال القانون والمحاماة، وظهر ضعف مستوى المهارة لدى الأغلبية العظمى من المتقدمين للعمل في السوق المصري، حيث سجلت نسبة المتقدمين المؤهلين للوظائف 4% فقط من إجمالي المتقدمين في مجال السياحة، وترتفع هذه النسبة إلى 10% في مجال تكنولوجيا الاتصالات والبرمجيات وهي النسبة الأعلى على الإطلاق بين جميع المجالات، ومع ذلك فالاقتصاد المصري لا ينتج وظائف كافية حتى للمؤهلين فقط من المتقدمين في معظم المجالات.
وتضمن التحليل لأول مرة مؤشرات للطلب على الوظائف لذوى الاحتياجات الخاصة، والتى لا تتوفر بها بيانات كافية حيث تعد هذه النسخة تجريبية لضعف البيانات المنشورة، ولكن يسعى المركز لبناء قاعدة بيانات تفصيلية حولها، وأظهرت النتائج أن الطلب على ذوي الاحتياجات الخاصة ينحصر في العاصمة والوجه البحري فقط ويختفي تماما في الوجه القبلي والمحافظات الحدودية، كما تتركز الوظائف المتاحة على الاحتياجات الحركية والبصرية، ولم يتم الإعلان عن وظائف لأصحاب الصعوبات الأخرى، بجانب أن 37% من وظائف ذوي الاحتياجات الخاصة لا توفر تغطية تأمينية سواء صحية أو اجتماعية، و56% من الوظائف تشترط أن يكون المتقدم حاصل على تعليم عالي، في حين أن حاملي المؤهلات العليا لا يمثلون سوى 6% فقط من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر.
وأشاد هشام عكاشة رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى بمجهود المركز فى هذه التحليل، مؤكدا أن هذه التقييمات تعكس الوضع فى سوق العمل والفرص الموجودة فى السوق، وهو ما يجب أن تستفيد منه كل الجهات وعلى رأسها التعليم حتى يحدث التناسق بين مؤهلات الخريجين ومتطلبات سوق العمل.
من جانبه أرجع نديم إلياس رئيس غرفة الطباعة والتغليف باتحاد الصناعات، السبب الرئيسى لتراجع الطلب على الوظائف فى صناعة الطباعة إلى تراجع الطلب على المنتجات والتغليف وليس ارتفاع أسعار الورق فقط، لافتا إلى دخول مصنعين جدد فى مجال إنتاج الورق المخصص للتغليف وتوفيره للسوق المحلى بديلا عن الاستيراد، ولكن نظرا إلى تراجع الطلب على المنتجات تسبب ذلك فى تراجع الطلب على العبوات والتغليف، كما تأثرت أيضا صناعة النشر تأثرا كبيرا بارتفاع أسعار الورق بشكل كبير نتيجة أزمة الدولار.
وعلق ضياء الدين داوود عضو مجلس النواب عن محافظة دمياط، على النتائج الخاصة بتراجع الطلب بشكل حاد على الوظائف فى محافظته، أن ركود صناعة الأثاث أحد الأسباب الرئيسية لذلك خاصة وأن 90% من مدخلات الإنتاج فى هذه الصناعة مستورد من الخارج، وهناك ندرة فى الخامات نتيجة صعوبة تدبير الدولار، ومن ناحية أخرى تراجعت تكنولوجيا صناعة الأثاث فى المحافظة مما أفقدها القدرة على المنافسة المحلية مع مصانع كبرى فى مصر من ناحية، وأيضا القدرة على المنافسة الخارجية، وهو ما تسبب فى انخفاض العمالة وقدرة القطاع على توفير الوظائف.
وأشار شريف منصور مدير عام إدارة الموارد البشرية والتوظيف بالبنك الأهلى المصري، إلى تحسن نتائج اختبارات القدرات التى يجريها البنك مع شباب الخريجين المتقدمين للعمل بالبنك على مستوى المهارات المختلفة مقارنة بالسنوات الثلاثة الماضية، وهو ما أرجعته الدكتورة عبلة عبد اللطيف إلى زيادة وعى الشباب بالمهارات المطلوبة لسوق العمل بعد التخرج خاصة اللغات والحاسب الآلى، وهو ما يتوجب أن يتم تضمينه فى مناهج التعليم لتتواكب مهارات الخريجين مع متطلبات سوق العمل، لأنه لن يكون هناك فرصة لمن لا يملك هذه المهارات وفق ما أظهره التحليل.