احتفل المسيحيون أمس الجمعة بعيد «الغطاس» أو ما يُسمى بـ «الأبيفانيا» بمعنى الظهور الإلهي، احتفاء بذكرى معمودية المسيح فى نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان.
فإن الصمت في حرم المقدسات جمال.. "البوابة نيوز" تطلع قراءها على مُعايشة لحظات وأجواء مفعمة بالروحانيات ممزوجة بالإنسانية في نهر الأردن الشاهد على ميلاد المسيح.
هنا نزل الصوت من السماء بحسب الإنجيل «هذَا هُوَ ابْنى الْحَبِيبُ الَّذِى بِهِ سُرِرْتُ»، محيط المغطس وتفاصيل الكنائس وتواجد الطوائف ولقاء الأحباء المحرومين في ظل وطأة احتلال مجحف في أرض القدس.
في قلب نهر الأردن يغطس الوافدون لنيل البركات وإتمام مراسم الحج الكامل للأراضي المقدسة التي عاش ومات ومنها صعد المسيح، وفي القلب يعتمدون وآخرون يجتمعون مع الأحباء سواء المطرودين أو الملاحقين من سلطة الاحتلال ينتهز الفرصة حتى يروا أبناءهم وذويهم.
تصدى أجراس الكنائس وتشهد الاحتفالات أوجه متعددة ما بين الطوائف الذين يتقاسمون الأيام في موسم الحج والمعمودية، ولاسيما بأن الزيارات الدورية واليومية تظل قائمة طوال العام.
وقد تأثر المغطس جراء جائحة كورونا التي حجبت وصول الكثيرين أو المريدين للتبارك بسبب التحديات والشروط ولكن مع انفراجة الأيام تزايد الأعداد ويواصل النهر في احتضان متباركين والأحباء.
عيد الغطاس أو عيد العماد وعادة ما يحتفل مسيحيو مصر بهذا العيد يوم 19 يناير من كل عام، ولكل طائفة أو كنيسة مواعيد للاحتفال به وعلى طريقة خاصة بها بتقاليد محددة وعادة ما يرأس البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية الاحتفال بعيد الغطاس من الكنيسة المرقسية بالإسكندرية ويبارك خلاله المياه.
وقال الأب رفعت بدر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، إن الكنائس الكاثوليكية احتفلت في المملكة الاردنية الهاشمية الجمعة الماضية، بيوم الحج السنوي الوطني الثالث والعشرين إلى موقع المعمودية (المغطس).
وأضاف "بدر" أن هذه السنة الــ"23" لهذا الحج الذي ابتداء منذ عام 2000 م وكان أول الحجاج إليه البابا القديس يوحنا بولس الثاني ثم زاره البابا بندكتوس السادس عشر رحمه الله في مايو 2009 وهو الذي وضع حجر الأساس للكنيسة التي يحتفل بالذبيحة الإلهية " القداس الإلهي، والذي يتراسه البطريرك بيير باتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين ويشترك معه الأساقفة رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأردن، كذلك هناك عدد من الأساقفة القادمين من أوروبا وأمريكا وكندا الذين يجتمعون في هذه الأيام كوفد للتنسيق من أجل الأرض المقدسة كما هو اسمه الرسمي.
وتابع : أن الاحتفال شهده 5000 حاج، وبدأ الليتورﭼيا – الطقوس- برش المياه المباركة من مياه نهر الأردن على رؤوس المؤمنين علامة على مبدأ موسم الحج وعلي الاحتفال بعيد معمودية السيد المسيح على الضفة الشرقية من نهر الأردن المبارك".
وأوضح مدير المركز الكاثوليكي للدراسات بالأردن، أن العام الحالي هو الأول بعد انحصار موجة كورونا لذلك العام الماضي كان الحضور فقط نحو ألف شخص والعام الذي قبله كان الحضور فقط 250 شخصا، وحاليّا يشهده الألوف المؤلفة، وننتظر الجمعة المقبلة أي الجمعة الثالثة من شهر يناير ليحتفل الإخوة الأرثوذكس بيوم الحج، وينتظر أيضا ألووف الحجاج في ذلك اليوم كل عام وأنتم بخير.
من جهته؛ قال بكر العبادي- المرشد السياحي بالمغطس، إن المكان الذي اعتمد فيه السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان وفق المعتقدات المسيحية يتواجد فيه 6 كنائس «الروم الأرثوذكس – الكنيسة الروسية – الكاثوليكية – الأرمنية – الإنجيلية اللوثرية – القبطية».
وأضاف "العبادي"، أن خمس كنائس بنيت من القرن الخامس تذكارًا إلى معمودية المسيح وتوجهت عدة دول لبناء عدة كنائس لتنضم إلى الهيئة الملكية لموقع الغطس، وهناك عمود رخامي عليه صليب من الحديد وفي نفس الموقع توجد كنيسة يوحنا المعمدان التي بناها الإمبراطور "أنستاسيوس" وهذه الكنيسة مبنية على أعمدة لحمايتها من فيضان النهر، وفي مدينة "بياتشينزا" على ضفة النهر في الموقع الذي تعمد فيه المسيح درج من الرخام يقودك إلى الأسفل باتجاه المياه.
واستطرد يوجد على حافة النهر كنيسة صغيرة مربعة الشكل مبنية، كما يقال في الموقع الذي ترك فيه رداء السيد المسيح عندما تعمد، وهذه الكنيسة مرتفعة على أربع عقود برميلية فوق مياه النهر المتدفقة، كما يوجد حوض تعميد مصلب الشكل استخدم من قبل الحجاج وهو الوحيد بالعالم الذي استخدمت فيه مياه نهر الأردن الجارية للتعميد فيه.
وألمح إلي أن هناك بقايا أثرية هامة أخرى في نفس الموقع عبارة عن كنيستين كبيرتين فريدتين من نوعهما بنيت على أنقاض كنيسة يوحنا، حيث إن لهما بوابة من الشرق توصل من خلال الدرج الرخامي باتجاه حوض التعميد المصلب الفريد الذي استخدم فيه مياه نهر الأردن للتعميد والذي يعلوه كنيسة الرداء.
كما تحدث المرشد السياحي بالمغطس، عن القاعدة الشمالية الغربية لكنيسة الرداء على بعد رمية حجر من نهر الأردن، وهناك كنيسة صغير له حتى وتوالت بناء الكنائس الفريدة بتصميمها المعماري علي ضفة النهر وهو شاهد على تحدي وتصميم المؤمنين لقوى الطبيعة على بناء كنيسة الواحدة بعد الأخرى في البقعة التي آمنوا بأن السيد المسيح قد تعمد فيها، رمزًا للتعايش المسيحي الإسلامي في الأردن حتى يومنا هذا.
وأشار العبادي إلى الأشكال الموجودة على طريق الأراضي المقدسة "الفسيفسائية" والتابعة لموقع بيت عنيا عبر الأردن، وبالأخص السمكتين إحداهما تتجه نحو البحر الميت أما الثانية فتبتعد عن البحر، لأن السمك لا يعيش في مياه البحر المالحة فيعود شمالا وهذا تفسير، وهناك تفسير آخر هو أن السمكة استخدمت كرمز للسيد المسيح، واستخدمت السمكة أيضًا كرمز للتعميد.
وبما أن السمك لا يعيش إلا بالمياه، فإن المسيحي الحقيقي لا يعيش إلا بمياه التعميد، لذلك التقاء السمكتين في هذه المنطقة، والشكل الثاني وهو عبارة عن غزال يلاحقه أسد، بالإضافة لتمثيلهم البرية فإنهما يرمزان "للشر يلاحق الخير" أو "القوي يلاحق الضعيف"، وبمعنى آخر "هيرودوس يهدد يوحنا المعمدان الذي انتقد زواجه بامرأة أخيه".
وكشف أن الجنسيات التي تزور المغطس أولا الأمريكان ثم الأوروبيين ثم الروس ، بينما العرب يزورون الموقع بنسب قليلة .
وبشأن تعميد المؤمنين؛ قال: "المعمودية تتم بشكل مستمر بغض النظر عن وقت الحج ، ويتم التعميد في نهر الأردن على شكل مجموعات أو أفراد حسب الترتيب التي يتفق عليه من قبل قيادات الكنائس".
أوضح "العبادي" أن برنامج الزيارة نفس البرنامج اليومي العادي ولكن بالحج أغلب المترددين على الزيارة هم الحجاج؛ لافتّا إلى أن معدل الزياره اليومية العادية خارج إطار الحج يتجاوز نحو 350 زائرا يومياً، بينما في موسم الحج الأعداد تتزايد.
وعن جوانب إنسانية تشهدها ساحة المغطس من المترددين عليها في مواسم الحج، كشف "العبادي" أنه في موسم الحج يتردد على المغطس بعض الأفراد والأشخاص الممنوعين من دخول القدس والمطاردين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لكي يلتقوا بأسرهم على الحد الفاصل في المغطس بين الأردن والأراضي المقدسة، ويحتضنون بعضهم البعض ويجلسون مع بعضهم في مياه المغطس.
في سياق مُتصل؛ قال المطران سني إبراهيم عازر مطران الكنيسة اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، إن الكنيسة لها مكان بموقع المغطس مكون من كنيسة وقاعة ومنزل القس، وأنهم احتفلوا بـ الغطاس "عيد الظهور الإلهي" الأسبوع الماضي وشارك بالاحتفالية في المغطس فيما يقرب من 80 أسرة إنجيلية لوثرية، بينما في القدس شارك أكثر من 170 أسرة لوثرية.
وكشف "عازر" أن المعمودية التي تتم للاطفال الصغار، أما الأشخاص غير المعمدين فهم ممن يتقدم للمغطس من الكبار، والمعمودية تتم في الكنيسة أو في نهر الأردن .
وما زال فيض البركات أول سبل الحج تأتي من نهر الأردن حيث اعتمد المسيح وتكون زيارة القدس مكتملة أركان الحجيج الكامل بزيارة وغطس مياه النهر الذى تبارك بنزول المسيح لتبدأ ميلادية جديدة وإيمان وروحانية عارمة وخير بأرض الأردن وفلسطين.
