استقبل البابا فرنسيس، أعضاء مجلة "Mundo Negro"، في المكتبة الخاصة بالقصر الرسولي بالفاتيكان. وعندما قدموا له نسخة من نشرة "Africa 2022 Special"، أجاب على الفور أنّه عليه أن يتصفّحها. ثم اقترح المحادثة على الفور معهم، قائلاً "اسألوا ما تريدون".
في جواب على سؤال حول ما تبقّى من برغوليو الراهب اليسوعي الذي أراد أن يكون مرسلاً في اليابان قال البابا أعتقد أنني كنت دائمًا مهتمًا بالضواحي. أنظر إلى الضواحي من الداخل، ليس فقط لأنها تثير اهتمامي فكريا. ويبقى فقط أن نذهب أبعد من الحدود.
تابع البابا مجيبًا على سؤال حول قوله إن أفريقيا لا تتوقف أبدًا عن مفاجأتنا وأي جزء من هذه المفاجأة يمكنه أن ينسبه إلى المرسلين الذين قابلهم هناك وقال أكثر ما يفاجئني في المرسلين هو قدرتهم على أن يكونوا على أرض الواقع وعلى احترام الثقافات ومساعدتها على التطور. فنهم لا يقتلعون الأشخاص من جذورهم، بل على العكس. وعندما أرى المرسلين، وهناك دائمًا شخص ما يمكنه أن يفشل، أرى أن الإرسالية الكاثوليكية لا تقتنص، ولكنها تعلن الإنجيل وفقًا لثقافة كل مكان. الكاثوليكية هي احترام الثقافات. لا توجد ثقافة كاثوليكية بحدِّ ذاتها، وإنما فكر كاثوليكي، ولكن في الكاثوليكية تتجذَّر جميع الثقافات، وهذا هو عمل الروح القدس عينه في صباح العنصرة. وهذا الأمر واضح جدًا. الكاثوليكيّة ليست تطابق، بل انسجام، انسجام في الاختلافات. وهذا التناغم يصنعه الروح القدس. فالمرسل يذهب، ويحترم ما هو موجود في كل مكان ويساعد على خلق الانسجام، لكنه لا يقتنص عقائديًا أو دينيًا وكذلك لا يستعمر. على المرسل أن يحترم ثقافة شعبه، ويتعايش مع تلك الثقافة ويقوم بعمله.
أضاف مجيبًا على سؤال حول إن كانت الرسالة قد تغيّرت بعد المجمع الفاتيكاني الثاني وإن كانت الكنيسة تحتاج إلى نوع جديد من الرسالة وقال الحمد لله نعم. يقول المؤرخون إنه لكي يكون هناك نتائج لمجمع ما يستغرق الأمر ١٠٠ عام أقلّه، لذا فنحن في منتصف الطريق الآن. لقد تغيرت أشياء كثيرة في الكنيسة، أشياء كثيرة نحو الأفضل
ولكن هناك علامتان مثيرتان للاهتمام: اختفت بالفعل أولى المؤثرات الطائشة للمجمع، وأنا أفكر في الفوارق الليتورجية التي تكاد تكون معدومة الآن. ونشأت مقاومة ضدَّ المجمع لم نشهدها من قبل، وهو أمر نموذجي في كلِّ عملية نضوج. لكن أشياء كثيرة تغيرت في الجزء الإرسالي، يعتبر احترام الثقافات، وحقيقة انثقاف الإنجيل، إحدى القيم التي تأتي كنتيجة غير مباشرة للمجمع. إنَّ الإيمان ينثقف والإنجيل يأخذ ثقافة شعبه، فيصار إلى تبشير للثقافة. إنثقاف الإيمان وتبشير الثقافة إنهما حركتان، وعندما أتحدث عن تبشير الثقافة، أنا لا أتحدث عن اختزال الثقافة أو الثقافة الأيديولوجية أو كل ما هو تجربة خطيرة حاليًا، لكنني أتحدث عن التبشير والإعلان، فقط وباحترام كبير. لهذا السبب، فإن أخطر خطيئة يمكن أن يرتكبها المرسل هي الاقتناص. لأن الكاثوليكية ليست اقتناص.
تابع البابا، مجيبًا على سؤال حول زيارته الرسولية المنتظرة إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية وجنوب السودان وقال نعم، في تموز يوليو تم تعليق الزيارة بسبب المشكلة في ركبتي. لكنَّ زيارة كندا كانت مجدولة للغاية ولم يكن من الممكن تعليقها. إلى جنوب السودان سنذهب معًا، على نفس المستوى، رئيس أساقفة كانتربري وأمين سرِّ كنيسة اسكتلندا، ونحن نعمل معًا بشكل جيد. أما جمهورية الكونغو الديمقراطية فهي بمثابة حصن، حصن من الإلهام. يكفي أن نرى هنا في روما الجماعة الكونغولية التي تقودها راهبة، الأخت ريتا، وهي امرأة تُدرِّس في الجامعة، لكنها المسؤولة، وكأنها أسقف، هي المسؤولة. لقد احتفلت بقداس إلهي بحسب الطقس الكونغولي هنا، إنها جماعة قريبة جدًا مني. إنني أتطلع إلى إتمام هذه الزيارة في أقرب وقت ممكن. جنوب السودان هي جماعة تعاني. قبل بضع سنوات، نظمنا هنا، مع رئيس أساقفة كانتربري ومندوب من كنيسة اسكتلندا، رياضة روحيًا للمسؤولين السياسيين في البلاد، وبالتالي هذا حلمٌ أيضًا أن نتمكن من القيام بهذه الزيارة.
أضاف مجيبًا على سؤال حول لماذا تُلهمه الجماعة الكونغوليّة وما هي الرسالة التي سيحملها إلى الكونغو وجنوب السودان وقال إنَّ الجماعة الكونغوليّة لديها جذور، هذا ما سأقوله. إنها كنيسة لها جذور. ليست مجرّد ورنيشًا لا، بل لها جذور، لها ثقافتها الخاصة. وهذا أمر رائع. أما بالنسبة للرسالة التي سأحملها فأنا لم أبدأ في تحضير الخطابات بعد. الكونغو يعاني حاليًا من حرب العصابات، ولهذا السبب لن أذهب إلى غوما، لا يمكنني أن أذهب، بسبب تقدم رجال العصابات هناك. لن أذهب ليس لأنني خائف، لن يحدث لي شيء، ولكن في بيئة كهذه وإذ أرى ما يفعلونه، إذا ألقوا قنبلة على الاستاد فسيقتلوا الكثير من الأشخاص. ونحن علينا أن نعتني بالناس. أما حول كيفية استعداداته لمثل هذه الزيارة فقال البابا هناك مسؤول عن الزيارات الرسولية وفريق يقوم بالتحضير لها. وقد قاموا بزيارتين إلى الكونغو وإلى جنوب السودان لإعداد الأمور. هم يجرون التقييمات ويقدمون لي التقارير، التي بناءً عليها سأكتب خطاباتي.
تابع البابا مجيبًا على سؤال حول زيارته الرسولية التي أفريقيا إذ مع هذه الزيارة سيكون قد زار عشرة بلدان أفريقية في حبريّته وحول إن كان يعتبر البلدان الأفريقية ضواحٍ دائمة وقال كان أول لقاء قوي لي مع أفريقيا في بانغي، في جمهورية أفريقيا الوسطى، في مرحلة انتقاليّة. وكانت في تلك المرحلة الرئيسة كاثرين سامبا-بانزا، التي كانت عمدة العاصمة وانتُخبت لاحقًا رئيسة، وهي امرأة تتمتّع برؤية واضحة للأمور. وصلت في وقت كان فيه انقسام كبير بين الجماعة الإسلاميّة والجماعة الكاثوليكية، ولكن مع أسقف أصبح الآن كاردينالًا [ديودوني نزابالاينجا]، وقس إنجيلي [نيكولاس نغريكويامي] ومسلم [كوبين لياما] قد فهموا الوضع بشكل جيد، وعمل الثلاثة معًا لكي يحققوا الوحدة. لن أنسى أبدًا هذه الخبرة. هناك فتحت باب سنة الرحمة المقدسة، وفتحت المسيرة. أفريقيا مميّزة، أفريقيا تفاجئك. كذلك، هناك شيء واحد يجب أن ندينه: هناك لاوعي جماعي الذي يقول إنّه يجب استغلال إفريقيا. وهذا ما يخبرنا به التاريخ، مع الاستقلال النصفي: يمنحونهم الاستقلال الاقتصادي من الألف إلى الياء، لكنهم يحافظون على باطن الأرض لكي يستغلّوها، ونرى استغلال الدول الأخرى التي تأخذ مواردها. حتى فكرة الأفريقي كشخص يجب استغلاله، الفكرة الجماعية للعبيد السود الذين أُخذوا إلى أمريكا اللاتينية. هذه الفكرة القائلة بأن إفريقيا موجودة فقط لكي يتم "استغلالها" هي أكثر الأشياء إجحافًا، لكنها موجودة في اللاوعي الجماعي للعديد من الأشخاص، ويجب تغييرها. بالإضافة إلى ذلك، ثانيًا، علينا أن نتحمل مسئولية الثروة التي تمتلكها إفريقيا، لا الثروة المعدنية وحسب، وإنما الثروة الفكرية أيضًا. قبل شهرين كان لديّ حوار لمدة ساعة ونصف عبر منصّة Zoom مع طلاب جامعيين أفارقة، وقد فعلت الشيء نفسه قبل بضعة أشهر مع طلاب من الولايات المتحدة، وذكاء هؤلاء الشباب كان مثيرًا للإعجاب. إنهم أذكياء جدًا ولديهم ذكاء حدسي، بالإضافة الاستنتاج، وهذا الأمر يجعلهم يذهبون إلى أبعد. ولكنَّ التعزيز الفكري للأفارقة والتعليم ليسا الشاغل الأول. وهذا أمر خطير.
أضاف مجيبًا على سؤال حول هجرة الأشخاص من أفريقيا وحول الحواجز والعقبات التي توضع لإبطاء وصولهم إلى بلدان أخرى أو منعهم وقال عندما تضع أسلاك شائكة حلزونية لكي لا يهربوا ... هذه جريمة. إنها جريمة. وتلك البلدان التي لديها مؤشر ديموغرافي منخفض، وتحتاج إلى أشخاص، ولديها مدن فارغة ولا تعرف كيفية إدارة إدماج المهاجرين. يجب استقبال المهاجر ومرافقته وتعزيزه وادماجه. إذا لم يتم إدماج المهاجر فهذا أمر سيء. لقد قرأت كتابًا صغيرًا باللغة الإسبانية عن إفريقيا تحت عنوان، Hermanito [من تأليف إبراهيما بالدي وأميتس أرزالوس أنتيا]، عن صبي يذهب للبحث عن أخيه ويصل إلى إسبانيا. كم كان عليه أن يعاني قبل أن يصل إلى هناك، في معسكرات الاعتقال في شمال أفريقيا، إنها تجارة بالأجساد البشريّة. ما يحدث هو قاسٍ جدًّا. قال رئيس حكومة ذات مرة إنه يجب حل مشكلة الهجرة في إفريقيا، من خلال مساعدة إفريقيا لكي تصبح أكثر فأكثر سيّدة نفسها. وهذا صحيح. ولكن المشكلة هي أن هناك فكرة أن إفريقيا موجودة فقط لكي يتم "استغلالها".
وخلص البابا فرنسيس مجيبًا عن سؤال حول إن كان عليه أن يرفع النبرة أكثر فأكثر في كلِّ مرّة يتحدّث فيها عن تهميش المهاجرين لأننا كمجتمع قد أصبحنا غير ميالين وقال أعتقد أنني أتحدث بوضوح عن هذا الموضوع، لكن هناك ظلما أوروبيا كبيرا جدًا، أليس كذلك؟ اليونان وقبرص وإيطاليا وإسبانيا وكذلك مالطا هي أكثر البلدان التي تستقبل، وما حدث في إيطاليا، حيث على الرغم من أن سياسة الهجرة للحكومة الحالية، هي متشدّدة بعض الشيء إلا أنها فتحت الأبواب دائمًا لإنقاذ الأشخاص الذين لا تستقبلهم أوروبا. هذه الدول عليها أن تواجه كل شيء وهي في مأزق إعادتهم إلى بلدانهم لكي يُقتلوا أو لكي يموتواإنها مشكلة خطيرة. لأنَّ الاتحاد الأوروبي لا يرافق.