الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

عاد الجنود واختطفت سيناء (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يوجد مصري لم يتساءل عن كيفية عودته الجنود السبعة، وماهي الأبعاد الحقيقية للصراع الدائر في شبه الجزيرة، والعلاقات المتشابكة للصراع، والأدوار المختلفة، لكل من: حماس، الجناح السياسي للسلفية الجهادية، الجناح العسكري وعلاقته بتنظيم القاعدة، مثلث الشر المكون من: (تجار السلاح والبشر والمخدرات) والبيئة السيناوية المحايدة، كل تلك الأبعاد التي شوشرت عليها وسائل الإعلام المختلفة والمفكرين الفضائيين الذين لم يزر أغلبهم سيناء إلا للسياحة!! وبعيدًا عن استخدام هذا الحدث في الصراع السياسي القائم، فإن ما حدث تكمن خطورته في أنه يحقق الأهداف المرجوة للإرهابيين، ويذكرني -مع فارق التشبيه- بتكنيك عمليات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانوا يختطفون الطائرات.. ثم يفرجون عن ركابها، وذلك للفت أنظار العالم إلى قضيتهم، وفي حوار مع المناضلة ليلى خالد (أطال الله عمرها) أكدت أن ذلك دفع أكثر من 50 دولة للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، لا ينزعج أحد لأنني منذ الهجوم على قسم ثان العريش في 29 يوليو 2011، كتبت مقالاً بعنوان: “,”إعلان الحكم الذاتي في سيناء “,”أكدت على أن قضية سيناء مزمنة منذ إعلان محمد علي، مديرية سيناء 1810 وحتى 1952 تمردت سيناء (14) مرة، وقام الجيش المصري بأول حملة له، 1834 ومنذ 1952 وحتى 1999 لم تتمرد سيناء ولا مرة، وفي حروبنا من 1956 وحتى تحرير سيناء 1973 دفع أهل سيناء 30% من خسائر مصر، ولا تنمية ولا حق لتملك الأراضي.. بل على العكس، وكما قال لي اللواء عادل سليمان في حوار منشور: “,”يتم التعامل مع أهل سيناء كسكان محليين في زمن الحرب“,”، أي غير موثوق بهم للأسف!!
ولذلك في الخمس سنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق مبارك تمردت سيناء (60) مرة بمعدل مرة شهري، على أثرها تم عمل 43 قضية حكم فيها على 213 بأحكام مختلفة بالمؤبد وعلى 115 حكمًا غيابيًّا، ولم يلتفت أحد إلى ما نشر في إحدى الصحف الخاصة في 28 مايو 2011 بعنوان: “,”إعلان دستوري عرفي بين 10 قبائل لمواجهة مشكلات سيناء“,”، جاء فيه أن القبائل مستعدة لحماية منشآت الدولة، وعدم احتجاز الأفراد، واحترام القضاء العرفي، وتسليح القبائل لمواجهة الإرهابيين، وكان ذلك الإعلان أول إنذار بوجود ما يشبه الرغبة للحم الذاتي من جهة، ووجود لتنظيم القاعدة من جهة أخرى؛ ذلك التنظيم الذي نما كالفطر في شبة الجزيرة، والقصة تبدأ من إعلان طبيب الأسنان، خريج جامعة الإسكندرية، عبد اللطيف موسى بإعلان أمارة بيت المقدس من مسجد ابن تيمية بغزة، وقيام حماس بتفجيره في المسجد في أغسطس 2009، مما أدى إلى قتلة و12 قياديًّا من تنظيم جند الله المرتبط بالقاعدة وإصابة 122 عضوًا، وتقهقر التنظيم من جنوب غزة إلى شمال سيناء وبالتحديد رفح المصرية، ووفق ما صرح لي به د. عبد الرحيم على مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في أغسطس 2011 أن هناك ثماني تنظيمات اتحدت على فكر القاعدة للعمل في سيناء، هذا بالإضافة للجناح السياسي للسلفية الجهادية، والعلني للسلفية الجهادية، سواء في سيناء أو في قلب القاهرة، واذكر بالمظاهرة التي نظموها ضد السفارة الفرنسية للاحتجاج على التدخل الفرنسي في مالي، وتبلغ عناصر تنظيم القاعدة في سيناء وفق تقديرات المركز العربي حوالي (10) آلاف مسلح من جنسيات مختلفة وسبق للوطن نشر الكثير من الأخبار والموضوعات بهذا الشأن، والتنظيم مسلح بأسلحة ثقيلة بما فيها مضادات للطيران والدروع وغيرها، ولذلك خطورة ما حدث مع الجنود السبعة إنما جاء ليؤكد استمرار الإرهاب، وما المفاوضات معهم إلا ضرب من الاعتراف بالإرهابيين، والجدير بالذكر أنه منذ 29 يوليو 2011 وحتى الآن قام أصحاب الرايات السوداء بـ(104) عملية قتل وجرح فيها (114) من الضباط والجنود منهم الـ(16) في حادث رفح، وكذلك تفجيرات خط الغاز، والتي وصلت إلى 15 تفجيرًا في دلالة للاعتداء ليس على السيادة فحسب بل إيصال رسالة للمجتمع الدولي: (نحن المسيطرون هنا)، واغتيال الشيخ خلف المنيعي وابنه محمد في أغسطس 2012 بعد عودتهم من مؤتمر لتأييد الدولة المصرية!! إضافة للهجوم على كنيسة رفح وتهجير (7) أسر مسيحية في سبتمبر 2012، كل ذلك والذي لم ينته، ولن ينتهي، باختطاف الجنود السبعة، لقد نجح الإرهابيون في لفت أنظار الرأي العام المصري والعالمي أنهم أصحاب الأرض والقضية!!
لذلك فإن ما حدث جاء ليؤكد على مستوى مهم من فهم القضية، وهو: لماذا أصر الإسلاميون على عدم استخدام القوة لتحرير الرهائن؟ يعود ذلك إلى أنهم لا يعتبرون الخاطفين إرهابيين، ومن جهة أخرى فإن مفهوم السيادة الوطنية منفصل عن مفهوم ديار الإسلام، ولعل المرشد السابق، الأستاذ مهدي عاكف، قد جسد ذلك جليًّا في مقولته الشهيرة “,”طظ في مصر“,”، وإذا توقفنا قليلاً أمام البيئة السيناوية للمواطنيين المصريين البدو؛ لأن سكان سيناء مضاربون أكثر من غيرهم من هؤلاء الإرهابيين؛ لأن الإرهابيين ضد القضاء العرفي ومع القضاء الشرعي من جهة، ومن جهة أخرى فإن العمليات الإرهابية تقضي على السياحة والزراعة وكل مصادر الرزق، والأهم أنهم يسلبون منهم المكانة والسلطة، وعلى الجانب الآخر هناك مثلث الشر المكون من تجار البشر والسلاح والمخدرات، ولهؤلاء قصة أخرى تتم تحت إشراف المافيا الروسية والموساد، وتتواطأ مع الإرهابيين، تدفع لهم مقابل معاهدة أشبه بعدم الاعتداء، أما عن حماس فهي تحتكر السيادة على الأنفاق والسيطرة على ما يدخل غزة من سلاح أو بضائع، في المقابل أخطار مخابرات حماس بأي عمليات ضد إسرائيل، وإعفاء الجهاديين، من الجمارك، مقابل تقاسم السلطة على شمال سيناء، كل تلك الأبعاد تحتاج إلى إدراك حقيقي لا يعلمه غر الأجهزة السيادية التي أفقدتها عوامل التعرية السياسية للإسلام السياسي قدرتها على تحويل تلك المعلومات إلى إرادة سياسية وقتالية، تحية للجيش المصري، وألف سلامة للجنود العائدين، وصلوا من أجل سيناء.