الاستقرار والحياة الهادئة مطلب كل إنسان، فهو يسعى دائمًا لاستغلال ما وصل إليه من تقدم في مجالات الحياة ليحقق الرفاهية المنشودة، إلا أن هناك من لا تسعه هذه الحياة فقد اعتاد على الترحال، يفترش الأرض ويلتحف السماء وأي منزل بالنسبة له هو سجن العصفور الذي ألف البرية فإذا وقع في الأسر فقد حياته مهما قدمت له من رفاهية وترف، فما هي كلمة السر التي جعلتهم يختارون تلك الحياة.
في إحدى القرى التي تقع بين محافظتي الإسماعيلية والشرقية؛ التقت «البوابة نيوز» بعائلة الحاج أحمد، أو كما يطلق عليهم رحالة أو بقارة نسبة لعملهم في رعي الأبقار، فبمجرد أن تقع عيناك على هذه الأسرة، يعود بك الزمان إلى أكثر من ثلاثمائة عام.
فهنا لا توجد أي معالم للتقدم، لا يعرفون التلفاز أو الغسالة أو الثلاجة، فتلك الأجهزة التي لا يستغني عنها أي إنسان في هذا العصر، غير مناسبة لحياة الترحال والتنقل، وغير مفيدة في غياب الكهرباء.
داخل خيمة مجمعة من رقاع الجلود والقماش والبلاستيك محمولة على 4 قوائم خشبية ترفع نهارا للتهوية وتسدل ليلا، بها حصيرة وعدد من البطاطين في إحدى الأركان خرج أو غرارة «أشبه بحقيبة كبيرة مصنوعة من القماش» وضع بها الملابس، وفي الركن الآخر عدد من الأواني المستخدمة في أغراض الطهي والغسيل وأدوات الطعام.
بينما علق في سقف الخيمة «سبت» من الخوص به بحفظ الخبز، أمام الخيمة موقد من النار أو «كانون» يستخدم في الطهي والتدفئة، ربما لا يطيق أحدنا أن يقضي ليلة في هذا المكان، لكنه بالنسبة لهم منزل ومقام لم يعرفوا غيره.
يقول الحاج أحمد أنه ورث تلك المهنة عن أجداده ولد داخل الخيمة ورعى الأغنام والأبقار وتعلم حساب الشهور ومعرفة الاتجاهات وغيرها من المعارف التي تلزمه في هذه الحياة، بالإضافة إلى عدد من المواويل والحكايات لتسامر ليلا، وعن برنامج حياته اليومي قال نستيقظ مع قرآن الفجر، لرعى المواشى والأغنام نصطحب أطفالنا للمساعدة فى رحلة الرعى.
ويضيف: نترك زوجاتنا فى الخيام للقيام بأمور الطهي والغسيل، ونعود فى العصر لتناول وجبة الغداء سويا وأخذ قسط من الراحة ثم نطعم المواشى ونجلس فى المغرب سويا للتسامر والتسابق فى إلقاء المواويل أمام «منقد» يعد خصيصا للتدفئة فى ليالي الشتاء الطويل، فضلا عن تنظيم أوقاتهم أثناء النوم للقيام بأعمال الحراسة ليلا، ثم يتكرر البرنامج بشكل يومي دون تغيير.
وتقول زوجته إن حياة الترحال معتادة عليها؛ لأنها كانت تعيشها مع أسرتها قبل الزواج، حيث إن البدوية تفضل بدوى ليتزوجها، فهي معتادة على تلك الحياة رغم الشقاء ورغم معاناتها فى الغسيل على الأيدى والتنقل مسافات بعيدة للحصول على المياه من منازل الفلاحين كما يطلقون هم عليهم، إلا أنها سعيدة بحياتها وأن الزوجة يجب عليها العيش فى المكان الذى يقيم فيه زوجها وتكون سندا له.
بينما قال عبدالسلام الابن الأكبر للعائلة إنه ولد في هذه البيئة وتنقل مع أسرته في أنحاء مصر إلا أنه فكر في الاستقرار وأن ينفصل ويبدأ حياة جديدة في المدن عرض الأمر على والده الذي حاول إقناعه بالتخلي عن الفكرة، إلا أنه كان مصمما على رأيه، فأذن له بذلك.
إلا أن عبدالسلام لم يستطع أن يتأقلم على هذا الأمر، ويقول إنه أحس بالأسر في هذا الحياة، أحس أنه في سجن، وما هي إلا شهور حتى عاد إلى أسرته واستأنف حياته مرة أخرى، رحالة يرعى الإبقار ويتنقل بحثا عن المراعي.
الرحالة (12)