بزغت كجناحٍ عسكرى تابع لاتحاد المحاكم الإسلامية فى الصومال التى نشطت إبان الحرب الأهلية، فى أعقاب سقوط نظام الديكتاتور محمد سياد برّى ١٩٩٠، وتمكنت خلال عام ٢٠٠٦، وبسرعةٍ كبيرة ومذهلة من السيطرة على وسط وجنوب وسط الصومال لبرهة وجيزة، قبل أن تتعرض بنفس السرعة لهزيمةٍ ماحقة أواخر ٢٠٠٦، من قِبل قوات الحكومة الصومالية الانتقالية مدعومة من الجيش الإثيوبى.
وهو الأمر نفسه الذى أدّى إلى استفادة الشباب المنبثقة على اتحاد المحاكم؛ من المشاعر الوطنية والروح القومية المناهضة للتدخل الإثيوبى فى البلاد، فأعادت ترتيب أوراقها بناء على ذلك، وقدَّمت نفسها كحركة مقاومة وطنية ضد التدخل الأجنبى فى الصومال، فوجدت رواجًا وشعبيةً منقطعة النظير فى أوساط الشباب واليافعين، قبل أن تعيد تموضعها كتنظيم تابع للحركات الجهادية العالمية، بموالاتها لتنظيم القاعدة عام ٢٠١٢، فشنَّت سلسلةً من الهجمات الدامية فى أوغندا وكينيا وجيبوتى وإثيوبيا، ورفضت الحوار مع الحكومات الصومالية المتعاقبة، وواصلت قتالها بمختلف الأساليب بما فيها التفجيرات الإرهابية التى عمت ولاتزال العاصمة مقديشيو والمدن الصومالية الكبرى.
ماذا يحدث فى الصومال؟، وهل تستجيب الحكومة الصومالية لمطالبات حركة الشباب بالتفاوض معها لإنهاء هجماتها على المدنيين؟ وما هى مطالب حركة الشباب للتفاوض؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور فى مراكز رصد ودراسة الحركات الإسلامية والمهتمين بالشئون الأفريقية خصوصا بعدما أثار الأمر الصادر عن الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، فى مطلع العام الجديد؛ لنحو 5 آلاف من جنوده العائدين من إريتريا، بالاستعداد لمجابهة الإرهاب، جدلًا لم ينتهِ بعد. وقالت الرئاسة الصومالية، فى بيان صدر حينها: إن الرئيس وجَّه أثناء تفقده معسكر الجنرال غوردان فى مقديشو، القوات التى تلقت تدريبات فى إريتريا، بالاستعداد لحرب تحرير البلاد من الإرهاب. وحسب وكالة الأنباء الصومالية، فإن شيخ محمود، أمر الجنود بأن تكون العمليات المقبلة لتحرير بقية المناطق أسرع من سابقتها، وأن تكتمل خلال وقتٍ قصير، كما لم ينسَ شكر دولة إريتريا على الدعم الذى قدمته لشعب وحكومة الصومال.
كان نحو ٥ آلاف جندى صومالى بعثتهم حكومة محمد عبدالله فرماجو السابقة إلى إريتريا؛ لتلقى تدريبات قتالية، سَرَى الكثير من الشائعات عن أنهم شاركوا ضمن قوات إريترية إلى جانب القوات الحكومية التابعة للرئيس الإثيوبى آبى أحمد علي، فى حربه على المتمردين فى إقليم تيجراى شمال إثيوبيا. وتداولت بعض المواقع الصحفية يوم ٨ يناير ٢٠٢٣، قول الحكومة الصومالية إن جماعة الشباب المتطرفة طلبت للمرة الأولى فتح مفاوضات، وسط هجوم عسكرى وصفته الحكومة بأنه "حرب شاملة".
ولم يصدر على الفور بيان من حركة الشباب المتطرفة، المنتسبة للقاعدة، التى نفذت منذ أكثر من عقد تفجيرات بارزة فى العاصمة الصومالية وسيطرت على أجزاء من المناطق الوسطى والجنوبية فى البلاد، مما يعقد الجهود لإعادة بناء- دولة فاشلة بعد عقود من الصراع.
وصرح نائب وزير الدفاع عبدالفتاح قاسم للصحفيين فى مقديشو بأن "الشباب طلبت فتح مفاوضات مع الحكومة الصومالية، لكن هناك مجموعتين داخل حركة الشباب... الجزء الأول من الأجانب، والجزء الثانى من الصوماليين المحليين. هؤلاء المحليون لديهم فرصة لفتح المفاوضات، لكن هؤلاء الأجانب الذين غزوا بلادنا ليس لهم الحق فى المحادثات، الخيار الوحيد هو العودة إلى حيث أتوا".
وأضاف نائب وزير الدفاع: "بالنسبة للصوماليين، نحن مستعدون لاستقبالهم، لأنهم على استعداد للاستسلام للحكومة الصومالية. يجب عليهم اتباع تعليمات الحكومة، وإعادة الاندماج فى مجتمعهم، أو مواجهة الجيش الوطنى الصومالى فى الخطوط الأمامية."
وكانت الحكومة الفيدرالية الصومالية قد صرحت فى الماضى بأنها منفتحة على المفاوضات مع حركة الشباب، لكن هذه هى المرة الأولى التى تقول فيها الحكومة إن الجماعة المتطرفة طلبت إجراء محادثات.
تطورات الأحداث
فى ٤ يناير ٢٠٢٣، قُتل ١٩ شخصا على الأقل وأصيب عدد آخر بجروح فى هجومين متزامنين بسيارتين مفخختين فى بلدة وسط الصومال، وفق ما أفاد مسئولون أمنيون وشهود.
وكان مسئول الأمن المحلى عبد الله أدان قد قال فى وقت سابق لفرانس برس عبر الهاتف: "هاجم الإرهابيون بلدة محاس هذا الصباح مستخدمين مركبتين مفخختين. استهدفوا منطقة مدنية".، وغالبا ما تقف حركة "الشباب" الإرهابية وراء مثل هذه العمليات التى تستهدف الجيش الصومالى والمدنيين على حد سواء. وفى إطار الحرب الشاملة التى تشنها الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب الإرهابية، أعلنت مقديشو فى ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٢، إغلاق مئات الصفحات الإعلامية بمواقع التواصل الاجتماعى المنسوبة إلى ميليشيات الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ووصف الصحفى والباحث الصومالي، محمد جيدي، لموقع "سكاى نيوز عربية" خطوات الحكومة الأخيرة بأنها "حرب ناعمة" لحصار الحركة الإرهابية فكريا، وتجميدها. كما أوضح نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية، عبد الرحمن يوسف العدالة، ملامح "الحصار الشامل" الذى تنتهجه الحكومة لتطويق الحركة الإرهابية، وذلك عبر تتبع أى خلايا تبث أفكارها وأخبارها الكاذبة. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية عن الوزير قوله: إنه تقرر حجب أكثر من ٦٠٠ صفحة إلكترونية للميليشيات، من خلال تحرك من وزارات الإعلام، والاتصالات، والأمن الداخلى.
المواقع التى جرى حجبها، بفعل تحرك الحكومة، تشمل حسابات مرتبطة بالحركة الإرهابية على جميع وسائل التواصل الاجتماعى "فيسبوك" و"تويتر" و"تيلغرام" و"تيك توك" و"يوتيوب" ومواقع أخرى.
وهناك تفاؤل عام بين الأوساط الصومالية للأسباب الآتية:
■ الحرب الصومالية ضد حركة الشباب تستخدم استراتيجية شاملة لحصار الحركة من كافة الجوانب.
■ حكومة حسن شيخ محمود بدأت فى حقبة جديدة لردع الحركة فكريا واقتصاديا، وذلك بعد نجاح واسع للقوات الحكومية فى الميدان العسكرى.
■ فى إطار الحرب الشاملة، ستدفع الحركة ثمن ممارساتها وقوانينها الوحشية التى فرضتها على الصوماليين السنوات الماضية.
■ الثورة الشعبية ضد الحركة تزداد، والحكومة توظف ذلك بشكل إيجابي؛ حيث توسعت خريطة انتشار الجنود والقوات الأمنية فى الأقاليم والمناطق التى اخترقتها عناصر الحركة.
ولتأكيد قلع أفكار الحركة من جذورها، لم تكتفِ الحكومة بالتحرك لغلق الحسابات ووسائل الإعلام الخاصة بالحركة، ولكن أطلقت قناة تليفزيونية لنشر الأفكار البعيدة عن الإرهاب.
■ وقت إطلاق القناة، قبل شهر، صرح الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود فى مقر وزارة الإعلام، بأن إطلاق القناة يهدف إلى تقديم رؤية دينية معتدلة تحارب سوء تفسير التيارات الإرهابية للدين، وتعزز الوطنية والقيم النبيلة.
■ القناة التى تحمل اسم "دلجر"، وتعنى "حامى الوطن"، تهتم كذلك بتغطية أخبار المعارك بين القوات الحكومية وعناصر حركة الشباب الإرهابية.
انهيار مستمر
وبالتزامن مع إعلان الحكومة الحرب الفكرية ضد حركة الشباب الإرهابية، تم الإعلان استسلام ٤ من عناصر الحركة، لقوات الجيش فى ولاية هير شبيلي، منهم قائد ميليشياتها فى المعارك التى دارت فى محافظة شبيلى الوسطى.
كما اعتقلت قوات الجيش ٨ عناصر إرهابية حاولوا الاختباء فى الغابات بعد الهزائم التى تكبدوها. ووفقا للوكالة الرسمية، استقبلت القوات الحكومية المستسلمين، مشيرة إلى التزام الحكومة برعاية المتخلين عن إيديولوجية وأفكار المتطرفين وأفعالهم المنحرفة، فى إطار حربها الشرسة ضد الإرهابيين. وسبق ذلك فى ١٨ ديسمبر ٢٠٢٢، وجه الجيش الصومالى ضربة قوية لحركة الشباب الإرهابية، بطردها من أحد مواقعها الاستراتيجية وسط البلاد، وقتل ٥٠ مسلحا تابعا لها. وجاءت الضربة الجديدة فى عملية عسكرية مخططة، نفذها الجيش فى قرية دار نعيم التى كانت قاعدة للخلايا الإرهابية الهاربة من منطقة الكوثر، بمحافظة شبيلى الوسطى. ووفق وكالة الأنباء الصومالية "صوما" فإن قوات الجيش نجحت فى "تنظيف" قرية دار نعيم من كل المواقع والتجمعات الخاصة بالميليشيات الإرهابية.
وجاءت العملية بعدما أعلنت القوات الصومالية تحرير عدن يابال فى شبيلى الوسطى، وهى بلدة استراتيجية وسط الصومال تسيطر عليها الحركة منذ أعوام.
وأعلن محمود حسن محمود رئيس بلدية عدن يابال فى تصريحات صحفية، أن الجيش والحركات العشائرية المسلحة سيطروا على البلدة والمنطقة المحيطة من دون مقاومة.
وتعود أهمية عدن يابال وفق مسئولين إلى أنها قاعدة حركة الشباب الإرهابية التى تدير منها المناطق الوسطى. وتربط بين المناطق الوسطى وجنوب الصومال. وكانت ساحة تدريب لأعضاء الحركة.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء عبد الفتاح حاشى فى تغريدة على "تويتر"، إن "السيطرة على هذه البلدة كانت أفضل فرصة للحكومة الصومالية وأكبر انتكاسة للحركة الإرهابية، التى خسرت العديد من المناطق خلال الأشهر الثلاثة الماضية".
دلالات العمليات
ورغم جهد الحركة فى استعادة المناطق التى حررها الجيش فإنها، لن تنجح هذه المرة، لعدة أسباب، وهي:
■ هدف الحكومة من الحرب الشاملة التى تشنها على الحركة الإرهابية هو القضاء عليها، حيث بدأت فى تحرير المناطق من ولاية هيران، ثم انتقلت إلى باقى الولايات.
■ ولاية الجنوب الغربى بدأت تجهيزاتها واستعدت للمواجهة الحاسمة مع الحركة، ودخلت الصراع معها فى وقت مبكر، وكل هذه التحركات مدعومة شعبيًا.
■ تركز الحكومة فى استراتيجيتها على منابع الحركة الاقتصادية، وهو الأمر الذى تسبب فى إضعاف مواردها وقدرتها على توسيع نفوذها بشكل كبير.
■ دخول الحركة فى أكثر من حرب داخل عدة مناطق فى وقت واحد، مما يصعب قدرتها على المواجهة.
■ تعانى حركة الشباب انقسامات داخلية وسط صراعات على المناصب.
المحور الاقتصادي
نجحت الحكومة الصومالية فى الآونة الأخيرة فى الحيلولة بين حركة "الشباب" ومصادر تمويلها (كالتهريب وجمع الإتاوات) وشل حركتها، كما تفرط عقدها، لعدم وجود أموالٍ للدفع لعناصرها، ولذلك ركّزت الحكومة على تجفيف منابعها المالية بعدة طرق:
وجه الجيش فى نوفمبر ضربة للجهاز المالى للحركة بتصفية ٣ من جامعى الإتاوات.
حرصت الحكومة على وجود توافق شعبي؛ وهو ما شجع الكثير من رجال الأعمال والتجار وغيرهم على رفض دفع الإتاوات للحركة.
تحرير الأقاليم من الحركة يعنى فقدانها مصادر تمويل تجمعها من ثروات هذه المناطق، ومن الإتاوات.
ويتضح حجم خسارة الحركة عند العلم بأنها كانت تجمع ما يتجاوز ١٠٠ مليون دولار سنويا.
وسبق أن رصد معهد "هيرال" الصومالي، المتخصص فى الدراسات الأمنية، فى دراسة اعتمدت على مقابلات بين يونيو وأكتوبر ٢٠٢٠ مع ٧٠ من رجال الأعمال والموظفين الحكوميين وممثلى المنظمات غير الحكومية فى مقديشو والمنطقة الجنوبية الغربية وهيرشابيل وجوبالاند وبونتلاند، أن حركة الشباب تجمع ١٥ مليون دولار شهريا.
المحور الاجتماعي
وعلى المستوى الاجتماعى فإن التوافق الذى حدث بين الحكومة والقبائل ورجال الأعمال ضد حركة الشباب، له دور غير مسبوق فى الحرب، فكثير من القبائل كان يلتزم الحياد، ثم انضمت إلى جانب الحكومة فى الحرب بعد تضررها من هجمات حركة الشباب على آبار المياه وقوافل الإغاثة لابتزاز الأهالى رغم الجفاف الحاد.
هذا الرفض والتحرك الجديد لهذه القبائل، ساعَد الجيش كثيرا فى طرد أعضاء الحركة من الأقاليم التى تسيطر عليها، وفقدانها مصادر للتمويل.
فالعمليات العسكرية المتصاعدة التى تشنها الحكومة على الحركة تجد قبولًا واسعًا بين زعماء القبائل، خاصة بعد أن أثبتت تجربة تعاون السكان بإقليم هيران، وسط البلاد، مع الجيش الوطني، نجاحها فى استعادة منطقة موقوكوري، من براثن المتطرفين قبل أن تستعيدها الشباب مجددًا، نتيجة لخطأ تنسيقى يمكن تداركه فى المرات المقبلة، أهمية تحالف العشائر مع حكومة شيخ محمود تكمن فى تحقيق انتصار ساحق على شباب المجاهدين التى تعتمد نفس التكتيك، حيث تمتلك حواضن فى ذات القبائل المتحالفة مع الحكومة، بيد أن تحالف الحكومة والعشائر يحظى بدعم محلى وإقليمى ودولى من إثيوبيا وكينيا وإريتريا وجيبوتى والاتحاد الإفريقي، ومعظم الدول العربية.
وأكد السفير الأمريكى إلى مقديشيو، لارى أندريه، فى أكثر من مناسبةٍ أن حكومته تدعم بقوة تحالف الحكومة والقبائل فى محاربة حركة الشباب، وأعلن عن دعم واشنطن للأهالى فيما سماها بالمناطق المحررة، وحثَّ القبائل على التعاون مع الجيش الوطنى من أجل دحر آفة الشباب - بتعبيره - التى ابتليت بها نهضة الأمة الصومالية، وذكر أن الحرب الجارية على الحركة ستكون اختبارًا للقبائل الصومالية.
ويضع الدعم الأمريكى والإقليمى الكبير لتحالف القبائل والعشائر مع الحكومة الحركة المتطرفة فى اختبار إرادةٍ وإيمان حقيقي، ومن المرجح أن تخوض الحركة حربًا لا هوادة فيها ضد الجميع، فالنجاح الذى حققه تحالف القبائل مع الجيش فى إقليم هيران وسط الصومال لا يعنى نهاية المطاف، بل هو بداية الحرب التى ستعتمد نتيجتها النهائية على مدى قدرة الطرفين المتصارعين على الصمود.
وتمكن الجيش بالتعاون مع السكان المحليين (القبائل)، من تحرير عدة بلدات مثل مناطق بايلي، عليو، دويو، بورمي، وغيرها من المناطق، وبالفعل استطاع التحالف قتل المئات من مقاتلى الشباب، فضلًا على تحرير ما بين ٢٢ إلى ٣٠ قرية من سيطرة الحركة، إلا أن رد فعل (الشباب) كان قاسيًا أيضًا، فقد عمَدت الحركة إلى هدم آبار المياه الجوفية، واستهداف قوافل الإغاثة الإنسانية، وإضرام النيران فى المنازل، وقطع رؤوس المدنيين، وفرض إتاوات عليهم بالقوة القاهرة، فى الوقت الذى يواجه فيه الصومال أسوأ موجات الجفاف منذ ٤٠ عامًا.
وتسعى حكومة حسن شيخ محمود، إلى إلحاق الهزيمة بحركة الشباب أو إضعافها وشل قدراتها العسكرية، بحيث يمكن استيعاب ما تبقى منها فى العملية الديموقراطية السلمية، وذلك عبر عدة مسارات، على رأسها إيجاد سياق إقليمى ودولى داعم لهذا التوجه.
وهذا ما حدث بالفعل، فالعلاقة مع بعثة الاتحاد الأفريقى إلى الصومالى فى أوجها، وتشارك قوات الاتحاد الأفريقى البالغ عددها حوالى ٢٢ ألف جندي، جنبًا إلى جنب مع الجيش والميليشيات القبلية فى مقاتلة حركة الشباب. كما يتّبع شيخ محمود عدة تكتيكاتٍ ناعمة لتحجيم حركة الشباب، على رأسها العمل على استيعاب بعض قيادات الحركة إلى الحياة المدنية، من خلال استقطابهم بطرقٍ مختلفة.
كما تتحاور الحكومة مع أعضاء سابقين بالحركة من أجل استيعابهم فيها، كما فعلت مع الناطق الرسمى السابق باسمها، مختار روبو الذى عُيّن وزيرًا للشئون الدينية فى الحكومة الحالية، بعد أن كان مطلوبًا من قبل الإدارة الأمريكية مقابل ٥ ملايين دولار، قبل أن تحذف اسمه من قوائم الإرهابيين بعد مفاوضاتٍ جرَت عام ٢٠١٧، وسحبت الجائزة المالية، بعد أن سلّم نفسه إلى الحكومة. والهدف الرئيس للتحالف الحكومى القبلي؛ هو إضعاف حركة الشباب بشدِّها من أطرافها، وشق صفوفها وإجبار طيفٍ واسع منها إلى الجلوس إلى المفاوضات أو الاستسلام.
وقد أدركت الحركة أبعاد ذلك، فدأبت على إرسال عدة رسائل إلى زعماء القبائل، ينطوى معظمها على تهديداتٍ مبطنة، للجماعات والعائلات التى تساند الحكومة، وقد أشارت فى عدة بيانات إلى أنها تستهدف من سمتهم بالسياسيين المرتدين والأسر التى انضمت إلى صفوف العدو، والذين تبنوا المشروعات التى تستهدف الشريعة الإسلامية بدعمٍ من الكفار لتأجيج الصراع فى الصومال، وتوعدتهم جميعًا بشن حرب عليهم لا هوادة فيها ولا رحمة.
استقرار القرن الأفريقي
تمثِّل حركة شباب المجاهدين كابوسًا جثم على الصومال، وترسخ فى أرضه، وانتشر إلى دول الجوار، الأمر الذى يهدد استقرار إقليم القرن الأفريقي، ووسط القارة، ورغم الانتصارات التى حققها تحالف الجيش الحكومى والميليشيات القبلية، فإن الحركة تمكنت من استعادة بعض المناطق، وشنت الكثير من الهجمات الانتحارية النوعية، كما حدث فى فندق شهير بالعاصمة مقديشيو.
لذلك، فإن الحديث عن إمكانية قريبة لسحق الحركة وإضعاف قدراتها القتالية، حديثٌ غير واقعى وغير موفق، فالحركة نفسها تضم بين ظهرانيها عناصر قيادية وجنود من مختلف القبائل، بما فيها المتحالفة مع الحكومة، كما أنها ليست قائمة على نظام مركزى مسيطر ومُحكم، وكذلك فهى غير متجانسة فى أولوياتها، فمعظم فروعها تهتم بالأمور المحلية كمقارعة الحكومات، ومحاولة الوصول إلى السلطة، فيما تهتم مجموعات أخرى بالجهاد العالمي، ولا يزال معظم قادتها الكبار موالين لتنظيم القاعدة. وبهذا التكوين المعقد، يصعب الوصول إلى نتائج محكمة، من خلال تحليلاتٍ منطقية للوقائع هناك، إذ بالإمكان القول إن طبيعة التنوع القبلى داخل الحركة يُعتبر عاملًا مهمًا فى إمكانية إحداث انشقاقات فى قيادتها، واستمالة بعضهم إلى تحالف الحكومة وميليشيات زعماء القبائل، يمكن أيضًا أن يُقرأ ذات التنوع بأنه حماية للحركة من الانشقاقات.
كما أن الأخبار المتواترة من ميدان المعركة فى وسط الصومال، شديدة التضارب إلى حدِّ التناقض أحيانًا، وهذا قد يمنح البيانات العسكرية الصادرة عن الحركة شيئًا من المصداقية أيضًا، ومن ذلك، إعلان الجيش الصومالى مقتل الناطق باسم شباب المجاهدين، على محمود طِرّي، خلال القتال العنيف الذى وقع يوم ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٢، فى منطقة “عيل قوحلي” فى إقليم هيران وسط الصومال، الأمر الذى نفته الحركة الشباب عندما أكدت أن طِرّى لم يقتل، بل إنه كان قائدًا لمعركة ياسومان ٢٦ اكتوبر ٢٠٢٢، وقد أكدت ذلك مصادر متطابقة.
خسائر بالجملة
وتكبدت حركة "الشباب" خلال الأشهر الأخيرة خسائر بالجملة، واستعادت القوات الحكومية، وبمساندة من مسلحى العشائر، عدة مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة الحركة فى محافظة هيران، منذ انطلاق العمليات العسكرية لطرد حركة الشباب من المناطق التى تحتلها وسط وجنوب البلاد.
وشنّت الحكومة الصومالية حربا غير مسبوقة على الإرهاب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، واعتمدت على عدة محاور تتمثل في:
استهداف المراكز الإدارية والمواقع النوعية لشل الحركة وعملياتها، وهو ما يعد تحولا نوعيا فى العمليات العسكرية التى يقودها الجيش الصومالى.
التنسيق مع القبائل المتضررة من الحركة والتى تريد القضاء عليها بعد استنزافها ماديا من خلال الضرائب والتهديدات المستمرة لأمنها.
تكثيف العمليات وتواليها لإعاقة الحركة عن القدرة على ترتيب صفوفها وتنفيذ عمليات تستهدف القوات الأمنية.
تجفيف جميع المصادر المالية، لأن المحور الاقتصادى هو شريان الحياة بالنسبة إلى الحركة التى تسعى إلى تأمين موارد لشراء الأسلحة وتنفيذ العمليات.
تحييد أى كيانات اقتصادية، سواء شركات أو أفراد قد تدفع ضرائب أو تمويلات، فقد تساعد الحركة فى عملياتها الإرهابية.
تحييد أى كيانات اقتصادية سواء شركات أو أفرادًا تساعد الحركة فى عملياتها الإرهابية.