أودعت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة في التجمع الخامس برئاسة المستشار حسن فريد، حيثيات حكمها بقضية عرض رشوة على مدير إدارة جمرك الذهبية، حيث قضت بمعاقبة "منير . ف " بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليه وبتغريمه مبلغ ألف جنيه وبحرمانه من كافة الحقوق والمزايا وبوضعه تحت مراقبة البوليس لمدة خمس سنوات وبمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط وقدر ثلاثمائة ألف جنيه وإلزامه بالمصاريف الجنائية.
وكشفت حيثيات الحكم أن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة وعقيدتها واطمأن إليها ضميرها وارتاح إليها وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى، وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تتحصل في أنه ومنذ بدء الخليقة وعلى مر الأزمان يتنازع الخير والشر ويتصارعان دوماً، ليبقى أحدهما منفرداً دون الآخر، ولكن تتجلى القدرة الإلهية في بقائهما معاً، فهما جناحا الحياة فلا يوجد خير محض أو شر نام، بل يمتزجان معاً ليكونا النسيج الأولى للطبيعة البشرية ولكن يأبى الله إلا أن ينتصر الخير دائما ولو طال أمد الشر، فدولة الظلم والشر ساعة ودولة الحق والعدل إلى قيام الساعة، فالقانون الإلهي ينصف دائماً جانب الخير على جانب الشر، دافعاً الخير للأمام معتلياً الهامات شاخصة الأبصار تجاهه ودافعاً الشر لأسفل سافلين منحياً إياه عن صدارة المشهد ليلقى مصيره المحتوم بالخلود في طي النسيان رغبة منه في إفراز جيل خلاق نابه يُساعد في بناء ونماء المجتمع يكرم الصالح ويشد على يده ويقوم الطالح ويأخذ بيده ؛ فالخير يمثله متخذو السبيل القويم ممن يتبعون القانون ويجتهدون فى تجلب مخالفته والشر يمثله أصحاب النفوس الضعاف الذين لا يهتمون بمصالح مجتمعاتهم ولا يُلقوا بالاً لشبل ارتقائها ولا يقيمون لمصلحتها وزناً فهدفهم الأوحد تحقيق أهدافهم الدنيئة شاربين بعرض الحائط كافة التقاليد القويمة والعادات الصحيحة والأخلاق الحميدة والتصرفات المستقيمة غير عابئين بتنميتها ولا بناتها : فالمجتمعات السوية ملك للشرفاء من أفرادها الذين يعون قيمة مفهوم الصالح العام ويدافعون عنه باذلين في ذلك كل مرتخص ونفيس فهم طيبون نبتوا في أرض طيبة روتهم مياء طاهرة فأثمرت كل ما هو طيب تذوقوا الحلال، فاستساغوه ثم أحبوه ولفظوا الحرام فإستقبحوه ثم بغضوه وكرهوه ويبين بجلاء أى السبيلين أرشد وأيهما أحق بالإتباع فلا مجال للمقارنة بين تقوى الله ورضاء ورضوانه ومخالفة أوامر الله وعصيانه .
وأكدت الحيثيات أن أحد أبرز الجرائم المجتمعية الماسة بقدسية وجلال الوظيفة العامة والاتجار بها هي جرائم الرشوة سواء كانت طلب أو قبول أو أخذ العطية أو عدم قبولها فهي جريمة مذمومة تعد من المفاسد والآفات التي تلقى بأصحابها إلى التهلكة تعطى الإبطال حق أو إحقاق باطل نفسد الأعمال وتظلم القلوب وتفرق الجماعات وتغضب الله سبحانه وتعالى وتزرع المصائب والمحن وتهدم وتدمر المجتمعات وتقود إلى نشوب النزاعات وتنشر الحقد والكراهية وتمحق الأرزاق وتفسد الأخلاق وتضيع الحقوق وتغير الأحوال والثوابت وتقلب الموازين فيصير الباطل حق والخيانة أمانة والظلم عدل ما أصابت أي مجتمع إلا وأدت لإسقاطه وإنهياره وتفككه .
وأشارت الحيثيات، نجد أنها لم تكن وليدة العصر الحالي فحسب بسبب البيروقراطية الإدارية المنتشرة بالبلاد النامية بل تواجدت بكل العصور على مر التاريخ فهي قديمة قدم الإنسانية ذاتها فقد اقترف إثمها بعض القدماء في حين لفظتها كل الأعراف والقوانين والأخلاق وأبت المجتمعات بكافة الأزمان أن توضم بتفشى تلك الجريمة بها فقد عرفها الفراعنة وعملوا على الحد منها وحاربوا المرتشين وجاء الإسلام بعد ذلك ليحرمها ويُجرمها وفقد عانى المصرى القديم من الفساد الإداري والرشوة إذ وصل الفساد إلى بعض الكهنة وكبار موظفى الدولة كما ورد في شكوى القروى الفصيح من الحكام لممالأتهم للمعتدى على ممتلكاته وامتدت الشكوى لتطال كبيرهم الذى لم يتخذ موقفاً إيجابياً حيال الواقعة ليعتبرهم جميعاً مرتشين ويصفهم بالأوعية المدهنة وقال " إن تصيبك في بيتك ومعدتك معلومة وأعوانك يعطوك وتطلب المزيد الا تكون بذلك لصاً ، وورد بمرسوم حور محب " لا تقبل الهدية من أي فرد إذ كيف سيتسنى لك محاكمة الآخرين وبينكم من أجرم في حق العدالة ذائها فمن يفعل ذلك منكم سوف يُعاقب بالإعدام " ، وورد بمرسوم سيتى الثاني محذراً الكهنة تحديداً وبكافة مراتبهم من شول له نفسه طلب أي شيء من غيره أو قدم للكاهن الأكبر أى شئ سوف يعزل من وظيفته وينقل للعمل اليدوى فى الحقول ويُطبق عليه القانون "، ومن الدلائل على إنتشار الرشوة آنذاك وأنها كانت ظاهرة بغيضة معقولة يرغب الجميع في التنصل منها هو محاولة كبار الموظفين في سيرهم الذاتية التأكيد على برائتهم من شبهة الإرتشاء .
وكشف أمر الاحالة قيام المتهم "منير . ف " بعرض رشوة علي موظف عام للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرض مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه علي / محمد رشدي ، مدير إدارة جمرك بدر الذهبية وعضو اللجنة المشكلة لتقدير الرسوم الجمركية والغرامات المستحقة علي شركة توب لاين فود للصناعات الغذائية مقابل تقدير الرسوم الجمركية والغرامات المستحقة له بقيمة أقل مما تستحق ولكن الموظف العام لم يقبل الرشوة منه علي النحو المبين بالتحقيقات.
وكشفت شهادة محمد رشدي
شهد أنه ولاختصاصه الوظيفي بفحص المخالفات الجمركية لشركة توب لاين فود للصناعات الغذائية والمملوكة للمتهم وتقدير الرسوم الجمركية والغرامات المستحقة علي علي تلك الشركة حضر اليه المتهم بمقر عمله لمتابعة اجراءات الفحص والتقدير ولاحقا عرض عليه مبلغ ثلاثمائة الف جنيه علي سبيل الرشوة مقابل تخفيض قيمة الرسوم الجمركية والغرامات المستحقة علي شركته والمقدرة بمبلغ تسعة وعشرين مليون جنيه فأبلغ الشاهد الثاني بالواقعة والذي طلب منه مجاراة المتهم.
واضافت شهادة فاضل محمد عضو الرقابة الإدارية والذي شهد بتلقيه بلاغ من الشاهد الاول وباجرائه تحرياته والتي أكدت صحته من عرض المتهم علي الشاهد الاول مبلغ ثلاثمائة الف جنيه علي سبيل الرشوة مقابل تخفبض الرسوم الجمركية والغرامات المستحقة علي شركة توب لاين فود الغذائية المملوكة للمتهم والمقدرة بمبلغ تسعة وعشرين مليون جنيه.