تحل اليوم ذكرى وضع حجر الأساس للسد العالي بأسوان في ٩ يناير ١٩٦٠، هذا الصرح الكبير الذي تعتز به مصر، والذي يعتبر موردا اقتصاديا مهما للمياه والكهرباء وساهم في عمل نقلة كبيرة في اقتصاد مصر.
وفي تقرير صدر عن الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى، قُيِّم السد العالي في صدارة كافة المشروعات، واختارته الهيئة الدولية كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين.
حجر الأساس
بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى من السد في 9 يناير 1960 وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترًا، في منتصف مايو 1964 تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجرى النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة.
بداية الفكرة
تقدم المهندس المصري اليوناني الأصل، أدريان دانينوس إلي قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
بدأت الدراسات في 18 أكتوبر 1952، بناء على قرار مجلس قيادة ثورة 1952 من قبل وزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليًا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات.
استقر الرأي علي أن المشروع قادر علي توفير احتياجات مصر المائية.
وفي أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في ديسمبر 1954 كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ.
مشكلة التمويل
"قلنا هنبني وادي احنا بنينا السد العالي يا استعمار بنناه بايدينا السد العالي"، اغنية عبدالحليم الشهيرة عن السد العالي، ولكن ما دخل الإستعمار إذا كانت مصر تخلصت منه بعد ثورة يوليو، ولكن سنجد ان المصالح الأجنبية ستكون عائق في تمويل بناء السد.
ولجأت مصر للبنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي تتضمن أهدافه مساعدة الدول الأعضاء فى القيام بالمشروعات الإنمائية التى ترفع مستوى المعيشة، الى جانب أيضا مساعدة الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن أعلن البنك عن استعداده لتمويل السد، وبعد أن جاء وذهب رئيس البنك، السيد يوجين بلاك، وتقدم بعرض للتمويل في زيارات لمصر، تراجع البنك عن التمويل بإيعاز من بريطانيا والولايات المتحدة اللتين كانتا قد وعدتا أيض
ا بالمشاركة فى التمويل، مما أدى إلى غضب عبد الناصر وإسراعه بتنفيذ نية مسبقة بتأميم القناة.
تقرير البنك الدولي
ولم يتم الاكتفاء بهذا ففي تقرير للبنك الدولي نشر فى أغسطس 1955 بحاجة مصر إلى مشروعات إضافية لزيادة الرقعة الزراعية، بل يتنبأ التقرير بأن مصر قد استنفدت فرص التوسع الصناعي فى المجالات ذات الميزة النسبية، ويؤكد ان الزراعة هى السبيل الوحيد للنمو.
كما يشير التقرير الي ان تمويل السد لن يكون صعبا ويجب ألا يسبب مشقة لمصر في ايعاز بانها ليست بحاجة لتمويل لبناء السد، معللا هذا بأن الموازنة العامة للدولة تظهر عجزا طفيفا، بل إن رجال الثورة قاموا فى سنتهم الأولى بتخفيض النفقات العامة من 232٫9 مليون جنيه الى 208٫4 مليون مما ادى الى تقليص عجز الموازنة من 38٫8 مليون الى 10٫2 مليون (فقط 5% من الإيرادات).
وتابع التقرير" كذلك كانت مصر قد استفادت من ارباح ضخمة فى ميزان المدفوعات نتيجة ارتفاع اسعار القطن إبان الحرب الكورية 1950-1953، والقطن يولد 80% من عائدات الصادرات".
ويقدر التقرير أن الفائدة الإضافية من ارتفاع اسعار القطن فى السنوات 1950- 1955 تقدر بـ 180 مليون جنيه أي 517 مليون دولار (الجنيه كان يساوي 2٫87 دولار!).
وكانت تقديرات تكلفة بناء السد العالي لاتزيد على 300-350 مليون جنيه (وصلت فيما بعد الى 400 مليون جنيه) بمعنى ان ارباح القطن المتراكمة وحدها كانت لتوفر نصف تكاليف إنشاء السد.
كذلك كان لمصر ارصدة محترمة من العملات الأجنبية والذهب تراكمت خلال الحرب العالمية الثانية بلغت 260 مليون جنيه عام 1954.
ويفصل التقرير ان الإنفاق السنوي على بناء السد يتوقع أن يكون 30 مليون جنيه لمدة عشر سنوات.
ويمكن تغطية هذا المبلغ من السحب من الأرصدة الأجنبية فى حدود 10 ملايين سنويا، ومن الموازنة العامة 2٫5 مليون، و3٫5 من حصيلة بيع أملاك الأسرة المالكة المصادرة، والاقتراض الداخلي والخارجي فى حدود 15 مليونا.
ويشير التقرير من طرف خفي الى العائد الذي سيعود الى مصر بعد انتهاء امتياز شركة قناة السويس وعودة القناة لمصر عام 1968.
ما السبب لامتناع الصندوق عن التمويل؟
كانت مصر قد أبرمت صفقة أسلحة في 27 سبتمبر 1955، وبلغت قيمتها 250 مليون دولار، لشراء أسلحة سوڤيتية الصنع تم تمريرها عن طريق تشيكوسلوڤاكيا.
كانت الصفقة جزء من برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمها الاتحاد السوڤيتي وكانت تلك الصفقة بمثابة الحدث الذي جر منطقة الشرق الأوسط بعد ذلك إلي سلسلة من التداعيات التي تركت آثارها علي شكل النظام الدولي وتوازن القوي الذي كان سائدًا.
وقضت هذه الصفقة على احتكار الغرب للسلاح، وأعطى للعالم الثالث فرصة جديدة للانطلاق بناء الجيوش الوطنية.
وعندما أُثير موضوع تمويل مشروع السد العالي في الكونجرس الأمريكي، أرسلت لجنة الاعتمادات بالمجلس مذكرة في 16 يوليو 1956 برفض تخصيص أموال لمشروع السد العالي، وكان الهدف هو الثأر من مصر بسبب صفقة الأسلحة التشيكية، واعترافها بالصين الشيوعية، ومواجهتها لسياسة الأحلاف العسكرية.
وفي 19 يوليو 1956 قررت الولايات المتحدة سحبها لعرض المساهمة في مشروع السد العالي.
الاتجاه للاتحاد السوفيتي وتأميم القناة
وبصدور هذا القرار اتجهت مصر نحو الاتحاد السوڤيتي لمساندتها في بناء السد العالي، وبالفعل قام بإرسال الفنيين وسفن الإرشاد بعد سحب المرشدين من قناة السويس نتيجة لقرار مصر بتأميم قناة السويس.
وصدر البيان الثلاثي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني بلندن في 2 أغسطس 1956، الذي ندد بعدم شرعية قرار مصر في التأميم، فتحرك الاتحاد السوڤيتي لدعم مصر، وسارع بشحن الأسلحة إليها، وزاد من عدد خبرائه ودبلوماسييه الذين أوفدوا إلى مصر.
وفي 27 ديسمبر 1958، وقعت مصر اتفاقية مع الاتحاد السوڤيتي لاقتراض 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد.
وفي مايو 1959 قام الخبراء السوڤييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعض التعديلات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد.
وفي 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوڤيتي سابقًا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد. وبلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيه.
في أكتوبر 1967، انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي، وفي عام 1968، بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي.
اكتمال الصرح في ١٩٧٠
اكتمل صرح المشروع في منتصف يوليو 1970، وأقيمت احتفالية كبيرة حضرها الرئيس الروسي نيكاتا خروشوف.
- في 15 يناير 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي.
فوائد السد اجتماعيا
حمى السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من 1979 إلى 1987 حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
كما حمى السد العالي مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من 1998 إلي 2002، فلولا وجود السد العالي لهلك الحرث والنسل ولتكبدت الدولة نفقات طائلة في مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة.
دور السد العالي في التنمية الزراعية والصناعية:
– استصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية.
– تحويل الري الحوضي إلي ري مستديم وزيادة الانتاج الزراعي.
– التوسع في زراعة الأرز.
– توليد طاقة كهربائية تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقري.
– ضمان التشغيل الكامل المنتظم لمحطة خزان أسوان بتوفير منسوب ثابت علي مدارالسنة.
– زيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة السد العالي.
– تحسين الملاحة النهرية طوال العام.