مع كل عام، ومع قرب بدء احتفالات رأس السنة، وعيد الميلاد، تُثار بين المسلمين، بقوة مسألة تهنئتهم للمسيحيين، ما بين دعوات تحريم المعايدة، وإدانة كل مسلم يشارك فيها، وأخرى بوجوبها، وضرورتها، من باب التآخي، ورد التحية بتحية، وبين هذه وتلك، تهنئ البوابة كل أبناء الوطن ،عامة، باحتفالات العام الجديد، والمسيحيين ،خاصة، بأعياد الميلاد، وتقف موقف الرافض لأي نبرة خشنة من شأنها جرح كبد الوحدة بين المصريين، وتحاول بكل موضوعية كشف جوهر الأمور من خلال مصادرها الموثوقة.
فيقول الشيخ الدكتور إبراهيم رضا ،أحد علماء الأزهر الشريف، في تصريحات خاصة لـ"البوابة" أن حكم تهنئة المسلم للمسيحي من الواجبات التي يجب أن نحرص عليها، لأن التهنئة بالأعياد هي نوع من أنواع التحية، والله تعالى يقول “وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ ”، ولأن المسيحي يحيي المسلم في أعياده، لزم على المسلم، بل فرض عليه أن يرد التحية للمسيحي في احتفالاته الدينية، ومنها ميلاد المسيح عليه السلام.
ويؤكد الشيخ إبراهيم كلامه قائلا: "لا يوجد ما يمنع شرعا من تهنئة المسلم لأخيه المسيحي في أعياده، لأن علاقة المسلم بأهل الكتاب من اليهود، والمسيحيين، هي علاقة منظمة بآية في سورة الممتحنة، فيقول الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ومنها نرى أن الله تعالى أمرنا أن نبذل البر لأجل من يختلف عنا في العقيدة من أهل الكتاب لما لهم من مكانة وكرامة عند الله ورسوله، لأن البر في الآية السابقة اسم جامع لكل معاني البر".
ويضيف الدكتور الشيخ إبراهيم رضا حديثه، كاشفًا أسباب هذه الدعوات الخبيثة، والدخيلة على المجتمع المصري، ومن يقف ورائها، حيث يقول أن تحريم التهنئة لا يعد توجه ديني، بل توجه سياسي، تتبناه الجماعات الإسلامية السياسية مثل جماعة الأخوان، ومن على شاكلتهم.
ويدلل الشيخ إبراهيم رضا كلامه بموقف الأخوان من أعياد الميلاد فترة حكمهم قائلا: "ذهب محمد مرسي ومعه مجموعة من الجماعة إلي الكاتدرائية لتهنئة البابا، وعقب سقوطهم، وخلع الشعب المصري لهم، نادوا بمثل هذه الدعوات نكاية في الدولة، وشعبها". ويكمل فضيلته: "هذه آراء شاذة، لم ترتق للفتوى، تستهدف خلق حالة من العناد، والتمرد، وزعزعة أمن، واستقرار المجتمع، ومثل هذا لن نسمح بحدوثه أبدا".
وعن هذا الصخب المفتعل على مواقع التواصل الاجتماعي، والمتكرر كل عام، بشأن تحريم تهنئة أخوتنا الأقباط، يقول فضيلته: "وصل هذا الصخب ليطول فضيلة الشيخ الطيب، وإهانته، لما بادر به ،منذ أيام قليلة، من تهنئته لكل المسيحيين في الشرق والغرب، وفي يقيني هذه حرب معنوية شرسة من الأخوان ضد الدولة المصرية، ورموزها، وعلينا أن نعى هذا جيدا".
ويستكمل الشيخ إبراهيم حديثه عن الجماعة فيقول: "هؤلاء جماعات آثمة، لا تريد الخير لمصر، وأهلها، ولذلك تسعى هذه الجماعة من كل عام لممارسة ضغوط نفسية، مستخدمة في ذلك أسلحة الچيل الرابع، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إخماد روح الفرح التي يتمتع بها الشعب المصري، ولكن هيهات، فسيدنا محمد ﷺ بشر بأنها أرض الرباط، وستظل في رباط ليوم الدين".
واختتم الشيخ إبراهيم رضا حواره مشيدا بالرئيس عبدالفتاح السيسي في هذا التوجه، حيث قال: "ما يفعله الرئيس هو بمثابة سُنة حسنة جديدة، فهو ولي أمر الجميع، فذهابه إلي الكاتدرائية وتهنئته لأبنائه المسيحيين، ومشاركته لهم في احتفالاتهم، تعد رسالة قوية، أهم ما فيها تقوية اللُحمة الوطنية، وهي سابقة لم تحدث من قبل، أن يذهب رئيس الجمهورية بنفسه إلي الكاتدرائية للتهنئة".
وما ذكره الشيخ الدكتور إبراهيم رضا عن الرئيس السيسي يؤكده لنا أيضا الدكتور عادل أحمد أمين دكتوراه فلسفة إسلامية، وباحث فى مجال الأديان والمذاهب، حيث بدأ حواره معنا موجها الشكر للرئيس قائلا: "كامل الشكر لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي على تلك الخطوة التى كان سبّاقًا فيها، ومن وجهة نظرى الرئيس قام بما يجب، وأكثر ما اعجبني شجاعته فى اتخاذ تلك الخطوة ولم يعر المتشددين انتباها".
ويوضح الدكتور عادل حديثه بشأن وجوب التهنئة قائلا: "التهنئة من القلب، ومن منطلق المحبة، وهى واجبة، لأن التهنئة لقطاع من قطاعين متلاحمين فى مصر، وهنا التهنئة لا صلة لها بعقيدة أو غيرها".
ويكمل: "التهنئة واجبة لمصري مثلي، جار أو صديق، هذا أمر واجب حثت عليه الأديان، والأصول، والمُناسَبة ليست حِكرا على قطاع، بل هى مُناسَبة تخص المصريين، الكنيسة ليست حكرا على الأقباط، هى تسمى الكنيسة المصرية، والأزهر كذلك، لذا فالتهنئة لا تمس العقيدة فى شئ".
ووجه الدكتور عادل أمين الباحث في مجال الأديان رسالة لكل من يحرم التهنئة قائلا: "لكم معتقدكم الخاطئ، ولم نهاجمكم، ولكن لا تعمم معتقدك على الأخرين".
وتمنى لهم أن يعودوا إلى صوابهم، سائلا إياهم، ما هو الضرر المترتب عن التهنئة؟ مؤكدا أن عدم التهنئة كراهية، والتهنئة محبة، ووفاق، ويعاود "عادل" التساؤل مرة أخرى، كيف تمنعون التهنئة فى أعياد دينية مصرية، وكلمة مصرية تشمل الجميع؟ أليست دعوتهم دعوة لانقسام الشعب الواحد؟.
وينوه الدكتورعادل إلي المبررات الضعيفة التي يقدمها هؤلاء لتحريم التهنئة، مشيرا إلي أنهم يستندون إلي بعض النصوص الكتابية التي يتم تأويلها وفقا لنظرتهم الرافضة، ناظرين لها بعين الكره، والبغضة.
ويتساءل في تعجب: "كيف لهؤلاء أن يبيحوا الزواج من مسيحية، وهم يحرمون التهنئة في الأعياد المسيحية، أليست هذه ازدواجية؟".
ويوضح الدكتور عادل أمين الباحث في الأديان، الفارق في التأثير بين تحريم التهنئة، وضرورتها، فيقول: "الصراع بين توجهين، توجه ظلامي، والأخر وطني، وتنويري، ولا قدر الله، لو انتصر التوجه الظلامي لأصبحت مصر خارج التاريخ، وتحولت لوطن مقسم، وانتهت المواطنة، وسادت الطائفية".
ويتابع: "ولكن على العكس، نرى الأمور تتوجه للأفضل خاصة بعد فتوى دار الإفتاء، وتهنئة شيخ الأزهر لجميع المسيحيين فى العالم، لذا سينتصر التيار التنويري، لتصبح مصر وطنا لكل أبنائها، يستثمر طاقات المصريين بكل عقائدهم، وتوجهاتهم".
وأنهى الدكتور عادل أحمد أمين حواره مع “البوابة” مستنكرا كل الأصوات الرافضة للتهنئة قائلا: "التهنئة يجب أن تكون واقعا، وحقيقة، كما كانت فى الجزيرة ،صدر الإسلام، مناسبات دينية لم يرفض المسلمون التهنئة فيها، وما ليس فيه منع، فالأصل فيه الإباحة".
وفي هذا يذكر الدكتور عادل بزواج النبى من مسيحية مصرية، ويذكر أيضا أنه أعاد غلاما يهوديا، مؤكدا أن ما فعله مع الغلام اليهودي أكثر بِرا بمراحل من التهنئة، وعلى الطرف الأخر يذكر دور المسيحيين قائلا: "حارب المسيحيون فى نجران بجانب المسلمين، بل أن عمر بن الخطاب أدى الصلاة بجانب الكنيسة، وعلى مر التاريخ الإسلامى كان لليهود والمسيحيين دورهم الفاعل فى نهضة الدولة، بل كان شاعر الدولة الأموية 'الأخطل' مسيحيا".
ويختتم الدكتور عادل حديثه ناصحا المصريين بخطورة الالتفاف حول هذه الجماعات ودعواتها فيقول: "الهدم سهل، الهدم يثير صخبا أشد من صوت البناء، وهؤلاء لا يملكون غير الصوت العالي، هم لا يعترفون بوطن، ولا يؤمنون بالأخر، هم همج، هم يستندون على فتاوى قديمة، ولا يدركون أن الفتوى فى سياق، واليوم غير الأمس، هم خارج الزمان والمكان".