ما تزال الأحداث ملتهبة في إيران وأفغانستان، بعدما نظمت المدافعات عن حقوق الإنسان على مدار العام الماضي مظاهرات في الشوارع للمطالبة بحقوق متساوية للمرأة، والحق والدراسة وحرية اختيار ملابسهن، والمطالبة باحترام حقوق الإنسان.
في أفغانستان، تخاطر النساء بحياتهن وسلامتهن من أجل المطالبة بحقوقهن، وقد تم اعتقال وسجن وتعذيب عدد من هؤلاء المدافعات عن حقوق الإنسان بسبب نشاطهن السلمي واحتجاجاتهن. ونتيجة لذلك، أُجبرت بعض هؤلاء النساء على الاعتراف ضد أنفسهن وأُجبر البعض أيضًا على مغادرة البلاد، ورغم المخاطر الكبيرة المتمثلة في الاعتراض العلني على سياسات طالبان، استمرت الاحتجاجات النسائية في الشوارع.
أما في إيران، فقالت شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية، إن العالم لم يهتز في ٢٠٢٢ أكثر مما حدث مع دعوات التغيير في إيران، والتي استمرت لأكثر من ١٠٠ يوم بعد وفاة مهسا أميني البالغة من العمر ٢٢ عامًا. حيث اتهمت شرطة الآداب أميني بالتقاعس عن الالتزام بقوانين الحجاب في البلاد، واحتجزتها ثم نقلتها إلى المستشفى بعد ساعة، لتدعي الشرطة أن "أميني" دخلت في غيبوبة فقط، لكن عائلتها زعمت أنهم رأوا دليلًا واضحًا على تعرضها للضرب، وكان موتها بمثابة بداية لما انتهى به الأمر إلى أكبر معارضة لنظام الملالي.
وبدأت الاحتجاجات أيضًا قبل أسبوع الأمم المتحدة رفيع المستوى لعام ٢٠٢٢، حيث يسافر قادة مختلف الدول إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك لإلقاء كلماتهم أمام الجمعية العامة. وتمت دعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للتحدث، وأثار وصوله جدلا هائلا، حيث دعا الكثير الرئيس الأمريكي جو بايدن لرفض طلب التأشيرة ومنعه من دخول البلاد.
وتحدث "رئيسي" بالفعل، في الوقت الذي نظم فيه احتجاج عبر الشارع عند مقر الأمم المتحدة، أظهر ضحايا لجان الموت في إيران عام ١٩٨٨، والتي يُزعم أن "رئيسي" شارك فيها ولعب دورًا بارزًا فيها.
وامتدت الاحتجاجات في نهاية المطاف إلى أكثر من ١٤٠ مدينة وبلدة في جميع أنحاء إيران، حيث أفادت التقارير أن ما يصل إلى ٥٠٠ شخص قتلوا في حملة قوات الأمن القمع واعتقل عشرات الآلاف. كما لقي عدد من الأطفال حتفهم خلال الاحتجاجات حيث كافح النظام لاحتوائهم.
من طهران إلى كابول
وتعليقا علي مظاهرات نساء إيران وأفغانستان، قالت الكاتبة السورية عالية منصور في مقال لها نشرته مجلة "المجلة" السعودية تحت عنوان "من طهران إلى كابول: نساء في مواجهة التطرف" في منتصف شهر أغسطس من العام الماضي: "بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، عادت حركة طالبان إلى مقاعد السلطة، بعد غياب استمر عشرين عاما، يومها سارعت العديد من الدول والمنظمات الحقوقية إلى التعبير عن قلقها حيال ما ينتظر الأفغان وخصوصا النساء، ولكن دون أي إجراءات حقيقية تضمن أن عقارب الساعة في أفغانستان لن تعود للوراء، وأن طالبان لن تنتقم من النساء فقط لكونهن نساء وتلغي مفاعيل نضال وإنجازات حققتها المرأة الأفغانية على مدى العشرين عاما الماضية.
حاولت طالبان حينها القول إنها تغيرت، وأرسلت رسائل تطمينية فيما يتعلق بموضوع المرأة تحديدا، وحث يومها عضو لجنة طالبان الثقافية إنام الله سمنجاني النساء على الانضمام إلى الحكومة الجديدة، وقال: يجب على جميع الأطراف الانضمام، فالإمارة الإسلامية، وهو الاسم الذي تستخدمه طالبان لوصف حكمها بأفغانستان، لا تريد أن تكون النساء ضحايا.
طالبان تناقض نفسها
وعلى عكس ما تدعيه طالبان، أمر وزير التعليم العالي محمد نديم بوقف تعليم الطالبات في الجامعات الخاصة والعامة في أفغانستان، معتبرا أن «تعليم الفتيات في الجامعات العلمانية مخالف لقوانين الإسلام ومخالف للتقاليد الإسلامية». ولكنه لم يخبر الأفغانيات من أي نص استوحى هذه «الحرمانية»، ولم يكتف بذلك، فقد أزعجته الإدانات الدولية لقراره، فصرح بأنه لن يتراجع عن قرار منع التعليم الجامعي للنساء «حتى لو ألقوا علينا قنبلة ذرية»، مبديا استعداده لأي عقوبات دولية قد تفرض من جانب المجتمع الدولي بسبب القرار.
لم تكتف طالبان بحرمان الفتيات والنساء من التعليم الثانوي والجامعي، بل أصدرت أيضا مرسومًا في ٢٤ ديسمبر الماضي منعت بموجبه النساء من العمل لدى المنظمات غير الحكومية، وهذا الحظر لم يشمل فقط النساء الأفغانيات، بل جميع النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية.
وإن كان العالم قد سارع للتنديد بقرارات طالبان، فالمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، دعا ما سماها سلطات الأمر الواقع في أفغانستان إلى إلغاء مجموعة من السياسات التي تستهدف حقوق النساء والفتيات على الفور، مشيرًا إلى تداعياته ا«الرهيبة والمتراكمة» على حياتهن. وأصدر مجلس الأمن بيانا دعا فيه أعضاء المجلس حركة طالبان إلى «إعادة فتح المدارس وعكس هذه السياسات والممارسات التي تمثل تآكلا متزايدا لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بسرعة».
بدوره أعرب الاتحاد الأوروبي عن إدانته لقرار طالبان، وقالت الناطقة باسم مسئول الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، نبيلة مصرالي، في بيان «إن الاتحاد الأوروبي يدين بشدة قرار طالبان الأخير بمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية». وأضاف البيان: «نقيّم الوضع وتأثيره على تقديمنا للمساعدات ميدانيا».
ولكن هل حقا تفاجأوا بقرارات طالبان بحق النساء، هل كانوا يتوقعون أن تحقق طالبان حليفة القاعدة وربيبتها المساواة والعدالة للمرأة الأفغانية؟ ما الذي كانوا يتوقعونه حقا من حركة كحركة طالبان يوم أعيد تسليم أفغانستان لهم على طبق من الفضة بعد الانسحاب الأمريكي «العشوائي» الذي شاهده العالم أجمع، وشاهد كيف حاول الأفغان الهروب مما كان ينتظرهم، لقد عرف الشعب الأفغاني أن طالبان ١٩٩٦-٢٠٠١ هي نفسها طالبان ٢٠٢١، وأن لا شيء تغير.
طالبان تسير على خطى ملالي إيران
واللافت للنظر أن طالبان اختارت توقيت إعلانها بمنع تعليم النساء في ذروة المواجهة الشجاعة والعظيمة لنساء إيران مع نظام الملالي في طهران (الوجه الآخر للتطرف الديني)، لقد شكل القرار الطالباني لحظة فرح في طهران، لأن التركيز في الإعلام العالمي انتقل من تغطية حق الإيرانيات في الحرية إلى حق الأفغانيات بالحياة والتعليم، فهل يمكن أن يكون هناك أفضل من هذا الطوق للنجاة الذي مدته طالبان لملالي طهران؟!
بعد أيام من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم، تقول عالية منصور: "كتبت أقول "مؤسف ومحزن ومقلق ما ينتظر المرأة والفتاة في أفغانستان بعد نضال استمر سنوات طويلة قد تعيدهن «قذارة الصفقات» إلى نقطة الصفر. ولكن يبدو أن الخذلان ليس وحده قدر المرأة الأفغانية ولكن أيضا النضال، فها هن نساء أفغانستان تبدين مقاومة بطولية للمطالبة بحقوقهن الأساسية كحق التعليم وحق العمل، وكأن قدر المرأة الأفغانية، كما الإيرانية اليوم، أن يحملن شعلة تحرير مجتمعاتهن من آفة التخلف والقمع والجهل".