تعيش جماعة الإخوان الإرهابية، وأذرعها السياسية في مختلف أنحاء الدول العربية، محنة أيديولوجية وتنظيمية غير مسبوقة، خاصة بعد سقوطها في مصر، والسودان، وتونس، وتراجعها إلى حد الاضمحلال في الجزائر، ودخولها في صراع وجودي بليبيا.
ولا يختلف الأمر كثيرا في اليمن الذي يواجه فيه حزب التجمع الوطني للإصلاح، الذراع السياسية للجماعة انهيارا لنفوذه السياسي، وتآكل مراكز نفوذه العسكري، في شطري البلاد.
حزب الإخوان الذي نشأ في العام 1990، يعاني من تراجع المد الفكري، حتى صار مفتقدا للدعم الشعبي، وسط خيارات ضيقة للغاية من أجل العودة، في ظل فشل تقاربها مع جماعة الحوثي، لتضارب أطماع الطرفين في القفز على الحكم.
وعلى الرغم من تشابك الخيوط بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في اليمن، فإنها تتفق على إغلاق الطريق أمام محاولات حزب الإصلاح للعودة، من خلال ضرب شرعية المجلس الرئاسي، بالتصعيد ضد المجلس ورئيسه وإنكار شرعيته والتحريض عليه.
النظرة القريبة على التغيرات الديناميكية في الأوضاع على الأرض وداخل أروقة السياسة اليمنية، تشير إلى أفول نجم الأيديولوجيا الإخوانية، وما انبثق عنها من أحزاب يمنية، انتهجت العنف سبيلا للقفز على السلطة، وذلك على الرغم من أن الجماعة في اليمن ما زالت تتلقى دعما من بعض الدول.
حزب الإصلاح سيكون مجبرا على التحرك ببطء شديد بالتوازي مع عمليات جس نبض للحوثيين، هذا ما تشير إليه التحليلات، حيث سيدفع ببعض أجنحته التي فتحت اتصالات مع قيادات حوثية، للبحث عن أرضية مشتركة تراعي مصالح كلا الطرفين.
فقدان الإخوان لقوة الدفع السياسية، بدأت في أعقاب الثورة اليمنية، حين عملت الجماعة لمصالحها الخاصة على حساب شركاء الثورة، مما كلَّفهم تراجع الدعم شعبي من خارج العناصر التنظيمية للجماعة.
وهذا ما اعترف به الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، مؤسس ورئيس حزب الإصلاح، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن، قائلا، إن الحزب تأسس في 13 سبتمبر 1990 كجزء من صفقة، مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، بهدف معارضة الحزب الاشتراكي اليمني، شريك صالح في توحيد شطري البلاد، إلا أنه بمرور الوقت انقلب الحزب ضد حليفه السابق صالح، وأصبح حميد نجل الأحمر أبرز خصوم علي صالح.
ويمكن ملاحظة أن تحالف الإخوان مع نظام علي صالح لإسقاط الحزب الاشتراكي اليمني، بوصفه الكيان القادر على المنافسة الفعالة.
وعلى الرغم من ذلك تحالف الحزب الاشتراكي نفسه مع جماعة الإخوان ضد صالح، كجزء مما عرف بأحزاب اللقاء المشترك (JMP). وذلك لأن صالح بمجرد اكتمال هجومه على الحزب الاشتراكي، سعى إلى ضرب حلفائه في حزب الإصلاح التابع للجماعة، عبر سلسلة من القرارات، كتفكيك نظام المعاهد العلمية، الذي كان يشكل أهم الموارد البشرية والإطار التنظيمي المستخدم لنشر فلسفة الجماعة.
كما قرر صالح أيضا ضرب نفوذ الجماعة التاريخي في مجال التعليم، الذي مكنها من استقطاب وضم عشرات الآلاف من الطلاب والمعلمين.
وتأتي سيطرة الجماعة على التعليم، في أعقاب فترة بدأت خلال ستينيات القرن الماضي، اعتمدوا فيها على الانتماءات القبلية القوية للشعب اليمني، والحماسة الدينية، ليشاركوا في جميع مراحل التحول السياسي، حتى نجحوا في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي في تأسيس نظام تعليمي ديني مواز، ظل قائما حتى عام 2001.
ومع تغير أهداف الجماعة مرحليا، استطاعوا كسب ولاء رئيس الوزراء لحكومة الوفاق الوطني لحزب الإصلاح، وسيطروا على عدد لا بأس به من المناصب الرئيسية في المؤسسات المدنية والعسكرية للدولة، غير عابئين بخسارة شركاء الثورة، الذين اعتبروا تحركات الإخوان محاولة لتهميشهم واحتكار السلطة والتراجع عن مبادئ الشراكة التي اتفقوا عليها جميعًا.
ونتيجة لذلك أصبح العديد من قادة وأعضاء أحزاب اللقاء المشترك معارضين للإخوان المسلمين، ومع الضعف النسبي لحلفاء الجماعة، واعتمادهم فقط على الخطاب السياسي، الذي يفتقر إلى قوة الواقعية، مقارنة بالجماعة نفسها، أو ما يملكه الخصم الرئيس وهو جماعة الحوثي، تمكنت الأخيرة من جذب وتجنيد بعض القادة الوطنيين واليساريين، وبالتالي تجريد الإخوان من مصداقيتهم بين حلفائهم.
على الرغم من التأثير الإعلامي المهم للإخوان داخل اليمن، فإن تركيز وسائلهم الإعلامية على معارك الإخوان خارج البلاد، قلل من نفوذهم واهتمام الجمهور اليمني بشئونهم.
وإذا نظرنا إلى الجنوب، فسنجد أن تحالف حزب الإصلاح الإخواني مع علي عبدالله صالح في حرب 1994 ضد اليمن الجنوبي، إلى اتخاذ الجنوبيين موقفًا سلبيًا تجاه الإخوان، كرد فعل على العلاقة التاريخية السيئة التي كانت قائمة بين الإخوان والجنوب.
هذا الطرح يجعل فرص الجماعة في استعادة قاعدة النفوذ السياسي في اليمن أمرا صعبا، خاصة بعد فقدان الشعب اليمني للشغب الأيديولوجي الإخوان، بسبب ما يعانيه من حرب أهلية طاحنة مستمرة منذ سنوات.
وعلى الرغم مما يتمتع به جناح الإخوان في اليمن من مهارة تنظيمية كبيرة، فإنهم باتوا يواجهون معدلات متدنية جدا من التأييد الشعبي لديهم، الذي يحرمهم من أي فرصة حقيقية في العودة للصورة، أو المشاركة بدور قوي في رسم ملامح اليمن بعد الحرب.