مع بداية موسم الشتاء من كل عام تواجه مصر أزمات السيول والأمطار التي تسبب مشكلات عديدة على كل الأصعدة الاقتصادية والإدارية وتصبح هذه المشكلات شغل المسئولين الشاغل كل عام لبحث حلول لتلك المشكلات وينتهى الأمر دون وجود حل جذري.
وتستعد الحكومة خلال الفترة الحالية لتدارك تلك المشكلة حيث وجه الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى، خلال الفترة الأخيرة برفع حالة الاستنفار فى جميع أجهزة الوزارة استعدادًا لموسم الأمطار والسيول.
414 عدد المخرات بالصحراء الشرقية
أكد الدكتور هانى سويلم، أن أعمال الحماية من أخطار السيول التى أنشأتها الوزارة فى محافظة البحر الأحمر، نجحت فى حماية مدينة الشلاتين من الآثار التدميرية للسيول، التى تعرضت لها المدينة مطلع الأسبوع الحالي.
وأوضح تقرير تلقاه وزير الري، أن أعمال الحماية المتمثلة فى بحيرتين صناعيتين وحاجزين ترابيين تمكنا من حماية المدينة من خطر السيول، وتمكنت من حصاد نحو ٦.٥٠ مليون متر مكعب من المياه فى البحيرة (ب ١) بوادى حوضين.
وأشار سويلم إلى زيادة شدة وتواتر الظواهر المناخية المتطرفة، مثل السيول الومضية والأمطار الغزيرة التى تتساقط فى مختلف محافظات الجمهورية، كإحدى النتائج السلبية للتغيرات المناخية.
وأضاف أنه لمواجهة هذه الظواهر المتطرفة، فقد جرى تنفيذ العديد من أعمال الحماية من أخطار السيول فى مصر، حيث تم إنشاء ١٥٠٠ منشأ لحماية المواطنين والمنشآت، تعكس اهتمام الدولة المصرية بهذا الملف المهم فى ظل ما تواجهه مصر والعالم من تغيرات مناخية تؤثر سلبًا على قطاع المياه. وأوضح اتخاذ إجراءات بعيدة مدى لمواجهة الظواهر المتطرفة للتغيرات المناخية تتمثل فى تنفيذ منشآت للحماية من أخطار السيول، فضلا عن إجراءات موسمية تتمثل فى المرور الدورى على مخرات السيول، والتعامل الفورى مع أى تعديات على مجارى هذه المخرات وإزالتها؛ للحفاظ على شبكة تصريف مياه السيول بدون وجود أى عوائق أو أعمال ردم؛ لخطورة وجود مثل هذه العوائق فى تجمع مياه السيول.
وتؤدى التعديات على مخرات السيول إلى ارتفاع منسوب المياه بالمخر، وغرق الأراضى المحيطة به، وما يمثله ذلك من خطورة داهمة على المواطنين والمنشآت.
وقال وزير الرى، إنه لدى الوزارة مركز للتنبؤ بالأمطار؛ يستطيع رصد كميات ومواقع هطول الأمطار قبل حدوثها بثلاثة أيام، وتوفر هذه البيانات بشكل فورى عبر جروب واتساب يشارك فيه جميع الوزارات والجهات المعنية والمحافظات؛ ليتسنى لجميع الجهات اتخاذ الإجراءات الاستباقية اللازمة للتعامل مع الأمطار الغزيرة والسيول.
ووفقا لهذه البيانات تتخذ الوزارة إجراءات بتخفيض مناسيب المياه فى الترع والمصارف بالمناطق التى يشير التنبؤ لحدوث أمطار غزيرة بها، حتى تتمكن شبكة المجارى المائية من استيعاب كميات المياه الإضافية. كما تتابع الوزارة فى الوقت ذاته، جاهزية محطات الرفع ووحدات الطوارئ للتعامل مع أى ازدحامات مائية.
خطة عاجلة
وفى اجتماع مجلس الوزراء، قبل عدة أيام، عرض وزير التنمية المحلية، اللواء هشام آمنة، خطة الوزارة المرتبطة باستعدادات المحافظات لمواجهة الأمطار والسيول، مشيرا إلى أنه تم التنسيق مع الجهات المعنية ومختلف أجهزة الدولة بهذا الشأن، على أن تتم متابعة التنسيق مع الهيئة العامة للأرصاد الجوية، ومركز التنبؤ بفيضان النيل، وغيرها من الجهات المختصة. كما أوضح اللواء هشام آمنة أنه تمت مخاطبة المحافظات للاستعداد والجاهزية لمجابهة موسم الأمطار، من خلال إعداد خطط وسيناريوهات التعامل مع الأمطار المحتملة، وأعمال الحماية من السيول، والمرور على مراكز الإغاثة، وغيرها.
من جانبه كشف الدكتور محمود شاهين مدير إدارة التنبؤات والتحليل بهيئة الأرصاد الجوية، عن توقعاته لموسم السيول فى مصر الذى يحل فى فصل الشتاء من كل عام قائلًا: «حتى الآن الأوضاع مستقرة، حيث إن موسم الأمطار الغزيرة يبدأ فى النصف الثانى عادة من فصل الخريف فى مصر».
وأضاف «شاهين»، فى تصريحاته لـ «البوابة»، أنه خلال هذه الفترة نتمتع بدرجات الحرارة المعتدلة التى تواكب هذا التوقيت من كل عام، وكانت هناك فرصة خلال الساعات الماضية لسقوط أمطار خفيفة على سواحلنا الشمالية.
وتوقع مدير إدارة التنبؤات والتحليل بهيئة الأرصاد الجوية، أن تكون الأمطار والسيول مختلفة عن كل عام، قائلًا «لسه موسم السيول ما بدأش وده يخضع للمنخفضات الجوية المٌتشكلة فى البحار سواء المتوسط أو الأحمر وقتها وعن طريق إدارة التنبؤات نعرف حالة عدم الاستقرار المحتملة لقياس مدى تأثيرات تلك المنخفضات المُتشكلة فى الفترة المقبلة لكن حتى الآن الأجواء مستقرة.
وفى هذا السياق قال الدكتور أحمد عبدالعال رئيس الهيئة العامة للأرصاد الجوية السابق، وخبير الأرصاد الجوية، إننا لم نتعلم الدرس جيدًا حيث نمر بتلك الظروف فى كل عام فى هذا التوقيت دون وجود حل فى العام المقبل، خاصة أننا طالبنا مرارًا وتكرارًا من المسئولين عن ذلك الملف فى وزارة الرى بتعلم الدرس جيدًا ووجود حلول جيدة لعدم تكرار تلك الأزمة كل عام. وأضاف «عبدالعال»، فى تصريحات خاصة لـ «البوابة»، أن مياه السيول والأمطار تعد كنزا قوميا يجب استغلاله بالشكل الأمثل لتوفير تلك المياه فى الزراعة والصناعة وغيرهما من المجالات خاصة أن مصر تمر بفترة عصيبة من مشكلات المياه والتى أجبرتنا على زراعة مساحات معينة من المحاصيل الزراعية، لذلك يجب أن نعمل فى الفترة المقبلة على الاستفادة من مياه السيول وتخزينها. وتابع «عبدالعال»، مصر الدولة الوحيدة التى لم تستفد بالشكل المطلوب خاصة أننا فى السنوات الماضية أتت إلى مصر سيول لا حصر لها لم نخزنها أو نستفيد منها بل أتت علينا تلك السيول بالسلب، والسبب الرئيسى فى ذلك يرجع إلى عدم تجهيز مخرات السيول أو تنظيفها بالشكل المطلوب وعدم الاهتمام بها، موضحًا يجب أن تكون هناك مجموعة متخصصة من قبل وزارة الرى لتجهيز تلك المخرات وبناء مخرات أخرى خاصة فى المناطق الساحلية التى تنزل فيها السيول والأمطار بشكل مستمر.
بينما قال حمدى عرفة، خبير التنمية المحلية، إن هناك محافظات محددة تتأثر بشكل كبير مقارنة بباقى المحافظات مثل محافظة الإسكندرية وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر وبعض محافظات الصعيد والقاهرة إلى جانب المدن الساحلية، لذلك يجب أن تكون هناك خطة محكمة من قبل المحليات فى تلك المحافظات لتجنب الخسائر التى كانت تحدث فى الوقت الماضى.
وأضاف «عرفة»، فى تصريحاته لـ «البوابة»، أن السيول التى حدثت فى العام الماضى فى محافظات الجمهورية أدت إلى خسائر مادية كبيرة بين المنشآت والمنازل ومحطات الكهرباء وغيرها من المصالح الحكومية موضحًا أنه لا يمكن حصر تلك الخسائر خاصة أنها موزعة بين جميع المحافظات إلى جانب تشريد مئات الأشخاص وجرف عشرات السيارات، خاصة فى المدن الساحلية التى تقع جانب البحر.
وتابع «عرفة»، أن كميات الأمطار خلال العام الماضى تجاوزت أكثر من ٧٠٠ ألف كيلو متر مكعب من المياه مما سبب خسائر عديدة، موضحًا أنه لو تم استغلال تلك الأمطار بالشكل الصحيح من خلال مخرات السيول وبالوعات الصرف الصحى سوف تأتى علينا بكميات كبيرة من المياه من الممكن استخدامها فى العديد من المجالات سواء كان فى الزراعة أو الصناعة أو غيرها.
مخرات السيول فى الصحراء الشرقية
ويبلغ عدد الأودية «مخرات السيول» الرئيسية بالصحراء الشرقية وتصب فى البحر الأحمر ٤١٤ واديا، وبالصحراء الشرقية وتصب فى وادى النيل ١٥٦ واديا، وفى سيناء ١١٤ تصب فى البحر المتوسط وخليج العقبة أو خليج السويس، وبالساحل الشمالى وتصب فى البحر المتوسط ١٥٧ واديا.
١٦٠ سدًا لمواجهة خطر السيول والأمطار
وكانت قد أعلنت الحكومة سابقا أنه تم الانتهاء فى المرحلة الأولى من تنفيذ ٦٣٣ منشأة، بسعة تخزينية تصل إلى ٢٦٦.٣٤ مليون م٣ استعدادا لتخزين المياه.
وأوضحت أنه تم تنفيذ ١٦٠ سدا، و٣٠٧ بحيرات صناعية، و٣٩ جسر حماية، كما تم تنفيذ ٩٣ حاجزا وقناة صناعية وتأهيل وإنشاء مخرات سيول لـ ٣٤ مخرا استعدادا لمجابهة الأمطار والسيول.
وأشارت الحكومة إلى أنه جارٍ حاليا فى المرحلة الثانية تنفيذ عدد آخر من المنشآت تتمثل فى ١٣ سدا، و٤٨ بحيرة صناعية، و١١٨ جسر حماية، و٢٩ حوض تهدئة، ودراسة أعمال المرحلة الثالثة طبقا للأولويات فى خطة ٢٠٢١-٢٠٢٣، ضمن الجهود التى تبذلها وزارة الرى المصرية بالتنسيق مع الأجهزة والجهات المعنية استعدادا لمجابهة الأمطار والسيول.
وكانت وزارة الموارد المائية والرى، قد كشفت عن زيادة معدلات سقوط الأمطار بمنابع النيل، لافتة إلى أنه من المتوقع زيادة منسوب بحيرة السد العالى، بداية السنة المائية.
شبكات الأمطار
بينما قال الدكتور نادر نور الدين خبير الموارد المائية، يجب أن نعمل فى الفترة المقبلة على إنشاء السدود لحماية المنشآت باستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد موضحًا أن استخدام تلك التقنية لتحديد الأماكن المنخفضة سيعمل بشكل كبير على حماية المنشآت إلى جانب تخزين المياه والاستفادة منها فى العديد من المجالات، وتابع نور الدين أن أهم الأماكن التى من الممكن الاستفادة منها بكميات كبيرة من مياه الأمطار والسيول تكون فى سيناء لأنها حسب طبيعة المناخ فى ذلك المكان ومقارنة بالأعوام الماضية فإن هناك كميات كبيرة تنزل فى ذلك المكان دون الاستفادة منها بالشكل المطلوب، لذلك يجب أن تكون هناك لجنة متخصصة فى ذلك المجال لدراسته وبناء عدة سدود فى ذلك الأماكن.
وأضاف «نور الدين»، فى تصريحات خاصة لـ «البوابة»، أن عدد مخرات السيول على مستوى الجمهورية موزعة على جميع محافظات مصر، إلى جانب إنشاء خزانات أرضية تصل إلى ١٧٥خزانًا أرضيًا بسعة ١٠٠ متر مكعب بتكلفة تخطت ١٥ مليون جنيه تعمل على حصاد مياه الأمطار لزيادة الرقعة الزراعية وتوفير مياه الشرب. وطالب «نور الدين»، من المسئولين من وزارة الرى بأن يكون هناك اهتمام أكبر بالسدود والمخرات وشبكات الصرف الصحى لأن تلك الجهات هى المختصة فى تصريف مياه الأمطار والسيول، خاصة أن هناك العديد من مخرات السيول لم يتم تنظيفها منذ فترة طويلة موضحًا أن ذلك سبب رئيسى فى عدم تخزين كميات كبيرة من الأمطار.
وتابع «نور الدين» أن الشتاء الماضى وجدنا برك مياه عديدة فى شوارع القاهرة والمحافظات بسبب عدم تجهيز شبكة الصرف الصحية وتنظيفها بالشكل المطلوب لذلك لا بد من تنظيف شبكة الصرف الصحى والاستعداد لموسم الشتاء والأمطار بشكل جيد لاستيعاب الكميات الكبيرة من المياه المتوقع نزولها مع نهاية شهر أكتوبر.
وأضاف «نور الدين»، أن السبب الرئيسى فى تجمع كميات المياه الكبيرة فى الشوارع عند نزول الأمطار يرجع إلى عدم تنظيف البالوعات الخاصة بتصريف تلك المياه، وأوضح «نور الدين» أن شبكات الصرف الصحى فى مصر غير مؤهلة أو كافية لاستيعاب كميات الأمطار التى تشهدها البلاد كل عام، مؤكدًا لا بد من تطوير البنية التحتية فى مصر بشكل عام وتطويرها بما يتناسب مع الوضع الحالى خاصة أن تلك التصميمات سبب رئيسى فى الأزمات الحالية التى نواجهها.
حالة الطوارئ القصوى
ومع نهاية العام الماضى كانت أعلنت الحكومة حالة الطوارئ القصوى، لمواجهة موجة من الطقس السيئ وسوء الأحوال الجوية حيث قررت الحكومة وقتها إلغاء إجازات الأطقم الطبية وتعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات.
مما أدى إلى تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات بعدة محافظات مصرية منها القاهرة والإسكندرية والجيزة والقليوبية والدقهلية وكفر الشيخ والدقهلية ومطروح ودمياط، حرصا على الطلاب، فيما أكد الدكتور محمود شاهين، مدير مركز التحاليل والتنبؤات بهيئة الأرصاد الجوية، أن موجة الطقس السيئ مستمرة، لكنها أقل كثافة فى سقوط الأمطار وأقل حدة فى نفس الوقت مشيرا إلى أن موجة عدم الاستقرار فى الأحوال الجوية قد تنتهى.
وأغرقت مياه الأمطار والسيول شوارع محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة والدقهلية ودمياط ومطروح وبورسعيد وشمال سيناء، حيث أدت لشلل الحركة المرورية وإغلاق بعض الطرق الرئيسية.
وفى نفس السياق يقول الدكتور جمال صيام، خبير الاقتصاد الزراعى، إن وجود خطط وسيستم جديد من قبل الدولة للاستفادة من مياه السيول فى الزراعة المصرية خاصة أن هناك محاصيل زراعية عديدة تتأثر بشكل كبير بسبب قلة المياه مما اضطررنا لتقليل زراعة بعض المحاصيل مثل الأرز وغيره، وطالب صيام بوجود حلول واقعية وسريعة للاستفادة من ظاهرة السيول باعتبارها أحد مصادر المياه العذبة.
وأضاف صيام فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن الاهتمام بالمخرات وتركيب شبكات صرف لمياه الأمطار أهم خطة للاستفادة من مياه الأمطار.
وتابع صيام، الزراعة المصرية تحتاج لكل قطرة مياه تنزل من الأمطار لذلك فإن وجود سيستم جديد من قبل وزارة الرى والزراعة وباقى الهيئات الحكومة يجعلنا نستفيد بتلك المياه فى العديد من المجالات وليس مجال الزراعة، خاصة أن هناك كميات كبيرة من تلك الأمطار تذهب الى البحار دون الاستفادة منها.
وأوضح خبير الاقتصاد الزراعى، أن هناك لجنة تسمى بلجنة السيول والكوارث والتى من اختصاصها متابعة الأمطار والسيول وأماكن وتوقيت نزولها للاستفادة منها بالطرق الصحيحة، مؤكدًا أننا لو نظرنا إلى مخاطر السيول فى الفترة الماضية لوجدنا أنها قلت بصورة كبيرة مقارنة بالسنوات الماضية بفضل الجهود المبذولة فى تلك الملف. وأشار صيام، إلى ضرورة العمل خلال الفترة المقبلة على تحويل خطر السيول من شيء سلبى إلى شيء إيجابي خاصة أن كميات الأمطار التى تسقط على مصر تتخطى مليارى متر مكعب من مياه السيول تذهب دون الاستفادة منها بالشكل الصحيح، مؤكدًا أن الاستفادة من تلك الأمطار سيعمل على زيادة المحاصيل الزراعية وزيادة الإنتاج الذى يعمل بدروه على زيادة الصادرات الزراعية وتقليل الواردات.