ألقى الدكتور محمد مختار جمعة؛ وزير الأوقاف اليوم خطبة الجمعة بمسجد : "السلطان حسن" بالقاهرة، بعنوان: "عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين".
وفي خطبته أكد، أن القرآن الكريم قد عُني بقضية الزمن والوقت عناية خاصة، وحثنا ديننا الحنيف على اغتنام الأوقات في الطاعات، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ"، فعلينا أن نغتنم حياتنا قبل الموت، والصحة قبل السقم، والشباب قبل الشيخوخة، وهذه سنة الله سبحانه في الكون، حيث يقول سبحانه: "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ".
وتابع: يقول سبحانه: "وَمَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في ٱلْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ"، فعلينا أن نغتنم الفرصة قبل فوات الأوان، يقول سبحانه: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا" ويقول سبحانه: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"، ويقول سبحانه: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، فكل شيء عنده سبحانه بمقدار، ولكل أجل كتاب، لكن علينا أن نعلم أن عمرنا وحياتنا ما هي إلا سنوات وشهور وأيام وساعات ودقائق، يقول الشاعر:
دَقَّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فعلينا أن نغتنم هذه الدقائق، فما من يوم إلا وينادي مناد فيقول: يا بن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإن غابت شمسي لن تدركني إلى يوم القيامة، أروني أي يوم مضى ثم عاد، فما مضى لن يعود، وقد قيل لسيدنا نوح (عليه السلام): يا نوح كيف وجدت الدنيا، فقال كرجل بنى بيتًا جعل له بابين دخل من باب وخرج من باب، يقول الشاعر:
أَينَ القُرونُ الماضِيَه؟
تَرَكوا المَنازِلَ خالِيَه
لَم يَبقَ مِنهُم بَعدَهُم
إِلّا العِظامُ البالِيَه
أين الآباء والأجداد؟ وأين من مضى من العلماء والصالحين والصحابة والتابعين؟ ففي الزمان معتبر لمن يعتبر، فعش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، يقول سبحانه: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا"، فافعل اليوم ما يسرك أن تلقى الله به غدًا.
وهناك ما يعرف بأوقات الغفلة، وهذه الأوقات التي يغفل فيها الناس عن الطاعة تضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، وتمحى فيها السيئات، مؤكدًا أن الموفق من وفقه الله ليعمل حيث الناس غافلون، ومن الأوقات التي يجب أن نغتنمها، وقت الفجر ووقت العصر، وقد علمنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن نحرص على كل الصلوات، مع مزيد من الحرص على وقتي الفجر والعصر، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثمَّ يعرُجُ الَّذين باتوا فيكم فيسألُهم وهو أعلمُ بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يُصلُّون وأتيناهم وهم يُصلُّون"، نريد أن نستفيد من ذلك ونحن بين عامين، عام قد مضى نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منا فيه ما كان من عمل صالح، وأن يتجاوز عن التقصير، وعلينا أن نجتهد في ما بقى منه بمزيد من الطاعة، والتضرع إلى الله بالتوبة، وأن نحاسب أنفسنا فيه، فإن وجدنا من خير حمدنا الله، وما وجدنا من تقصير حاولنا أن نستدركه، فإذا لم تكن أخرجت زكاة مالك فأخرجها، وإن كان لأحد عندك مظلمة فرد إليه مظلمته، استقبل العام الجديد بمزيد من الطاعة، وأوصيكم ونفسي بركعتين في جوف الليل، حيث يقول سبحانه: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، اختموا العام بقيام الليل، وبقراءة القرآن، وبالصلاة والسلام على سيد الخلق، والصدقة وصلة الرحم، نسأل الله (عز وجل) أن يتجاوز عن تقصيرنا فيما مضى.
اللهم أهل عام ٢٠٢٣م على مصر وأهلها بكل خير، اللهم أصلح فيه القلوب والنفوس والأحوال، اللهم ما كان منا من عمل صالح فتقبله، وما كان من تقصير فتجاوز عنه، اللهم اجعل العام المقبل عام صحة وشفاء لكل مريض، وأمن لكل خائف، وعام رحمة لنا جميعًا، اللهم اشف فيه كل مريض، ويسر فيه كل عسير، ولا تجعل منا فيه شقيًّا ولا محرومًا، اللهم اجعله عام خير وبركة وأمن ويسر وسعة على مصر وأهلها وسائر بلاد العالمين.