لم تعد آلام التضخم قاصرة على فقراء العالم الثالث، بل إن شعوب الأرض بأثرها بات تعاني ويلات ارتفاع الأسعار جراء جائحة فيروس كورونا التي قلصت اقتصاديات جميع الدول، والحرب الروسية في أوكرانيا التي جاءت لتكمل ما بدأته الجائحة، ويصير الحصول على ضروريات الحياة كالحبوب والطاقة أمرًا باهظ الثمن.
كانت التهديدات الاقتصادية بالغة القوة، إذا لم تسرع الحكومات والبنوك في دعم الشركات والمصانع التي تكبدت خسائر فجة خلال إجراءات الإغلاق والقيود التي فرضتها الدول على منافذها التجارية خشية تفشي الوباء، وما إن بدأت العجلة تدور مرة أخرى حتى تلقت الاقتصاديات الهشة ضربة أخرى موجعة إذ اندلعت شرارة الحرب في أوكرانيا.
التضخم ضربية الفقراء
يُعرف التضخم بأنه "ضريبة على الفقراء" لأنه يؤثر على ذوي الدخل المنخفض، وقد أدى تضخم في خانة العشرات إلى زيادة التفاوت وعدم المساواة في أنحاء العالم. ففي حين يمكن للمستهلكين الأكثر ثراء الاعتماد على المدخرات التي تراكمت خلال عمليات الإغلاق إبان الجائحة، يجد آخرون صعوبة في تغطية نفقاتهم ويعتمد عدد متزايد على بنوك الطعام، وفقا لما نشرته وكالة رويترز الأمريكية.
ومع حلول الشتاء في نصف الكرة الشمالي، يزداد الضغط على تكاليف المعيشة مع ارتفاع فواتير الوقود. ونظم العمال إضرابات في قطاعات من الرعاية الصحية إلى الطيران للمطالبة بأن تواكب الأجور التضخم. وفي معظم الحالات، اضطروا للقبول بأقل مما يطلبون.
وتهيمن مخاوف تكاليف المعيشة على سياسات الدول الغنية، وفي بعض الحالات يُغض الطرف عن أولويات أخرى مثل إجراءات مكافحة تغير المناخ.
وفي حين أن الانخفاض الذي تشهده أسعار البنزين في الآونة الأخيرة قد خفف بعض الضغط، فإن التضخم لا يزال محور تركيز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. ويوسع نظيراه الفرنسي إيمانويل ماكرون والألماني أولاف شولتس ميزانيتهما لتوجيه مليارات اليورو إلى برامج الدعم.
ولكن إذا كانت الأمور صعبة في الاقتصادات الصناعية، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يزيد من حدة الفقر والمعاناة في البلدان الفقيرة، من هايتي إلى السودان ولبنان إلى سريلانكا.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 70 مليونا آخرين في جميع أنحاء العالم باتوا على شفا المجاعة منذ بداية حرب أوكرانيا فيما يسميه "تسونامي الجوع".
برنامج الأغذية العالمي يحذر من حدوث مجاعة في جنوب الصومال
أستاذ علوم بيئة: تغير المناخ تسبب في مجاعة بالسودان
التايمز: محنة مزارعي القمح في أوكرانيا تنذر بمجاعة عالمية
الخارجية البريطانية: العالم سيواجه مجاعة كبيرة إذا استمرت أزمة الحبوب
كاتبة أمريكية: أزمة الغذاء العالمية تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة
ماذا يعني ذلك في 2023 ؟
شرعت البنوك المركزية في أنحاء العالم في رفع أسعار الفائدة رفعا حادا لتهدئة الطلب وترويض التضخم. وبحلول نهاية 2023، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض التضخم العالمي إلى 4.7 في المئة، فيما يقل قليلًا عن نصف مستواه الحالي.
والهدف من ذلك هو "هبوط ناعم" في دورة الأعمال تتراجع فيه الأسعار دون انهيار سوق الإسكان أو إفلاس شركات أو ارتفاع معدلات البطالة. لكن مثل هذا السيناريو الأفضل أثبت أنه بعيد المنال في المواجهات السابقة مع ارتفاع معدلات التضخم.
ومن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول إلى كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، هناك حديث متزايد عن أن دواء رفع أسعار الفائدة قد يكون مر المذاق.
وعلاوة على ذلك، فإن المخاطر المحيطة بأمور يكتنفها قدر كبير من عدم اليقين، مثل حرب أوكرانيا والتوتر بين الصين والغرب، تميل لأن تجعل الأوضاع تسير في الاتجاه النزولي.
وللتدليل على ذلك، كانت التوقعات الدورية لصندوق النقد الدولي في أكتوبر تشرين الأول من أكثرها قتامة منذ سنوات، وقال الصندوق فيها "باختصار، الأسوأ لم يأت بعد، وفي 2023 سيشعر كثيرون بالركود".
وتوقع عدد من الخبراء أن يتقلص اقتصاد منطقة اليورو العام المقبل حيث يؤدي ارتفاع التضخم ونقص الطاقة المحتمل إلى انخفاض الإنتاج ما ينعكس سلبيا على سوق العمل، وفقا لاستطلاع أجرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
وذكر ما يقرب من 90% من الاقتصاديين الـ 37 الذين شملهم الاستطلاع الذي أجرته فاينانشيال تايمز إنهم يعتقدون أن منطقة اليورو في حالة ركود بالفعل وأن الغالبية تتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي طوال العام المقبل.