بدأت أعياد الكريسماس في سوريا منذ منتصف ديسمبر الجاري حيث تم إضاءة شجرة عيد الميلاد وسط العاصمة السورية دمشق هذا العام وفي أحياء مختلفة فى دمشق وهى تحاول إضفاء بعض البهجة خلال استقدام العام الجديد، واكتفى الاحتفال بالتقاط عدد قليل من السكان الصور التذكارية بجانب شجرة عيد الميلاد بعد إضاءتها، والوقوف بجانب متقمصي شخصية بابا نويل.
المسيحيون في سوريا
شكل المسيحية في سوريا ثاني أكثر الديانات انتشارًا بين السكان بعد الإسلام، وتتراوح نسبة المسيحيين فيها بين 8% إلى 10% من إجمالي عدد السكّان، وتشير أغلب الإحصائيات إلى أن حوالي نصفهم من الروم الأرثوذكس، في حين تُشكّل سائر الطوائف النصف الآخر. كانت نسبة المسيحيين في سوريا أواخر العصر العثماني تقارب 25% من مجموع السكان، غير أنها انخفضت إلى حوالي العشر بعد ذلك، ويعود سبب انخفاضها بشكل رئيسي، إلى الهجرة المسيحية، التي تزايدت منذ تلك المرحلة وكانت نسبتها مرتفعة لدى المسيحيين أكثر من سائر الطوائف.
لسوريا أهمية كبيرة في تاريخ المسيحية، فمدينة دمشق هي مقر عدد من الكنائس والبطريركيات المسيحية أبرزها بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وبطريركية السريان الأرثوذكس وبطريركية الملكيين الكاثوليك وغيرهم، وقامت بها الكثير من كنائس الشرق من شرقها إلى غربها. تعتبر مدينة حلب ثالث مدينة في الشرق الأوسط بعد القاهرة وبيروت من حيث عدد المسيحيين، إلى جانب انتشار عدد كبير من الأماكن المقدسة المسيحية فيها والمهمة في تاريخ المسيحية. تذكر الأناجيل أن يسوع قد قام بزيارة مناطق في الجنوب السوري ومن المعلوم أنه في قيصرية فيلبس والتي تدعى اليوم بانياس الشام قد أعلن أن بطرس سيكون رأس الرسل،[متى 1/16] بل إن القديس بطرس نفسه من مواطني بيت صيدا التي تقع شرقي بحيرة طبرية، وفي بيت صيدا نفسها اجترح يسوع واحدة من أبرز معجزاته وهي السير على الماء بحسب المعتقدات المسيحيَّة.
نصف المسيحيين فروا من الاضطهاد
انتشرت المسيحية سريعًا في بعض مناطق البلاد وشهدت استقرار عدد من الرسل السبعين الذين عينهم يسوع شخصيًا كأساقفة لبعض مدنها، وكانت دمشق قاعدة انطلاق بولس الطرسوسي في رحلاته التبشيرية وهو واحد من رسل المسيحية وكذلك لا تزال آثار كنيسة حنانيا الأقدم ماثلة لحقبة هامة من التاريخ المسيحي، وتعتبر كنيسة أم الزنار في حمص من أقدم كنائس العالم وترقى لفترة مبكرة من القرن الأول، وكنائس وأديرة كثيرة منتشرة على امتداد الأرض السورية أما أنطاكية فقد لعبت النصيب البارز في حياة المسيحيين الأولى، وقد خرج من سوريا عدد كبير من القديسين إلى جانب كون عدد كبير من آباء الكنيسة. كذلك هناك العديد من المقدسات المسيحية المهمة مثل صيدنايا ومعلولا وصدد ودير سمعان وسرجيلا وعشرات القرى التاريخية المسيحية التي كانت مراكز القديسين في عصر المسيحية الأولى.
ذكر خبير ألماني في الشئون الدينية أن الطوائف المسيحية في سوريا تتعرض للتدمير على نحو شامل ومستمر منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك، موضحا أن المسيحيين لديهم مخاوف من الاضطرار إلى العيش مع متطرفين قاموا بمطاردتهم سابقا
قال منسق حوار الأديان الدولي في مؤسسة «كونراد أديناور» الألمانية، أوتمار أورينغ، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن التقديرات تشير إلى أن هناك أكثر من 700 ألف مسيحي في سوريا من إجمالي نحو 1.2مليون مسيحي فروا من البلاد، وأضاف: «هؤلاء خسرتهم سوريا، فهم لن يعودوا إليها».
وبحسب بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، هناك حاليا أكثر من 12 مليون نازح سوري، فر نحو نصفهم خارج البلاد.
وذكر أورينغ أن العقبة الكبرى أمام عودة النازحين السوريين إلى بلادهملا تزال غياب الأمن، وقال: «من يرغب في العودة يريد أن يتمكن من إعادة إعمار ما تم تدميره، حتى يمكنه أن يعيش هناك... لكن لا يزال هذا أمر غير ممكن في كثير من الأماكن».
وأشار أورينغ إلى أن المسيحيين لديهم مخاوف من الاضطرار إلى العيش في المناطق التي سيطر عليها الإرهابيين سابقا وآخرين قاموا بمطاردتهم منها في السابق. وبحسب أورينغ، ينظر قطاع كبير من المسيحيين في المقابل للعيش في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية على نحو إيجابي، لكن لا يزال هناك دمار كبير ومخاوف من التعرض لعنف جديد، موضحا أن المسيحيين بإمكانهم تحت سيادة الأسد ممارسة أعمالهم «بدون عوائق»، «شريطة الوفاء التام والامتناع الكامل عن الممارسة السياسية»، وقال: «هذا أمر يصعب علينا فهمه، لأن الأمر يتعلق بنظام قاتل، لكن المسيحيين لديهم معه تجارب جيدة».
وتمكنت قوات الرئيس السوري بشار الأسد والقوات المناصرة له من فرض سيطرتها على المزيد من المناطق خلال هذا العام، ليسيطروا بذلك على نحو ثلثي مساحة البلاد.
وينظر أورينغ بانتقاد لمساعدات إعادة إعمار محتملة من الغرب لحكومة الأسد، حيث قال: «معارضة ذلك تأتي من الرغبة في عدم دعم نظام مثل هذا، حتى بطريق غير مباشر»، مضيفا أنه حتى السوريين الفارين لن يعودوا إلى بلادهم حال تم تقديم مثل هذه المساعدات، وقال: «لا يوجد أمل حيثما لا يوجد أمن».
تجدر الإشارة إلى أن أورينغ عمل على مدار 30 عاما تقريبا لصالح منظمة «ميسيو» الكاثوليكية التبشيرية الدولية، وشغل خلال ذلك منصب مدير الوحدة المختصة بشئون أفريقيا والشرق الأوسط. وبعد ذلك ترأس مكتب مؤسسة «كونراد أديناور» في الأردن. ومنذ عام 2016، يشغل أورينغ منصب منسق للحوار الديني الدولي في المؤسسة.