تسعى بعض القوى العالمية، في إطار مواجهة الإرهاب العالمي، لإفساح المجال أمام تنظيمات إرهابية محلية لتتمكن من الانفراد بالسلطة في بلدانها، أو الاستحواذ على بعض المناطق والأقاليم، في سبيل حماية الغرب من الإرهاب العالمي، وعن هذه الظاهرة يأتي كتاب "جحيم الإرهاب المحلي: التكفيريون يحكمون -القاعدة وطالبان- بعد سقوط الإخوان" للكاتب هشام النجار، الباحث في شئون الجماعات الإرهابية والمتطرفة، الذي يصدر قريبًا، ويشارك ضمن الإصدارات الحديثة لمنصة "كتبنا" في الدورة المقبلة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.
وعن موضوع الكتاب، يقول "النجار" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز": الكتاب عبارة عن استقصاء مكثف مصحوب بتحليل ونقاش معمق حول الظاهرة الصاعدة مع بدايات العقد الجديد والتي أطلقت عليها "الجهادية المحلية" أما الوصف الفعلي الذي ينطبق عليها فهو "الإرهاب المحلي" والمتعلقة بتمكين بعض أفرع تنظيم القاعدة من السلطة ببعض المناطق في الشرق الأوسط وأفريقيا فضلا عن تمكين الحليف الجديد القديم للقاعدة وهي حركة طالبان من حكم أفغانستان والتي تعد بمثابة دولة مركز لحكم القاعدة، حيث يحاول التنظيم الإرهابي استغلال سقوط وفشل تجربة حكم جماعة الإخوان وأيضا تراجع خلافة داعش المزعومة لتكريس تجربة حكم وسط بين التجربتين، مستفيدا من حاجة بعض القوى الدولية والإقليمية لتصعيد حالة إسلاموية طامعة في السلطة، رغم عدم استحقاقها وعجزها عن إدارة الدول مقابل أن تقوم أفرع القاعدة بدور الشرطي الذي يساعد تلك القوى في كبح الإرهاب العالمي العابر للحدود المتمثل حاليا في داعش وبعض أجنحة القاعدة التي لا تزال تعتنق فكر بن لادن وتتبنى الإرهاب العالمي العابر للحدود.
وأضاف "النجار": لذا تحرص أفرع القاعدة تلك على إظهار المحلية واهتمامها بالأوضاع الداخلية وتكريس تجربة حكم محلي، وهناك من القوى الدولية من تغض الطرف عن هذه الحالة وتسمح لها بالاستمرار في حين تركز فقط على الإرهاب العالمي الذي يستهدف الغرب والولايات المتحدة الامريكية، ولذا فنحن بصدد الإمعان في الاضرار بدول غالبيتها مسلمة خاصة تلك التي تشهد صراعات عبر تسهيل انفراد جماعات متطرفة بحكمها أو على الأقل مناطق من دولها مكرسة تجربة حكم اكراهي شمولي فاسد تحت زعم الحكم باسم الرب وتطبيق الشريعة في سبيل حماية الغرب من استهداف الإرهاب العالمي، وكأنه قد كتب على بعض البلدان الإسلامية العيش تحت نير حكم الإرهاب والتطرف وهي التجربة التي أثبتت فشل أصحابها وعجزهم عن الإدارة والحكم فضلا عن فسادهم المالي والاداري، لينعم الآخرون بأمان وهمي وليس حقيقي.
وأوضح الباحث في شئون الجماعات، أن أفرع القاعدة التي تزعم المحلية في أفريقيا وشمال سوريا وغيرها تكرس لولايات حكم متعددة لن تستغرق طويلا حتى تقوى وتتعاون وتتحول مرحليا لخطر عالمي يهدد العالم كله، كما ثبت من تجربة طالبان في الحكم، ما حذرنا منه في السابق، وهو أن تجربة الحكم المحلي لأي حركة جهادية مسلحة تصل إلى الحكم بالقوة وتسعى للانفراد به للأبد تنطوي على خطر معولم عابر للحدود وقد رأينا كيف أن الجناح الذي يتبنى تدشين تجربة محلية وطنية داخل حدود أفغانستان هو الجناح الأضعف فاقد النفوذ داخل الحركة بينما الجناح الأقوى هو جناح "شبكة حقاني" الذي يسيطر على الجزء الأكبر من الثروة والسلاح ويهيمن على مفاصل الحكم وعلى المؤسسات المهمة مثل الاستخبارات والأمن وشؤون الهجرة والجوازات، وهذه الشبكة هي الحاكم الفعلي لأفغانستان وهي حليف للقاعدة وزعيمها سراج الدين حقاني أحد قادة تنظيم القاعدة الدولي وهناك تعاون بينها وبين القاعدة بل هناك تقارير دولية تلمح لعلاقات تربطها بداعش.
حذَّر "النجار" من التهاون مع مثل هذه الأفكار، لأن ظن بعض القوى التي تساهلت مع هذه الظاهرة الجديدة وهي الجهادية المحلية مجرد وهم، وكما أخطأ الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في السابق خطأ فادحا في إيصال جماعة الإخوان للسلطة بالمنطقة العربية بعد ما عُرف بثورات الربيع العربي ظنا منها أن جماعة الإخوان الإرهابية هي تمثل تيار الاعتدال وأنها هي من ستكبح الإرهاب العابر للحدود وأن تصعيدها للسلطة والتعاون معها سيحمي الغرب من الإرهاب، ها هي تكرر الخطأ بالتهاون وغض الطرف والسماح بتمكين جماعات مثل طالبان وفرع للقاعدة ظنا أنها هي من ستكبح داعش والإرهاب العالمي.
مستكملا: الكتاب يناقش ويرصد ويحلل هذه الظاهرة من كافة جوانبها من خلال ثلاثة فصول مركزة، الأول تحليل سياسي مكثف حول العوامل التي ساعدت ظاهرة الجهادية المحلية في البروز لدرجة السيطرة على بلد بأكملها مثل افغانستان التي يعتبرها القاعدة مركزا ومعقلا تاريخيا وتقليديا لنشاطه ونفوذه فضلا عن سيطرة فرع من أفرع القاعدة على أجزاء واسعة من الشمال السوري..الخ ومن تلك العوامل على سبيل المثال الصراع الجاري بين الولايات المتحدة وإيران باعتبار الأخيرة متهمة بدعم القاعدة المركزي وقادته الذين يتبنون فكر بن لادن واستهداف الغرب وامريكا من منطلق مقولة عدو عدوي صديقي، ولهذا لجأت بعض القوى الغربية لغض الطرف عن التوجه المحلي المخادع لبعض أجنحة القاعدة الطامعة في السلطة في أفغانستان وغيرها كمسار معاكس يخفف من غلواء وتهديدات الجناح بالقاعدة الذي تجمعه بطهران مصالح مشتركة، إلى آخر تلك العوامل والمتغيرات الإقليمية والدولية التي استغلتها أفرع تنظيم القاعدة الإرهابي وحركة طالبان المتطرفة في تكريس هيمنتها وأحكام قبضتها على بعض البلدان والمناطق.
أما الفصل الثاني، بحسب تصريح "النجار"، فهو يناقش ظاهرة صعود طالبان منذ أغسطس العام الماضي وكيف هذا الصعود وما هي تداعياته ومآلاته ومدى خطورته من جهة فتح الباب أمام تجارب مثيلة في مناطق وبلدان أخرى واقرب نموذج على ذلك تطلع النسخة الباكستانية من الحركة تحريك طالبان أو طالبان باكستان لاستنساخ ما فعلته طالبان في أفغانستان ولذلك لاحظنا تضاعف عمليات الحركة ضد الجيش والأمن الباكستاني منذ هيمنة طالبان أفغانستان على السلطة فضلا عن إلغاء الهدنة بين الجيش الباكستاني والحركة مؤخرا، والطمع في استنساخ تجربة طالبان ظاهر في العديد من الساحات حول العالم، هذا علاوة على تقوية نفوذ وحضور القاعدة وهو التنظيم الذي يعتبر نفسه شريكا في نصر طالبان ويحرص على جني ثمار وصولها وهيمنتها على السلطة ونيل ما يمكنه من مكاسب سواء داخل افغانستان أو في المحيط الآسيوي أو عبر تدشينه وسعيه لتدشين تجارب حكم محلية في أفريقيا وفي مناطق أخرى حول العالم.
مختتما: خصصت الفصل الثالث لمناقشة تحولات القاعدة من تنظيم إرهابي عابر للحدود إلى أفرع وأجنحة براغماتية تتبنى نفس الافكار المتطرفة والتكفيرية لكنها تطمع في الاستفادة من المتغيرات والمستجدات الدولية والإقليمية منذ انطلاق ثورات ما عرف بالربيع العربي إلى اليوم للانتقال من التيه والملاجئ والهرب والعيش في الصحراء والمخابئ وميادين القتال والصراعات الساخنة المسلحة إلى التنعم بالسلطة والهيمنة على الحكم في العديد من المناطق مستفيدا أولا من غض الطرف الغربي ومن تمكين طالبان من السلطة والتي يعتبرها القاعدة دولة مركز وعمود الإمبراطورية السنية الجديدة على غرار حكم ميليشيات الإسلام السياسي الشيعي كحزب الله اللبناني سائرا في فلك الإمبراطورية الشيعية التي تمثل إيران لها دولة مركز.