الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الكاتبة أمينة النقاش فى حوار لـ"البوابة نيوز": صلاح عيسى كان يرغب أن يؤرخ للحركتين الشيوعية المصرية والإسلامية.. وتزوجته فى مظاهرة.. وعشنا معًا ظروفًا قاسية

حكاء السياسة والصحافة صلاح عيسى.. حياة «لها العجب»!

الكاتب والمؤرخ الكبير
الكاتب والمؤرخ الكبير صلاح عيسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نموذج للسيدة المصرية الوطنية الأصيلة، لها جولات فى مجال الفكر والأدب والثقافة، وتُعد أحد  الأقلام الصحافية المبدعة، زوجة لعملاق كبير من عمالقة الصحافة المصرية الكاتب اليسارى والمؤرخ الراحل صلاح عيسى، ساندته وآمنت بموهبته وأفكاره، واختارت أن تستكمل معه مشوار حياتها، حتى أراد الله أن يسترد أمانته، فصبرت وتحملت مرار الفقد، واختارت ألا تستسلم، حتى لملمت أفكاره وكتاباته المتبقية لتُطلقها للضوء بعد رحيله، وسط إقبال كبير من محبيه وقرائه.. إنها الكاتبة الصحفية الكبيرة أمينة النقاش رئيس مجلس إدارة جريدة الأهالى وأحد مؤسسى حزب التجمع، التقتها “البوابة نيوز” وكان هذا الحوار:

■ أمينة النقاش وصلاح عيسى كان ثنائياً ناجحاً جداً.. نريد أن نعرف أكثر عن قصة حبكما وزواجكما؟

صلاح كان رئيسى فى العمل بجريدة الجمهورية، وتعرفت عليه فى بيت أخى رجاء النقاش، وكان خارجًا من السجن فى وقتها، وبعد ذلك أثناء مظاهرات الخبز الذى أسماها الرئيس السادات وقتها "مظاهرات الحرامية" التقينا على كوبرى الجامعة، وهو أنقذنى من أمين الشرطة، وأخذنى إلى القهوة لنجلس عليها، ومن هنا صرح لى بحبه وعرض علىّ الزواج.

■ ماذا تفعل أمينة النقاش عندما تشتاق لشريك حياتها الكاتب الراحل صلاح عيسى؟

-عشت مع صلاح ٤٠ عاماً، معظم إنتاجه الفنى، والثقافى، والتاريخى، تم فى هذه الفترة، وهناك مكتبة كبيرة ومهمة فى المنزل بداخلها أعمال كثيرة له، ولكن الفقد شىء مرير جدا، ويتطلب من الإنسان الذى يتعرض له أن يبذل مجهودا قويا جدا حتى يستطيع أن يتخطاه، وأن يتصالح مع الفقد، وأنا أقاوم أن أسقط فى الاكتئاب بالعمل وأن أرى زملاء صلاح فى العمل، وأرى محبيه وقراءه، والتقى بزملائه فى الحزب، والجريدة، وأعيش فى الأجواء التى بناها صلاح عيسى.

الكاتبة الكبيرة امينة النقاش وصحفية البوابة 

■ أمينة النقاش من عائلة مثقفة وتنويرية عريقة.. هل لعبت العائلة دورا فى اختيارشريك حياتك؟

- طبعا كان لدى نفس أفكار صلاح عيسى، وأنا كنت أدرس أدب المسرح سنة ٦٨، وكان لدى علاقات كثيرة بمنظمات يسارية، ولكن عندما تقدم صلاح للزواج بى اعترض عليه أخى رجاء النقاش، لأنه كان بمثابة والدى، لأن صلاح كان مفصولاً من عمله ومطلوب القبض عليه فى هذا الوقت، وبالإضافة إلى أنه شيوعى، فقال لى أخى حياته صعبة جدا لكنه إنسان كويس جدا، لكنى أخشى عليكى من هذه المصاعب، ولكننى أصريت على الزواج منه، لجانب أخلاقى، لأنى شعرت أنه ليس من اللا أخلاق أن أتركه وهو فى مثل هذه الظروف الصعبة، وتزوجنا دون أن أرتدى فستانا أبيض، ودون فرح.

 

■ صلاح عيسى كان يكتب كثيرًا عن التاريخ.. ما سبب عشقه لهذا النوع من الكتابة؟

-بدأ صلاح كتابة الرواية والقصة، وكتب مجموعة قصصية نشرت تحت عنوان بيان مشترك ضد الزمن، وكانت  مجموعة من القصص، نشرها تباعا فى مجلة الآداب البيروتية فى الستينيات، وكتب رواية اسمها مجموعة وثائق وشهادات من تاريخ زماننا، وفى السجن قطعوا له رواية لأن داخل السجن ممنوع الكتابة، وقرر أن يتوقف عن كتابة الرواية والقصة بعد هزيمة يونيو ٦٧، وارتمى فى كتب التاريخ يبحث فى بطولات الشعب المصرى، عن أبطاله وعن نجاحاته، وكيف كان يسقط ويقف طوال التاريخ؟، وكان يبحث عن سند نفسى أساسي، وكان يلجأ للعلم والتاريخ لكى يجعل هذا السند راسخًا، ومن هنا أحب التاريخ، كتب أكثر من مرة قال إنه لما قرأت كتاب فاروق ملكا لأحمد بهاء الدين بطريقة بها أدب وبها إبداع، ليس فقط مجرد سرد تاريخ، أحببت التاريخ، بالإضافه إلى أن صلاح عيسى ينتمى لجيل الستينيات، وهذا الجيل لم يكتب قصته بعد برغم أنه الجيل الذى قدم لمصر ومارس الإبداع الفنى والنقدى والأدبى والمسرحى والشعرى، وما زلنا حتى هذه اللحظة نعيش على هذه الآثار التى تركها هذا الجيل، الذى يُعد محظوظًا جدًا، لأنه عاش انتصارات كبرى، كما عاش هزائم مريرة وعدم الكتابة عنه نوع من التقصيرممن يرصدون هذه الظواهر، فكل من هذا الجيل كتب بطريقته، الأبنودى كتب حكاياته، وسيد حجاب كتب فى الشعر، ويحيى الطاهر عبدالله كتب القصة، نحتاج إلى دراسة تجمع هذا الجيل وتدرس الظروف الاجتماعية والسياسية، والثقافية التى نشأ بها، ونستخرج نتائج حول أهميته.

الكاتبة الكبيرة امينة النقاش وصحفية البوابة 

 

■ للكاتب الراحل كتابات عديدة وقراء كثيرون.. ولكن ماذا كان يحب أن يقرأ؟

- كان لديه طريقة فى الكتابة مميزة جداً، كان يكتب كتابين فى وقت واحد، يفتح كتابا حتى يبحث ويعثر على معلومة تدعم بحثه فى الكتاب الآخر، كما كان قارئا نهما جدا يقرأ أكثر مما يكتب كان يشترى جميع الجرائد المصرية، لأنه دائما شغوف بالصحافة وكيفية إخراج وتنفيذ الجريدة، ومن هم كُتابها، وماذا يكتبون، كما كان مصممًا بارعًا وكان لديه حس فنى، كان يصمم أغلفة كتبه بنفسه، وكان يقرأ فى كل شىء، أدب، وتاريخ، وفلسفة، وهناك اثنان من الأدباء أطل منهما على عالمه الفكرى والثقافى هما: طه حسين ونجيب محفوظ، قرأ الأيام بأجزائها لطه حسين، وكتب عنهم بعد ذلك، وطه حسين كان يصدر  مجلة مهمة جدا فى تاريخ الثقافة المصرية اسمها الكاتب المصري.

 هذه المجلة كان يشتريها صلاح من على أسوار الكتب وكان يكتب بها العقاد، وطه حسين، والمازنى، كان يتعلم منهم، وطبعا كتاب مستقبل الثقافة فى مصر الذى صدر عام ١٩٣٨، وقدم رؤية بها عقلانية وبها عدل، ومساواة، بها تصدٍ لتسلط استبدادى ونظرة أرستقراطية، لتعليم وثقافة جموع المصريين الذين كانوا فى الخطاب الرسمى لأحزاب الأقلية يطلقون عليهم اسم "رعاع"،  وجعل التعليم والعلم والثقافة كالماء والهواء، وفى ظل هذا المناخ، انطلقت مجانية التعليم.

والكاتب الثانى وهو نجيب محفوظ لا تستطيعين معرفة تاريخ مصر الثقافى، والسياسى، والاجتماعى دون أن تقرأى كتبه، الثلاثية مثلا مكتوبة فى فترة منتصف الحرب العالمية الأولى لأواخر الحرب العالمية الثانية وهذه فترة الملكية كلها، وبين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية تتحدث عن العصر الجمهورى بأكمله، بالإضافة إلى أنه شخصية فذة ومتواضع ومتسامح وعنده رؤية وعقل منفتح على كل الثقافات وكل الناس، إلى جانب أدب يوسف إدريس.

 

■ رغم كل هذا النجاح لم يحظ بأى تكريم طوال مشواره.. هل ظُلم صلاح عيسى؟

- أنا رأيى الشخصى نعم، لأنه قدم طريقة فى الكتابه الساخرة غير مسبوقة فى هذا الجيل، وقدم أيضا كتابة فى التاريخ مهمة جدا لعلها لا تتكرر، وهكذا، لكن هو كان له رأى آخر، فهو يرى أن تكريمه الحقيقى يراه فى محبة القارئ وإقباله على ما يكتب وتأثر الآخرين بكتاباته، وأنا مع الوقت أصبحت أقتنع بوجهة نظره وأصبحت أرى الأشياء بعينه.

الكاتبة الكبيرة امينة النقاش وصحفية البوابة 

 

■ هناك كتب صدرت بعد رحيله .. ما الجديد الذى يقدمه فى هذه الإصدارات؟

كتب قصة خُط الصعيد، أنا جمعت كل كتاباته من الصحف، وباقى نظرته للتاريخ المصرى بطريقة علم الاجتماع والنفس والفلسفة ونشرت روايته ومجموعة قصصة، جمعتها من المنزل، وباقى كتبه استكمالًا لمشواره للتاريخ السياسى والاجتماعى لمصر.

■ قبل وفاته.. ما الذى كان ينوى كتابته؟

كان لديه نزوع أن يؤرخ للحركة الشيوعية المصرية، كان يرغب أن يكتب من وجهة نظر يسارى ماركسى رؤيته للحركات الإسلامية، لأنه كان معارضا بشده لنهج الجماعات الإسلامية فهو كان ضد العنف أيا كان شكله، كان يرى أن السياسة هى تفاوض، وطرح بدائل، دون حمل سلاح، وأنا حاليا أجمع دراساته التى نشرها عن تيار الإسلام السياسى لتصدرفى كتاب.

■ ما هى أحب الأعمال الأدبية لصلاح عيسى إلى قلب أمينه النقاش؟

أول كتبه هو الثورة العرابية، قدم منهجا مهما جدا فى كتابه التاريخ من وجهة نظر ماركسية، ولكن أقرب الكتب لقلبى هو "البرنسيسة والأفندى" لأنه أهداه لى، لكن جميع كتبه بها جمال فى الأسلوب، فهو حول التاريخ من حوادث صماء، وتواريخ وأرقام إلى كائنات حية يتفاعل معها الإنسان ويحبها ويتحدث إليها.

■ كان صلاح عيسى معارضا فى عهد السادات، ومبارك، والإخوان.. ولكنه كان مؤيدا شديدا للرئيس السيسى كيف كانت رؤيته؟

كان ضد نظام الاخوان، وشارك فى ثورة ٣٠ يونيو، كانت له رؤيه أن تحالف ٣٠ يونيو سوف يواجه مصاعب ديمقراطية حقيقية، ولكنى كنت دائما أختلف معه، فأنا أرى أن الإخوان سقطوا من النظام، ولم يسقطوا من المجتمع، وموجودون فى المجتمع المصرى فى الريف والمناطق الشعبية، فأى ديمقراطية بالمعنى الانتخابى فقط ستأتى بهم لا محال، وبالتالى ليست هذه أول مهام ٣٠ ثورة يونيو، حيث إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإعادة بناء القوة الأمنية التى تحطمت فى ٢٠١١، وإعادة المجتمع إلى العمل والإنتاج، لأننا لسنا مجتمعا منتجا، وهذه هى الأولويات، وعلى الرغم من مرور ٥ سنوات على رحيل صلاح عيسى، إلا أنى ما زلت أرى أن الديمقراطية التصويتية عبر صندوق الانتخاب ليست ضرورية فى هذه اللحظة.

■ أمينة النقاش تنتمى إلى الأسرة الصحفية.. هل تشعرين بالرضا عن حال الصحافة فى مصر؟

-الصحافة تمر بأصعب وقت فى تاريخها، ولا يوجد إعلام مهنى، رأيى الشخصى أن على الدولة المصرية أن تتوقف عن صرف ٦ مليارات جنيه سنوياً على الإعلام والصحافة الحكومية، وأن تتوجه بالخيار الآخر والأفضل وهو الفصل بين الملكية والتحرير مثل تجربة البى بى سى، وتستعين بإعلاميين مهنيين، لأن هناك تدهورا شديدا فى الصحافة، إلا أن الصحافة الخاصة أحدثت نقلة لا بأس بها، ولكن وسط تكلفة مرتفعة للطباعة وارتفاع أسعار الورق، بتخفيض كبير فى المرتبات، ولا يوجد تدريب دورى للصحفيين، هناك أزمة وجودية بالإضافة إلى الخلط بين الإعلان والتحرير، الصحافة تحتاج إلى رؤية جديدة بالتحرر من النمطية السائدة منذ ٧٠ عاما، وتنطلق من القواعد المهنية السليمة.

■كيف كان يرى الكاتب صلاح عيسى المرأة؟

فى كتابات صلاح عيسى تستطيعين أن تري كيف كان يرى المرأة، كان صلاح عيسى مستنيرا جدا، وكان يحترم دور المرأة فى المجتمع وكان داعما قويا لها، فالمرأة لعبت أدوارا هامة فى حياته، والدته وزوجته وكل امرأة تعامل معها فهو يرى أنها نصف المجتمع.

صلاح عيسى فى سطور

عرف الكاتب الراحل صلاح عيسى بأنه كان واحدًا من أصحاب المواقف القوية والثابتة، عن حرية الرأى وحرية الصحافة، التى ظل يدافع عنها طوال حياته، ودفع ثمنًا كبيرًا من أجل التمسك بها. كما كان كاتبًا صحفيًا غزير الإنتاج، مهتمًا بكل ما يدور فى وطنه وفى العالم. كان عيسى صاحب قلم بارع، لديه قدرة فياضة على الاسترسال فيما يكتب. ورغم هذه البساطة والتدفق، إلا أن ما يكتبه كان 

ينطوى على عمق شديد، وكان صاحب كتابات تاريخية مهمة وغير تقليدية، جعلتنا نتأمل بعض وقائع التاريخ وكأننا نعيش فيها، مشيرًا إلى الدلالات والأبعاد الكبرى وراء هذه الوقائع التاريخية التى تبدو بسيطة.

تنوعت كتاباته التى بلغت أكثر من عشرين كتابًا، فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى والأدب، لكنها دوماً كانت مرتبطة بالهم الذى يحمله منذ اتجه عام 1962 للكتابة فى هذه المجالات.

اعتاد عيسى أن يدمج التاريخ فى الحكاية، يربطهما بخيط من الصحافة، ويحكم الرباط بمزيد من التوثيق، ينقل كل هذا إلى كتاب فى النهاية، ليستمتع قارئُه بنموذج فريد من الحكى الذى يجمع بين الفكر والصحافة والأدب.

كانت الفئات الشعبية والفقيرة محور كتابات عيسى، فتنوعت كتاباته التى بلغت أكثر من عشرين كتابا، فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى والأدب، ففى كتابه «ريا وسكينة.. سيرة سياسية واجتماعية»، تحدث بمعلومات ووثائق عن الظروف السياسية والاقتصادية التى أحيطت بتلك التجربة، أما فى كتابه «شخصيات لها العجب»، فكان أشبه بمخرج سينمائى ينسج خيوطا درامية لعدد من الشخصيات البارزة فى مصر، بينهم الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين وغيرهما لتحمل كل هذه الأعمال الكثير من حياة المصريين.

بدأ صلاح كتابة الرواية والقصة، وكتب مجموعة قصصية نشرت تحت عنوان بيان مشترك ضد الزمن، وكانت هى مجموعة من القصص، نشرها تباعا فى مجلة الآداب البيروتية فى الستينيات، وكتب 

رواية اسمها مجموعة وثائق وشهادات من تاريخ زماننا، وفى السجن قطعوا له رواية لأن داخل السجن ممنوع الكتابة، وقرر أن يتوقف عن كتابة الرواية والقصة بعد هزيمة يونيو ٦٧.

 

«البرنسيسة والأفندى».. جريمة عشق ملكية

قصة حفيدة الباشا زرقاء الدماء وزوجها ذو الدم الأحمر"أننى أعذرك، لو وجدت الكتاب أقرب إلى فيلم سينمائي، أخرج حسن الإمام بعض مشاهده وأخرج يوسف شاهين مشاهد أخرى منه.. وليس ذلك على أى الأحوال نادرًا فى فيلم - أو علم- التاريخ".

شحذ صلاح عيسى خيال قارئه عندما كتب عن حكاية حب تحولت إلى واحدة من أبشع جرائم القتل، وفى طريقها هزت عرش مصر الذى كان محمد على باشا قد رسّخه لأحفاده، بعد أن تزوجت الأميرة فتحية شقيقة الملك فاروق من رياض غالى الذى كان يعمل فى خدمة والدتها.. هذا الامتزاج بين حفيدة الباشا زرقاء الدماء والأفندى ذو الدم الأحمر، حمل قصة درامية استحق أن يرويها عيسى باسم "البرنسيسة والأفندي"، والتى انتهت فيما بعد إلى إطلاق رياض أفندى غالى ثلاث رصاصات على

 رأس زوجته البرنسيسة فتحية وأطلق الرصاصة الرابعة والأخيرة على رأسه.

يصف الكتاب الذى ضم أكثر من ٢٠٠ صورة تاريخية نادرة لأطراف المأساة حالة الصدمة التى أصابت الملك فاروق فى عام ١٩٥٠ عندما تلقى خبر زواج شقيقته من رجل كل مؤهلاته أن والدته قد اختارته سكرتيرًا لها إبان إقامتها فى الولايات المتحدة؛ وارتفعت نافورة غضبه التى كانت أصلاً تبلغ ذروتها على والدته الملكة نازلي، بينما كان الخبر كفيلاً بالتهييج على أكثر من وجه، فمن يكرهون الملك استخدموا القصة ضده، ومن يحبونه زادوا من أسنتهم ضد أمه الملكة نازلي، وبين هؤلاء ذهبت الصحف مذهبها فى التناول طبقًا لمواقفها السياسية المسبقة، وبعضها تناول الأمر من زاوية طائفية على اعتبار أن الزوج مسيحى والزوجة مسلمة.

عرض عيسى فى الكتاب مذكرة الملك التى عرضها على مجلس البلاط الملكى للمناقشة، ما زاد من اشتعال الموقف بين كل الأطراف، وتناول كذلك قرارات البلاط التى حرمت الملكة الأم من التصرف فى ممتلكاتها أو الوصاية على بناتها، فيما قرر الملك فاروق حرمان شقيقته فتحية من لقب الإمارة وما يتبع ذلك من حقوق ومزايا، بالإضافة إلى شطب اسمها من كشف أسماء الأميرات المدرجات فى الوقائع المصرية.

استعرض عيسى العناوين الرئيسية فى الصحف التى تابعت الأزمة، بينما كان رد فعل الملكة أنها لن تمثل أمام مجلس البلاط ولن تعود إلى مصر إلا إذا أعيد لفتحية لقبها وأقر الملك والحكومة زواجها من رياض أفندي، وفى مواجهة استهانة الملكة حاولت القاهرة الضغوط على الحكومة الأمريكية بالتدخل وطرد الملكة ورياض وفتحية، لكن ذلك لم يفلح، وهو ما أدى إلى شن حملة صحفية فى مصر ضد 

أمريكا، وكان من بين الذين اتخذوا هذ النهج الكاتب الصحفى محمد التابعى الذى رفع الأمر إلى درجة الربط بين رفض أمريكا المطالب المصرية والاعتراف بإسرائيل قائلاً "إن الأيام القادمة ستكشف عن أن أعداء مصر والعرب من الصهيونيين لعبوا دورًا مهما فى هذه المسألة، وعملوا على إحباط مساعى مصر، وعلى تسهيل وإتمام عقد قران الأميرة فتحية ورياض غالي".

ووصف عيسى ببراعة فائقة فى الكتاب العامل الدينى الذى دخل فى القضية منذ لحظتها الأولى، ووصل فى الفصل الثامن إلى ذروة تأثيره بالشكل الذى طفت معه قضية الطائفية إلى السطح؛ ففيما كان

تأكيد الاثنين - غالى وفتحية - ومعهما الملكة نازلى على أن رياض ترك المسيحية إلى الإسلام وأن الزواج سيتم طبقًا لتعاليم الإسلام، انتهت إلى تحول نازلى والأميرتين إلى المسيحية، واعتنقوا جميعا المذهب الكاثوليكي.

مع الرفض الشديد للمسلمين الممثلين فى الأزهر، كان على الضفة المقابلة -كما يقول عيسى- وطبقاً لضرورات الموازنة السياسية والطائفية أن يستنكر الأقباط الزواج كما استنكره المسلمون، وأن يجددوا ولاءهم للعرش وتأييدهم لما اتخذه الملك من إجراءات، حتى والد رياض نفسه قال للصحف إن الإسلام والمسيحية لا يقران ما حدث ولا يباركانه؛ كما أن ما لفت النظر أن الرؤية الطائفية للحدث امتدت إلى مثقفين نشأوا فى ظل ثورة ١٩١٩ التى صهرت عنصرى الأمة فى قومية واحدة.