السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

آلام وآمال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تستمر الدموع تهطل بغزارة في نهاية عام 2022 على عكس الابتسامات التي كانت شحيحة. كانت الدموع غزيرة ونحن نشهد الحرب على أوكرانيا ومئات القتلى يسقطون مع معاناة العائلات جراء مآسي الحرب وقصص التهجير وفراق الأحبة ومعاناة العالم من تداعيات الحرب على حيوات الناس ولقمة عيشهم. وتسببت كذلك في تفاقم نقص تمويل الأزمات الأخرى لدى المنظمات المعنية بالإغاثة الإنسانية. كانت المشاعر مؤلمة وحزينة ونحن نتابع الأوضاع الاقتصادية العالمية المزرية التي اكتوى بنيرانها الغلابة وأصحاب الثروات على حد السواء، كلٌّ يبكي أوجاعه بطريقته وعلى قدر حجم خسائره، وكلاهما أيضًا يتجرع طعمها المرّ. فوحدها لغة الأرقام لا تكذب ولا تزيّن الواقع، حيث أظهرت أن إجمالي ما فقده العالم من ثروات بلغ نحو 1.9 تريليون دولار في عام 2022، وفقًا لتقديرات فوربس، مع انخفاض ثروة أصحاب المليارات خلال عام من 13.8 تريليون دولار إلى 11.9 تريليون دولار. وإذا كان 100 مليارديرقد قلّت ثروتهم فإن 20 مليونا لم يعد لديهم خبز أو ماء، و200 مليونا قد انزلقوا من طبقتهم الوسطى الهشة وانضموا إلى طبقة الفقراء الأكثر هشاشة. 
وهكذا يتضاعف الحزن ويستبد اليأس، وكيف لا والأفق لا تلوح فيه أيُّ بوادر على قرب نهاية هذه الحرب مع استمرار الشلل في إمدادات الطاقة والوقود والمواد الغذائية فيما يبدو أنَّ الأسوأ لم يصل بعدُ. 
واهتزت قلوب الناس في 2022 كثيرا ولم تتوقف.. بكوا بحرقة مع وفاة الطفل المغربي الذي ظلَّ عالقًا في بئر لمدة خمس أيام ؛ وربما لم يتفاعل العالم مع حادث من قبل كما تفاعل مع هذا الحادث، وكانت لحظة صدق نادرة أنارت قلب العالم الذي مازال ينبضُ رغم الحروب والكراهية المتفشية والعنصرية المقيتة. وكانت الدموع حارقة أيضًا ونحن نتابع الحرب الاسرائيلية على غزة في الخامس من أغسطس الماضي التي تسبَّبَت في استشهاد 48 فلسطينيًا بينهم 16 طفلًا و4 سيدات، وإصابة 360 آخرين بحسبِ بيان وزارة الصحّة في غزّة.. حصيلة هي الأكبر منذ الانتفاضة الثانية، واستهداف لعدد أطفال هوالأكبر.. إنهم يقتلون المستقبل بتدبير وتصميم! لم تكن الدموع قد جفت ولا الذاكرة قد نسيت استشهاد المراسلة شيرين أبو عاقلة برصاصة في الرأس عند اقتحام جيش الاحتلال مدينة ومخيم جنين. وعرّت صور الصحفيين الوجه الحقيقيّ للاحتلال الغاشم لعلَّ العالم يفهمُ الدرسَ الذي يصرُّ على تجاهله دائمًا، فلربما تغيّرُ الصورُ مجرى التاريخ هذه المرة! كانت ومازالت صدماتنا مؤلمة ونحن نشهد شطحات الدولار الأمريكي الجبار حيث أصبح الآن أقوى مما كان عليه منذ عقدين؛ فعندما يرفع البنك الفدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، فإنه يجعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين في جميع أنحاء العالم ويتحول الدولار إلى ملاذ آمن لركن الأموال بينما تنهار بقية عملات العالم ويتبخرمعها حلم التنمية، والسيادة واستقلالية القرار عن سيدة العالم التي ماتزال تسود والباقي يتبعونها أو يصارعون الأمواج علّهم يصلون يومًا لشطآنهم وعناوينهم! فيا لها من دموع القهر على عالم يقتات فيه القويُّ على آلام الضعيف ويضخُّ في عروق اقتصاده دماءً من نزيف اقتصادات غيره المتهالكة. 
وكان عام 2022 عام رحيل العمالقة من مفكرين وكتاب وفنانين.. فبكينا وائل الأبراشي بقصته المأساوية مع فيروس كورونا الذي أذاقنا من قبل الألمَ والحزنَ على أحبابٍ لنا لأكثر من عامين. سبقه في الرحيل الصحفي المقاتل ابراهيم حجازي فهو من القلائل الذين حملوا السلاح في حرب أكتوبر ولم يتركه بل ظلّ محاربا لآخرَ مشواره. كما غادرنا فجأة المطرب والملحن أحمد الحجار صاحب أغنيته الرائعة "عود" وتركنا واحلين في مشوارنا لا نعرف كيف نعود! ورحلت "ميم" إحدى حسناوات فرقة وعائلة أبو عوف (مها أبو عوف) وضاعفت من أحزان أسرتها والعائلة الفنية التي لم تفق من رحيل شقيقها عزت أبو عوف. كما رحل المخرج المسرحي الكبير جلال الشرقاوي، وعلى عبد الخالق، وفطين عبد الوهاب، وعايدة عبد العزيز، وهشام سليم، وسمير صبري وغيرهم وغيرهم. وكانت الدموع غزيرة لفراق كاتب كبير أثّرَ في أجيال عديدة وهو صلاح منتصر. وزادت الأحزان ثقلًا على صدورنا مع رحيل الكاتب والإعلامي الكبير مفيد فوزي مع تساقط آخر ورقات هذا العام. 
كم تساقطت الأوراق وكم فقدنا من أحبة! لمْ يعدْ شيءٌ يخفِّفُ عناغياب كُلِّ الذين غادرونَا، سوى آثارهم في أعَيُننا.. فقد كانوا جميهم عمالقة مؤثرين تركوا بصماتهم، كلّ بطريقته، لذلك يظلُّون أحياءً في القلوب لاينطفئون.. ربّنا ارحمهم زملاء وأساتذة وأحبّة وقدوات طيبة نظلُّ نفخربهم.. رغم الألم الذي يصاحبنا عند ذكراهم.
فأيها العام (2022 ): رحمة بدموعنا.. ارحلْ بغيومك السوداء وظلالك القاتمة، أدميتَ قلوبَنا، ونحتاجُ لهدنةِ مع شمس جديدة ننتظرها بفارغ الصبر لتخفف من غيمات سمواتنا وتنشر الدفء والأمل في أيامنا المقبلة. وهكذا هي الحياة تذيقنا الألم ونتطلعُ إلى الأمل حتى ونحن في بئر الشدة، لأننا مدركون أن لكلّ شدةٍ مُدّةٌ ولكل ضيقٍ مُتّسعٌ فننتظر النهارَ المضيءَ يعقبُ الليلَ مهما طال حتى يصالحنا الأمل على أوجاعنا ونسماته المنعشة على قبونا المظلم.. فبالنسمات نحيا حتى لو قتَّرت الأيامُ ابتساماتها!