مما لا شك فيه أن التصوف ظُلِم ظلمًا كبيرًا لم تتعرض لمثل هذا الظلم مدرسة من المدارس الفكرية عبر التاريخ وذلك حين كيلت الاتهامات لرجالاته بالعزلة عن الحياة والانطوائية واختزال أحوالهم ما بين رثاثة الثياب والخلوة المقيتة!
ولعل من نافلة القول أن نذكر أن هذا الظلم الواقع على التصوف قام به مريديه قبل خصومه حيث لاكت ألسنتهم ورددت أقاويل عن القوم دون دراية منضبطة أو تحقيق علمي رصين كترديدهم أن القطب الكبير السيد أحمد البدوي رضي الله عنه كان مجذوبا متقوقعا في خلوة على خلاف الحقيقة في حين أن القطب البدوي نشأ حافظا لكتاب الله عز وجل متفقها على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه قاضيا أطوار حياته طلبا للعلم وباحثا عن الحقيقة في دنيا الناس ..
فقضى جل أنفاسه متنقلا ما بين فاس ومكة والعراق إلى أن انتهى به المطاف بمصر متخذا من طندتاطنطا حاليا مستقرا ومقاما فأسس المدرسة السطوحية الأحمدية كقلعة كبيرة من قلاع التصوف المنضبط بالكتاب والسنة وبها ربى رجالا وقادة ومصلحين كخليفته الأول وتلميذه المخلص العارف بالله سيدي عبد المتعال الأنصاري.
وللإنصاف نقول: لقد كانت نخبة مريديه، بمثابة إدارة التوجيه المعنوى فى الجيوش الحديثة، وشارك أغلبهم فى مقاومة غزو الفرنجة، وكانوا أبطال هزيمة حملة لويس الـ16، ملك فرنسا، الذى أسره المصريون فى دار ابن لقمان بالمنصورة، وأسر معه الآلاف من جنوده.
بل إن الوالج لحجرة الآثار الأحمدية بالمسجد الأحمدي بطنطا ليرى مدى بهاء وجمال ورونق متعلقات السيد أحمد البدوي كعباءته وعمامته ومسبحته وما إلى غير ذلك.
وهذا هو القطب الكبير أبو الحسن الشاذلي وكان الشيخ في أخريات حياته قد كف بصره ووهن عظمه، ولكن عزيمته لم تهن، فذهب إلى ميدان المعركة مع جند مصر في مواجهة جيوش الغرب الصليبية بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا «ذهب هناك للمنصورة مع قافلة النور تضم رجالات من أعظم الرجال في العلم والدين: العز بن عبد السلام ومجد الدين القشيري ومحيي الدين بن سراقة ومجد الدين الأخميمي، والفقيه الكمال ابن القاضي صدر الدين، والفقيه عبد الحكيم بن أبي الحوافر.
وكان وجود هؤلاء العلماء الأجلاء في المنصورة من عوامل رفع الروح المعنوية للمقاتلين وتقوية إيمانهم وعزمهم.
وكما كان الشاذلي مكافحا وداعيا لنصرة الإسلام والمسلمين، فقد كان يدعو أتباعه إلى السعي للزرق وإلى العمل.
وكان يكره المريد المتعطل الذي يسأل الناس.. وكثيرًا ما حث أتباعه على العمل ويقول لهم: عليكم بالسبب.
ما نريد الإشارة إليه أن أقطاب التصوف لم يكونوا بمعزل عن الحياة وعن قضايا أمتهم وعالمهم الإسلامي بل كانوا في مقدمة الصفوف لا يتراجعون قيد أنملة ومضبطة التاريخ خير شاهد على ذلك.
فليت أبناء التصوف اليوم يدركون أن التصوف ليس سلبية أو انطوائية بل فروسية في شتى مناحي الحياة ففلسفة التصوف في فقه القوم الحياة أقل من أن تكون غاية ولكنها أهم من أن تنسى_فهم بذلك رهبان بالليل وفرسان بالنهار فكانت الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم .
عشرات المتصوفين وضعوا بصماتهم فوق جبهة الحياة، ثم مضوا، واختفوا، في حنايا التاريخ، ولم نعد نسمع عنهم... وهناك متصوفون أجبروا الأجيال علي ذكرهم وذكر تعاليمهم، وترديد أورادهم وأحوالهم.
وخلاصة القول:
لقد دس على التصوف المزيفون من رجال التاريخ، ودس على التصوف أهل إلحاد وخصوم الإسلام، وشوه التصوف رجال مغرضون تزيوا بزيه وانتسبوا إليه، فشوهوا وجهه بأفعالهم، وشوهوا سيرته بأقوالهم وهو منهم براء، وهو لهم خصم واضح الحجة.
إن العالم الإسلامي اليوم وهو على أبواب وثبة من وثباته التاريخية، يجب أن يتنبه لهذا التربص كما يجب أن يتوافر العلماء والكُتَّاب والباحثون على التاريخ الإسلامي ليعرضوه عرضًا جديدًا كريمًا، وليكتبوه من جديد على ضوء العلم والمعرفة والروح الإسلامي النقي الملهم.
آراء حرة
التصوف المفترى عليه
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق