شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدورة الثانية من مؤتمر "بغداد للتعاون والشراكة"، بمشاركة عدد من دول الجوار والدول الصديقة
وألقى الرئيس كلمة جاءت تفاصيلها:
يسعدني أن أتواجد معكم اليوم، في المملكة الأردنية الهاشمية وأن أتوجه بهذه المناسبة بخالص الشكر والتقدير، إلى صاحب الجلالة الملك "عبد الله الثاني"، على مبادرته لاستضافة هذه القمة بالبحر الميت وعلى كرم الضيافة وحسن الاستقبال وعلى جهوده، وفخامة الرئيس "إيمانويل ماكرون"، رئيس الجمهورية الفرنسية، في الحفاظ على دورية انعقاد هذه القمة.
يلتئم هذا الجمع الكريم للمرة الثانية، بعد قمتنا الأولى التي احتضنتها "بغداد"، في أغسطس عام ۲۰۲۱ حين تعاهدنا معًا، على دعم الجهود الوطنية لأشقائنا في العراق، حكومةً وشعبًا، في سبيل تحقيق أمن واستقرار بلادهم، وحفظ سيادتها، واستعادة مكانتها التاريخية، ودورها العربي والإقليمي الفاعل.
ويأتي اجتماعنا اليوم، ونحن نشهد تحسنًا ملموسًا في الأوضاع بالعراق وأغتنم هذه المناسبة، لكي أتقدم بخالص التهنئة، إلى دولة رئيس الوزراء العراقي "محمد شياع السوداني"، وللشعب العراقي العزيز، على استكمال مراحل الاستحقاق الدستورية وبما يفتح المجال للانطلاق نحو المستقبل.
إن انعقاد قمتنا اليوم، يحمل معه دلالةً سياسية مهمة، على اعتزامنا مواصلة توفير كافة سبل الدعم للعراق الشقيق ورغبةً صادقة، في الانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة من خلال تعزيز العمل في أطر التعاون الثنائي، أو المتعدد، كآلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، أو غيرها.
كما يمثل اجتماعنا فرصة لتبادل وجهات النظر، واستكشاف آفاق جديدة، للتنسيق والتعاون بين بلادنا والعراق، دعمًا لمسيرته نحو الاستقرار وبما يعزز قدراتنا في مواجهة التحديات المرتبطة بالأزمات الدولية وما يستتبعها من تحديات عابرة للحدود في مجالات؛ الصحة، وأمن الغذاء، والطاقة، وسلاسل الإمداد وغيرها، وبما يحقق مصالح شعوبنا.
لقد واجه العراق على مدار سنوات طويلة، انعكاسات بالغة السلبية، لانتشار الإرهاب والفكر المتطرف، وويلات الصراعات والحروب طويلة الأمد في سياق لم يخل من تدخلات خارجية على نحو أثقل كاهل العراقيين وارتدت آثاره إلى كل شعوب المنطقة.
وتثمن مصر عاليًا في هذا الصدد، الجهود والتضحيات الباسلة والغالية، التي تكبدها الشعب العراقي الشقيق بكافة أطيافه، في مواجهة هذه التحديات وما حققته الدولة العراقية من إنجازات مهمة سمحت باسترجاع دور مؤسسات الدولة، والقضاء على مشروعات الإرهاب الظلامية، وتحقيق أمن واستقرار وسيادة البلاد، وصون وحدة نسيجها الوطني.
كما لا يفوتني، أن أشيد بمساعي الدولة العراقية، على صعيد إطلاق مشروعات إعادة الإعمار وتمهيد الطريق لتحقيق نقلة تنموية شاملة من خلال التوظيف الأمثل لإمكانيات وقدرات وموارد البلاد.
واسمحوا لي من هذا المنبر، أن أجدد التأكيد، على دعم مصر الكامل لهذه الجهود الدؤوبة والتي تسهم بشكلٍ ملموس، في ترسيخ مفهوم الوطن الآمن والمستقر ففي نجاح العراق.. نجاح لنا جميعًا.
لقد أثبتت الأزمات المتعاقبة، التي شهدتها العديد من دول المنطقة، على مدار العقود الماضية، أن تحقيق الاستقرار الكامل له متطلبات لا غنى عنها تبدأ بتعزيز دور الدولة الوطنية الجامعة وتمكين مؤسساتها من الاضطلاع بمهامها في حفظ الأمن، وإعلاء سيادة القانون، والتصدي للقوات الخارجة عنه، وصون مقدرات وثروات الشعوب، وهو ما سيوفر المناخ المناسب، لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة، وترسيخ دعائم الحكم الرشيد.
وفي إطار من المصارحة، فإن هذه الأهداف لن تتحقق، ما لم يتم إعلاء ثقافة الاعتدال والتسامح وقبول الآخر وبما يضمن التمتع بالحق في حرية الدين والمعتقد وتجاوز مفاهيم الطائفية، والتشدد والانقسام، والأفكار الرجعية التي لا مكان لها في عصرنا الراهن فالعالم يتسع للجميع والاختلاف لا يمكن التعاطي معه، بالاستمرار في صراعات ممتدة لا غالب فيها، ولا مغلوب.
وفي هذا السياق، يأتي انعقاد قمتنا اليوم لتجديد الالتزام بالمبادئ الثابتة في العلاقات الدولية والتي ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده وفي مقدمتها حسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وعدم الاعتداء والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والتوقف عن فرض سياسة الأمر الواقع، وأهمية العمل على تحقيق المنفعة المشتركة.
وتأسيسًا على ما تقدم، تؤكد مصر على رفضها، لأي تدخلات خارجية في شئون العراق وأهمية مواصلة الجهود المشتركة، لرفع قدرات مؤسسات الدولة العراقية في مختلف المجالات كون ذلك هو السبيل الأمثل، في الحفاظ على أمن وسيادة هذا البلد العريق، وهو ما ستنعكس آثاره على أمن سائر دول المنطقة.
وإيمانًا من مصر، بفوائد التعاون المتبادل البناء فقد شاركنا مع العراق والأردن، في تدشين آلية التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث، كأحد أطر العمل العربي المشترك الرامية إلى تحقيق التكامل، على نحو يخدم مصالح شعوبنا الشقيقة، في ضوء ما يربطها من علاقات تاريخية وأخوية، ووحدة مصير وأهـداف مشـتركة.
وأجدد التأكيد في هذا الخصوص على اعتزامنا المضي قدمًا، في تنفيذ المشروعات المشتركة، الجاري دراستها حاليًا في إطار الآلية وبما يسهم في تحقيق التنمية المأمولة لشعوبنا ويتيح المجال لهم، للاستفادة المتبادلة من قدرات بعضها.
وختامًا أود أن أتوجه بكلمة إلى شعب العراق الشقيق، فأقول: "يا شعب بلاد الرافدين العظيم إنني على ثقة تامة، في قدرتكم على المضي قدمًا، صوب مستقبل أكثر ازدهارًا متسقًا مع حضارتكم العريقة، التي أسهمت في تشكيل تاريخ الإنسانية وكلي يقين، أن ما تتسمون به من تعددية، وما تمتلكونه من إمكانيات، سيتيح لكم تجاوز أي تحديات مهما بلغت، لقد حققتم الكثير في سبيل استعادة بلادكم وعليكم استكمال إنجازاتكم، على طريق البناء والتنمية والتطوير وستجدون في مصر دائمًا عونًا لكم، وسندًا لتطلعاتكم وخياراتكم ليبقى العراق دائمًا، إحدى قلاع العروبة، ومن أهم مراكز الحضارة في العالمين العربي والإسلامي.