امسكوا طرف الخيط وشاركوا بالقرار شعار حملة وزارة التضامن الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة والتي أطلقتها في 25 نوفمبر الماضي إلى الآن.
والتقت البوابة نيوز، بإحدي ضحايا العنف وكيف تحدت كل الصعاب.
وبدأت شيرين قصتها بهذه الكلمات "ليس مقبولا أن تعملي أخصائية اجتماعية في نفس دار الأيتام التى تربيت وتعيشين فيها ما ينفعش بنت تبقى أخصائية على أخواتها"، كان هذا هو الرد الذى واجه طلب "شرين عبد الله إبراهيم"، حين أرادت أن تعمل في نفس دار الأيتام التى تعيش فيها بميت غمر بمحافظة الدقهلية.
ووجدت شرين وظيفة أخصائية اجتماعية في مؤسسة أخرى للبنات في المنصورة، فكانت تعمل وتقيم فيها، وتعود لدارها 4 أيام في كل شهر كأجازة من العمل، واستمر الحال هكذا 3 سنوات، حتى جاءت كورونا وتعبت شرين وبقيت في دارها بميت غمر، ووجد المسئوولون في مديرية التضامن الاجتماعي أنها الأنسب للعمل في دار ميت غمر، بعدما تابعوا عملها في دار المنصورة، وتم تكليفها بالعمل كإخصائية اجتماعية في الفترة المسائية بنفس الدار التى تربت وعاشت فيها مع أخواتها، لتصبح موظفة رسمية بالدار.
وقالت "أول مرتب أخدته عزمت بيه اخواتي على الأكل وذهبنا الي الملاهي ، واحتفلنا بعيد ميلاد أختنا الصغيرة بتورتة حلوة، أحس أن كلمتى ورأيي مفضلين عند اخواتي أكثر من أى أم ثانية في الدار، لأننا قريبين من بعض، وأحداث كثيرة من اللي بيمر بها اخواتي الصغيرين مريت بيها، وأحاول أمنع اللي ماكنتش أقدر أمنعه زمان".
تشارك شرين في مبادرة" مبادر" التى تتبناها الجمعية الوطنية لتنمية وتطوير دور الأيتام، لتكوين قيادات إيجابية في دور الأيتام.
وقالت علمونى إزاى أكتب قصتي، ولما جيت أقراها قدام شباب أيتام زيي، كان صوتي بيقطّع، ودقات قلبي سريعة، كنت متوترة، لأنى سأتحدث عن أشياء كنت دفنتها بقالي كتير، وكان مستحيل أتخيل أقولها لأحد، أصلا لم أكن أجرؤ على ترديدها بيني وبين نفسي، وأقول إن ده كان بيحصل معايا أو كان بيوجعني، هفتح جرح كنت قافلة عليه، بحاول لا أقرب منه ولا حتى أعالجه، لكن كنت مطمنة إن لن ينظر لي أحد بنظرة عطف أو شفقة، لأن كلنا زي بعض".
بعدما حكت شرين قصتها اكتشفت أن قصصهم كانت متشابهة، وقالت "عرفت وقتها إن المشكلة مش في أنا ولا في المكان اللي كنت فيه، المشكلة في حاجات كتير عملت فينا كلنا كده، ولازم نواجهها ونحاول نغيرها، عشان كده أتعلم لكي أتعرف على مشاكلي أنا واخواتي أكثر، وأقدر أكون شخص فعال في المجتمع وخصوصا في مجال الأيتام، ومثلي الأعلى في المجال ده نهلة النمر".
رغم ما حكته شرين فهي تحب دارها التى عاشت فيها، وتحب المشرفين والمسئولين الموجودين فيها، وقالت ايضا "بنحبهم ومتعلقين بيهم، وده المكان الوحيد اللي بنحس فيه أنا واخواتي بالأمان اللي ناقصنا بس إنهم يفهمونا كويس، و يبطلوا يشوفونا وحشين وتصرفاتنا وحشة، ويعرفوا إن كل حاجة لها سبب، غالبا مش بنعرف نقول على اللي واجعنا، فبيكون لنا رد فعل ممكن يتفهم غلط، لكن لو وصلنا لسلام مع نفسنا، مشاكل كثير جوانا هتتحل".
ونشأت شرين، صاحبة الـ 26 عاما، في حضن أسرة كافلة في المنصورة، وفي أحد الأيام سمعت أمها تتحدث إلى سيدة أخرى وتقول لها أنها سترسل شرين إلى مكان آخر، وفي اليوم التالي جاءت سيدة -عرفت فيما بعد أنها من مديرية التضامن الاجتماعي- وقالت لي هتقعدي في بيت كبير لغاية ما شقت ماما تخلص، كان عمرى وقتها 8 سنوات، وقعدت فترة طويلة لغاية ما قدرت أستوعب إن في بنات كتير زيي".
وكان عدد البنات في الدار التى عاشت فيها شرين لا يتجاوز 22 بنتا، وكان العدد أقل وهن صغيرات، مما أعطاهن شعورا بأنهن عائلة واحدة، القليلات منهن جئن من أحضان أسر كافلة، والباقيات جئن من دور أخرى.
وأضافت شرين: "حاولت أمي التى كانت تكفلني أن تتواصل معي ثانية، لكني رفضت، لأنها كانت تضربني، وكانت تحاول دائما أن تفرق بيني وبين أبي الذي رباني، ولم يكن لديهم أطفال غيري، وكنت دائما عايزة أكون كويسة عشان أثبت لهم إني مش وحشة".
وأكدت أن طريقة تعامل المدرسين والعاملين في المدرسة لها ولأختها، جعلتها لا تحب الذهاب للمدرسة، " حيث أن جميع من في المدرسة يعرف إني من الدار، والعامل اللي بيوزع الوجبات كان بينادينيااين البنتين اللي من الدار يجيوا، كان بالنسبة لي أزمة إني أروح المدرسة، ولما كان بيجبروني علي الذهاب الي المدرسة كنت بعمل شغب".
وقالت إن معرفة الزميلات والمعلمين في المدرسة أن التلميذة "شرين من دار أيتام"، جعلتهم يتصرفون بطريقة كرهتني في الذهاب الي المدرسة، "وكان في بنات تجيب لي ساندوتشات، كانوا بيفتكروا إني مش معايا أكل أو أني أكيد أقل منهم، رغم إني كنت دايما معايا ساندوتشات وشنطتي نظيفة ومعي كل الكراسات، يمكن بس كان معي مصروف أقل".
كانت شرين في المرحلة الابتدائية، عندما قالت مدرسة التربية الدينية، أن من يمسح على رأس اليتيم له ثواب عند الله سبحانه وتعالى، فقامت زميلات شرين ليمررن بأيديهن على رأسها ليأخذن الثواب ويدخلن الجنة، وقالت "فضلوا يعملوا معايا كده أسبوع، لغاية ما خلوني زعقت وضربتهم وعيطت، واشتكوني وأنا اللي اتعاقبت، الأخصائية كانت طيبة، لكن اللي يحلف لها يكون هو اللي على حق".
وكان المسح على رأس شرين يشعرها بالضيق وأيضا الزائرين للدار، الذين قد يأتون لمرة واحدة في العام، ويقتحمون خصوصيتهن فقط من أجل المسح على رؤوسهن، وقالت "كنت صغيرة ومش هاقدر أقول لهم حاجة، خصوصا إني مش هاشوفهم تاني، ويمكن لو عاملتهم وحش يشتكوا لادارة الدار وأتعاقب".
وأضافت شرين أنه في إحدى المرات، ضاع شيىء من الفصل، فكانت هي أول المشتبه فيهم، "الكل كان بيبص لي على إني أنا اللي أخدت الحاجة،، وأنا أول واحدة اتفتشت، بس عشان أنا من الدار، والمدرسين طلبوا ان شنطنتي تتفتش".
وعندما كانت شرين في مدرسة بالمنصورة وقت أن كانت تعيش مع الأسرة الكافلة، كانت تعزف على الأوكورديون في الإذاعة المدرسية، وكانت تتحدث في الإذاعة أيضا، وكانت المدرسة مكان ممتع بالنسبة لها، لكن عندما انتقلت للدار والتحقت بمدرسة أخرى، رفضت المعلمة أن تسمح لها بالمشاركة في الإذاعة المدرسية.
وعندما وصلت شرين للمدرسة الإعدادية، كانت زميلاتها في الدار قد التحقن بالثانوي الفني، وكانت هي تأخذ دروسا خصوصية في كل المواد.
وقالت "لم يكن المدرسين يقولوا لأحد إني لا ادفع زى باقى البنات، واحد منهم كان بيقعدني قدام ولو ما جاوبتش كان يضربني زى باقى الطلبة، لكن مدرس الرياضيات كان بيقعدني وراء ومش بيكلمني، فخلاني أحس إني ماليش قيمة، وأسأل نفسي أروح الدرس ليه، كنت محتاجة منه إنه يعاملني زي باقى الطلبة، مش يجي آخر الشهر ويدينى فلوس في ايدي ويقول لي خلي دي معاك، أقول له مش عايزة يقول لي: خديها، تصرفه كان بيشعرني أني محتاجة، لو كان بيعاملني زي ابنته أكيد كانت المشاعر دي هتوصلني".
حصلت الطالبة شرين على مجموع مرتفع في الشهادة الإعدادية، وكان حلمها هو الالتحاق بالثانوي الفندقي، لكن كان رأي القائمين على الدار أن تلتحق بالثانوي الفني التجارى أو الصناعي،وقالت "قالوا لي انت أحسن من اخواتك في إيه؟، ادخلي دبلوم ..هو انتم فالحين في حاجة، فدخلت الثانوي العام تحدي، والأخصائية قدمت لي منازل عشان كنت تعبانة لأني مريضة حمى روماتيزمية".
وأضافت " كانوا بيجيبوا لي الدروس اللى ببلاش بس، يعني اللي المدرسين بيتبرعوا بيها، وفي الثانوية العامة كانوا جايبين لي عريس قبل الامتحانات، وقالوا لي لو سقطي هنجوزك، ونجحت وجبت مجموع وصلني لكلية الخدمة الاجتماعية، وفي المدرسة قالوا لي اعملي تظلم، قلت لهم أنا راضية، لأني عارفه إنهم في البيت مش هيرحبوا".
لم تكن مصروفات الجامعة دائما متوافرة بالنسبة لشرين، حيث كانوا يقولون لها " شوفي كفيل يدفعلك، ولم يكن لدي كفيل، ومسئولة الحسابات هي اللي كانت بتقول للكفيلة اللي لم اكن أعرف عنها حاجة عايزين فلوس لشرين عشان الجامعة".
بعض الفتيات في الدار كان لهن كفلاء، والبعض لا، "لما الكفيل أو الكفيلة تيجي الدار، الإدارة بترشح لها بنت تشوفها، ويقولوا للبنت في حد عايز يشوفك، وإما توافق الكفيلة، أو يعرضون عليها طفلة أخرى، تمام زي ما بيعملوا مع العريس اللي جاى يتقدم لأي بنت من بنات الدار، حاجة بتوجع جدا، وما حدش من البنات اللي بيكون لها أم أو كفيلة بتتخيل إحساس البنت اللي مالهاش كفيلة".
وأكدت شرين أن مسئولي الدار، عادة مايرشحون البنت الأصغر للكفيلة، وبعد وقت من تعامل الكفيلة مع بنات الدار، تجد نفسها تميل إلى فتاة أخرى، فتعرض على مسئولي الدار، أن تكفلها هي الأخرى، "شوية شوية الكفيلة بتهمل البنت الأولى، لأنها بتحس إن البنت الثانية دي هي اللي اختارتها بإرادتها وبإحساسها، وهي البنت اللي قالت لها يا ماما بسرعة، وهنا تبدأ البنت الأولى تشعر بالغضب من التفرقة، وقد تصدر عنها تصرفات غير لائقة".
وأكدت شرين أن في عملها الآن كإخصائية اجتماعية في نفس الدار التى تربت فيها، تحاول أن ترسي قاعدة ألا يتكفل الكفيل بأكثر من طفلة،وقالت "حصل نفس الموقف قدامي، وقالت الكفيلة للمسئولين عايزة أتكفل ببنت ثانية، فحكيت للمسئولين عن مشاعرنا، وإزاى البنتين بيبصوا لبعض في كل حاجة، كأنهم بيتنافسوا على شخص واحد، الكفيلة عايزة طفلة تقول لها ياماما وبتيجي الدار تشبع رغبتها وقت ماهي عايزة، مش وقت ما البنت بتكون محتاجة لها، وده اللي نادينا بيه في القانون الجديد، زى ما الكفيل له حق في حياتي، أنا لي حق في حياته، حقوقي كطفل، يفرغ نفسه لي ولو ليوم واحد جوه الدار أو خارجها عشان يكون في جو أسري".
وجاء اليوم الذي تغيرت موازين القوى في دار الطفلة شرين وأخواتها،حيث أصبح لهن صوت، وأصبح بإمكانهن أن يستنجدن في أى وقت بمديرية التضامن الاجتماعي، في تلك الليلة عرفن كيف يتصلن بخط نجدة الطفل، وتخلصت فتيات الدار كلها من المشرفة التى كانوا يطلقون عليها"الساحرة الشريرة"، كل هذا بفضل الطفلة"شرين عبد الله إبراهيم" وأوضحت
"كنت في المرحلة الإعدادية، وكنا في مناسبة تابعة لمديرية التضامن الاجتماعي، وبيحضرها المحافظ، وسأل مسئول من المديرية على بنت من اخواتنا، فسكتت الإخصائية، وقالوا له إنها تعبانة، لكن أنا وبنت ثانية قلنا له هي متعاقبة ومضروبة ومحبوسة، وتأكد من كلامنا، وأعطاني رقمه، وقال لي لو أى حاجة من دي حصلت تاني كلميني على طول".
في مرة أخرى لاحظت شرين أن بعضا من أخواتها دائما نائمات أو يشتكين من دوخة، فشكت أن يكون في الأمر مكروه، فاتصلت بالمسئول في مديرية التضامن وحكت له، وبالفعل تم التفتيش على الدار وعرفوا أن بعض الأمهات أعطوا حبوبا منومة للبنات، وأضافت "وقتها حسيت إني أقدر أعمل حاجة، قبلها ماحدش كان يقدر يشتكي ولا نعرف إن من حقنا نشتكي، لا البنات اللي أكبر منى ولا اللي أصغر، وبدأ يتعمل لنا حساب واختفى الضرب".
لم يكن الضرب أو الحبس في الحمام لأيام أو قص الشعر، هو ما كان يشعر شرين واخواتها بالاذى، بل كانت إهانة الواحدة منهن أمام الأخريات أكثر أذى،"بعد ما بقينا نقدر نشتكي، اختفى الضرب والحبس في الحمام وقص الشعر، بس لسه فاكرينه، الست اللي كانت بتعمل كده كانت بتحبني ، لكن مش مسامحاها على أى حاجة لسه فاكراها لغاية دلوقت، خاصة لما كانت بتكسرنا قدام بعض، كانت موظفة في دار مسنين، وبيجيبوها لنا عشان تخوفنا، وكانت معروفة في ميت غمر كلها بقسوتها، واحنا بنسميها الساحرة الشريرة، لكن كل ده اختفى لما بقينا نشتكي".